kayhan.ir

رمز الخبر: 16409
تأريخ النشر : 2015March09 - 20:30

“عقيدة اللاحل” و”عقيدة التفاوض”

عوني صادق

رغم الضجيج المسموع في الحارة الفلسطينية حول "المعركة القانونية” المنتظرة في "الجنائية الدولية”، إلا أن السلطة الفلسطينية تنتظر نتائج انتخابات الكنيست العشرين التي ستظهر بعد السابع عشر من شهر مارس/آذار المقبل، وتنوي بعدها التقدم ثانية إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار ينهي احتلال الأراضي الفلسطينية المحتلة في يونيو/حزيران 1967.

في كتابه الذي صدر حديثاً، يبين الكاتب المتخصص في الشؤون "الإسرائيلية”، أنطوان شلحت، في دراسة تفصيلية ومتكاملة لفكر وسياسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن عقيدة الرجل لا تعدو "عقيدة اللاحل” والمراوحة في المكان لكسب الوقت وتهويد كل فلسطين تنفيذاً للإيديولوجيا التي ورثها عن والده صديق وسكرتير فلاديمير جابوتنسكي. ومستشهداً بأقوال كل القيادات السياسية والعسكرية "الإسرائيلية”، وبتصريحات ومواقف نتنياهو نفسه، وصل إلى النتيجة التي وصل إليها.

وقد لا يكون من التعسف في شيء أن يقال بأنه ليس بنيامين نتنياهو وحده من عمل ب”عقيدة اللاحل”، بل كل الحكومات "الإسرائيلية” منذ ابن غوريون عملت بالعقيدة نفسها، وكلها قبلت ما قبلت ورفضت ما رفضت من مشاريع التسوية مرحلياً وتكتيكياً لكسب الوقت، ومن دون أن تتخلى عن مشروعها الصهيوني الهادف إلى الاستيلاء على فلسطين التاريخية كحد أدنى لمقولات أساطيرها التوراتية. ولا تعتبر تعسفاً أيضاً العودة إلى ما قبل إعلان "دولة إسرائيل” في مايو/أيار 1948 للتأكد من هذه الحقيقة، بدلالة أن ابن غوريون نفسه هو الذي قبل القرار 181، وكان قبل ذلك قد قبل مشروع التقسيم لعام 1939. من هذا المنظور، لا يبدو غريباً أن تكون سياسة نتنياهو، وكل أسلافه من رؤساء الحكومات "الإسرائيلية”، تقوم على "مرحلة” المشروع الصهيوني من خلال سياسة "اللاحل وكسب الوقت” لخلق الوقائع الاستيطانية التي تمثل رافعة المشروع الصهيوني وأساسه وهدفه النهائي. لذلك من غير المدهش لمن ينظر إلى مجريات التاريخ بدءاً من قبول ابن غوريون مشروع تقسيم 1939، الذي فرضته ثورة 1936، إلى قبول نتنياهو "حل الدولتين”، أن يجد أن كل ما جرى كان محاولات مستمرة لكسب الوقت وخلق الوقائع الاستيطانية، ومصادرة الأرض واستحلاب التنازلات الفلسطينية، ومن ثم قتل كل المشاريع وحلول التسوية عملياً، حتى وصلنا اليوم أن أصبح التندر الشائع على "سياسة التفاوض” الفلسطينية يوضع تحت سؤال: هل بقي شيء للتفاوض عليه؟!

والآن، لماذا انتظار ظهور نتائج انتخابات الكنيست؟ قد يقال إن أحداً لن يفتح أي موضوع مع نتنياهو قبل ظهور تلك النتائج. طبعاً هذا صحيح، وقد كان حل الحكومات "الإسرائيلية” هرباً من مواقف مستحقة، أو من أجل مواقف تراها مستحقة (بما فيها الحروب التي شنتها). والجميع سيرد قبل أن يرد نتنياهو نفسه بالقول إنه لا مجال للحديث مع "حكومة تصريف أعمال”، وما دامت الحكومة الجديدة لم تتشكل بعد. ويراودني، شخصياً، اعتقاد بأن نتنياهو أقدم على تبكير انتخابات الكنيست في إطار "سياسة كسب الوقت” نفسها، معطياً نفسه لا يقل عن ستة أشهر قابلة للاستثمار في مواصلة سياسته، خصوصاً أنه كان مطمئناً إلى فوزه في هذه الانتخابات. وكل المراقبين اليوم وكل استطلاعات الرأي، يؤكدون وتؤكد أن عودة نتنياهو إلى رئاسة الحكومة الجديدة المنتظرة هي الأمر المرجح، إما على رأس تحالف يميني صرف، أو على رأس "حكومة وحدة وطنية”. وفي الوقت الذي يستبعد فيه احتمال فوز ما يسمى "المعسكر الصهيوني” بزعامة اسحق هيرتزوغ وتسيبي ليفني، الذي يعتبر "البديل المحتمل”، إلا أن هذا "البديل” يعلن أنه لا يملك سياسة تختلف عن سياسة نتنياهو، ويقدم نفسه على أجنحة قضايا اجتماعية داخلية، وعلى أساس أنه "سينفذ سياسة الليكود بشكل أفضل منه”!! وقد كان أحد الكتاب "الإسرائيليين” محقاً عندما كتب يقول: "لو كنت مستوطناً لانتخبت نتنياهو، وإذا كنت مخيراً بين الأصل والتقليد، فسأختار الأصل”!! إذا، لا تغيير تحمله نتائج الانتخابات، فما معنى الانتظار إلا إن كان إجبارياً، وهو إجباري بالفعل ما دام يقوم على "عقيدة التفاوض”، إذ مع من ستتفاوض السلطة؟!

وفي آخر مقابلة أعطاها الرئيس محمود عباس لوسيلة إعلامية، وكانت لصحيفة تشيلية (تيرسيرا- 14-2-2015)، قال: "لا مصلحة ل”إسرائيل” في أن تتغير، فالمسؤولون فيها ينتهكون قرارات الأمم المتحدة ويكافأون بمزيد من المبادلات التجارية والاتفاقات”. أليس من المحير أن يكون هذا رأي الرئيس في الأمم المتحدة، وفي الوقت نفسه يكون إصراره التمسك بها طريقا للوصول إلى شيء من الحقوق؟! وإذا كان "استمرار الاحتلال له ثمن يتعين دفعه”، كما يقول الرئيس، فكيف يكون تدفيع المحتلين الثمن؟! وإذا كان الحل الذي يتمسك به الرئيس هو "حل الدولتين”، فما هو مسوغ التمسك بهذا الحل إذا كان الرئيس يقول في المقابلة نفسها: "الحكومة "الإسرائيلية” لا تؤمن، ويا للأسف، بحل الدولتين”؟! مع ذلك، ينهي الرئيس مقابلته للصحيفة التشيلية بقوله: "رسالتي واضحة: نحن في لحظة الحقيقة، ولن نوقف مساعينا السلمية والمشروعة”!!

"ساعة الحقيقة” تقول إن كل سياسات السلطة الفلسطينية عبثية بالنسبة للفلسطينيين، بل هي في خدمة السياسات "الإسرائيلية”، إذ تمنحها ما سعت وتسعى إليه دائماً: كسب الوقت لاستكمال مشروعهم الاستيطاني التهويدي لفلسطين. ولأن نتنياهو، وأي "نتنياهو” آخر على رأس الحكومة، يعرف أنه ليس لدى هذه السلطة إلا "التفاوض”، سيظل يراوح في المكان منتظراً التنازلات الجديدة، لأن "عقيدة التفاوض” لا تلد إلا تنازلات جديدة.