كيف أفشلت تهديدات ميدفيديف النوويّة اجتماع وزراء حلف “الناتو” في قاعدة رامشتاين الجويّة؟
ولماذا تحدّت ألمانيا أمريكا ورفضت إرسال دبّاباتها “ليوبارد” إلى أوكرانيا؟ وكيف برّرت هذا “التمرّد” وأفحمت واشنطن؟
عبد الباري عطوان
أدّت الخِلافات بين وزراء دفاع حلف “النّاتو” إلى فشل الاجتماع العاجِل الذي عقدوه في قاعدة رامشتاين الجويّة الألمانيّة اليوم الجمعة وكان مُخَصَّصًا لإرسال دبّابات ومُدرّعات ومنظومات صاروخيّة إلى أوكرانيا لمُواجهة هُجوم روسي مُوسّع ومُحتمل مع بداية موسم الربيع ربّما تكون العاصمة كييف على قمّة أولويّاته.
فشل الاجتِماع يعود بالدّرجة الأولى إلى رفض ألمانيا إرسال دبّابات “ليوبارد” إلى أوكرانيا التي تُوصَف بأنّها الأقوى من نوعها في العالم الغربي، أو حتى السّماح لدُول أوروبيّة أُخرى تملك المِئات مِنها بالإقدام على هذه الخطوة، أيّ تزويد الجيش الأوكراني بها، لتجنّب استِفزاز روسيا.
السّلطات الألمانيّة التي عارضت فرض عُقوبات على الوقود الروسي وعدم استِيراده تلبيةً لضُغوطٍ أمريكيّة، تذرّعت بضرورة وجود اتّفاق شامِل للحُلفاء حول هذه المسألة أوّلًا، وتهرّب وزير دفاعها من أيّ التِزام بإرسال هذه الدبّابات، أو حتى تحديد موعد للبَثْ في هذه المسألة، وقال يجب أن تُرسل أمريكا دبّاباتها من نوع “أبرامز” أوّلًا، وتقييم إيجابيّات وسلبيّات هذه الخطوة قبل الإقدام عليها.
الجيش الأوكراني الذي جرى توريطه أمريكيًّا في هذه الحرب يُعاني من نقصٍ كبير في الدبّابات والدّروع والمنظومات الصاروخيّة الدفاعيّة، والقذائف، ولهذا دعت الولايات إلى هذا الاجتِماع الذي انعقد اليوم الجمعة على مُستوى وزراء الدّفاع ولكن كان تجاوب الدّول الأعضاء في الحِلف محدودًا، رُغم أن مارتن أوستن وزير الدفاع الأمريكي حذّر من خُطورة هذا التردّد في المواقف، وقال في الاجتماع من أن روسيا تُعيد تجميع صُفوفها، وتجنيد عشرات الآلاف من المُقاتلين، وتُصَعّد تسليح جيشها بأسلحةٍ مُتقدّمة.
أمريكا رصدت أمس مُساعدات عسكريّة لأوكرانيا بقيمة 2.5 مِليار دولار، وتضمّنت منظومات “باتريوت” وقذائف مدفعيّة وذخائر، من بينها 150 ألف قذيفة كانت مُودَعةً في مخازنها في فِلسطين المُحتلّة لاستِخدامها في حالة الطّوارئ أو اندلاع حرب في مِنطقة الشّرق الأوسط.
التطوّر الأخطر الذي تخشاه روسيا يتمثّل في إرسال الولايات المتحدة المزيد من صواريخ “هيرماس”، وبريطانيا 600 صاروخ من نوع “بريمسنون” أرض جو، لتعزيز قُدرات الجيش الأوكراني، وتمكينه من توسيع دائرة الحرب بقصف شِبه جزيرة القِرم، التي ضمّتها موسكو في عام 2014 في مُحاولةٍ لاستِعادتها، ولكن يبدو أن القيادة العسكريّة الروسيّة التي باتت تُنسّق عسكريًّا مع نظيرتها في روسيا البيضاء قد استعدّت بشَكلٍ جدّيّ لجميع الاحتِمالات حسب تصريحات مُتحدّث باسمها.
ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، والرئيس السّابق، عاد مجددًا للتّهديد باللّجوء إلى الخِيار النووي في حالة تعرّض أيّ من الأراضي الروسيّة خاصّةً الأقاليم الأربعة في شرق أوكرانيا وجنوبها إلى جانب شبه جزيرة القرم لهُجومٍ أوكرانيّ، وقال بالحرف الواحد “القوّة النوويّة لا تخسر الصّراعات الكُبرى التي يتوقّف عليها مصيرها، وأن هزيمة أيّ قوّة نوويّة في حربٍ تقليديّة، يُمكن أن يُؤدّي لحربٍ نوويّة”، في إشارةٍ واضحةٍ لروسيا.
روسيا لن تُغيّر عقيدتها النوويّة، ولن تقف مكتوفة الأيدي في وجْه التّصعيد الأمريكي الذي يُريد تدميرها وتفكيكها حسب ما قال الرئيس بوتين أكثر من مرّةٍ، ولعلّ تصريحات ميدفيديف المذكورة آنفًا هو الرّد الأقوى على اجتِماع وزراء حِلف “الناتو” اليوم الجمعة في قاعدة “رامتشاين” الجويّة في ألمانيا.
هل وصلت الرّسالة؟ الجواب نعم كبيرة، والأدَلُّ على ذلك فشل اجتماع وزراء حلف “النّاتو”، وتفاقم الخِلافات بين المُشاركين فيه، ولسببٍ بسيط لأنّ الدّول الأوروبيّة هي التي ستكون الوقود والخاسِر الأكبر في أيّ حربٍ نوويّة، على عكس أمريكا التي تَبْعُد عن ميدان المعارك أكثر من خمسة آلاف ميل.
روسيا لن تخسر هذه الحرب واقتِصارها على الأسلحة التقليديّة حتّى الآن، أمّا إذا خَسِرَتها فسيكون اللّجوء إلى الزّر النّووي حتميًّا، مثلما قال رمضان قديروف رئيس الشّيشان الحليف والصّديق الأقرب لبوتين.. والأيّام بيننا.