الحكاية ليست بالدبابات بل مدافعها
يحاول خبراء الناتو العسكريون الترويج لتسليم أوكرانيا ما يقلّ قليلاً عن مئة دبابة من أنواع مختلفة بصفتها مدخلاً لنقلة نوعيّة عسكرياً تحت عنوان الهجوم، لدرجة أن بعض هؤلاء تحدّث عن توصية أميركية لأوكرانيا بعدم التسرّع في شن هجوم حاسم لحين اكتمال التدريبات، وبعضهم ربط الهجمات السابقة التي شنتها أوكرانيا خصوصاً في خاركيف بدور الدبابات، علماً ان اوكرانيا لم تكن قد تسلمت أي دبابة غربية، وهي كانت تملك قرابة 900 دبابة قبل الحرب وقرابة 2500 ناقلة جند مدرعة، وإن كانت قد فقدتها، فهذا يستدعي الاعتراف بدمار الجيش الأوكراني بدل الحديث عن الهجوم، وإن لم يكن ذلك فيجب تفسير كيف يمكن لمئة دبابة غربية أن تغيّر موازين القوى في حرب لم نشهد خلالها حرب دبابات بعد؟
الدخول في تفاصيل الحرب تؤكد أن التقييمات الغربية والأوكرانية تقول إن الحرب هي حرب مدفعية وصواريخ، وإن التفوق الروسي الأول تحقق على هذا الصعيد، وإن التوازن تحقق بفعل الدعم الغربي المدفعي والصاروخي، لكن المشكلة هي في الذخائر، فالحرب تستهلك شهرياً ما يعادل إنتاج كل دول الناتو في سنة، ولم يعد خافياً الحديث عن نفاد المخزون، ولا عن لجوء البنتاغون الى الاحتياطي المخزّن لدى جيش الاحتلال وكوريا الجنوبية، والتقارير الغربية تتحدّث عن انهيار شامل لأوكرانيا خلال ثلاثة شهور ما لم يتمّ تمكينها من قدرة نارية بديلة، طالما أن تعديل خطوط الإنتاج لتلبية حاجات الحرب يحتاج مئات مليارات الدولارات وانتظار مدة تتراوح بين سنتين أو ثلاث.
هنا وقع الخيار على الدبابات التي تمتلك مدافع من عيار 120 ملم، وهي خصوصاً دبابات ليوبارد الالمانية وأبرامز الأميركية، مع ملاحظة أن دبابات ليوبارد تمّ اعتمادها لتسليح الناتو في أوروبا بقرابة 2000 دبابة، وأن خطوط إنتاج قذائفها موجودة لدى عشر دول أوروبية، بما يعني وجود مخزون من القذائف وقدرة على مواصلة الإنتاج والنقل بسرعة بما يغطي حاجات الشهور الثلاثة المقبلة، مع تقنين استخدام المخزون من جهة وتأمين ما يُتاح من ذخائر أخرى للمدافع وراجمات الصواريخ.
الخلاف الأميركي الألماني نابع من رغبة أميركية تعزّزها الأرقام لجعل ألمانيا تتصدّر الصف الأول للحرب في أوكرانيا بدلاً من تصدّر الصف الأول للتفاوض، بحيث تصبح عبر دبابة ليوبارد هزيمة أوكرانيا هزيمة لألمانيا، وهذا هو السبب الفعلي للخوف الألماني واشتراط السير بالتوازي بين اعتماد دبابات ليوبارد ودبابات أبرامز، على قاعدة أن أي سبب يدعو واشنطن للتحفظ يدعو ألمانيا للمثل.
مَن يتحمل عبء الهزيمة الأوكرانية وليس مَن يكون شريك النصر وحده يفسّر التهرب من الصف الأول.
البناء