kayhan.ir

رمز الخبر: 163046
تأريخ النشر : 2023January02 - 21:03

تركيا.. الحصان لم يتجاوز أوسكودار

 

رانا أبي جمعة

الحياة السياسية في تركيا مفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها تحوّل رفقاء الطريق إلى خصوم،  وما بين السلطة والمعارضة وسجالاتهما، يقبع المواطن التركي بهمومه المعيشية التي تخيّم على ما عداها.

"Atı alan Üsküdar’ı geçti"، هي العبارة المشهورة التي استخدمها الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في إثر إعلان نتائج استفتاء نيسان/أبريل من العام 2017 الذي نقل تركيا من نظام برلماني إلى رئاسي. المعنى الحرفي للعبارة هو "أن الحصان قد تجاوز أوسكودار"، أما المقصود فهو "أن الفرصة لم تعد متاحة، لقد فات الأوان". وقد استخدم الرئيس إردوغان العبارة في رد على مَنْ دقق في الأرقام، إذ إن نسبة المؤيدين للتعديلات الدستورية لم تتعد 51.4%، أما النسبة الرافضة لها فقد بلغت 48.6%، وفي ذلك تقارب مخيّب للآمال، كما يُفترض، للحزب الحاكم.

اليوم، يُظهر السجال الدائر في تركيا أن الفرصة لم تفت، وأن هناك إمكانية للقيام بأمر ما لتغيير الواقع السياسي، من خلال انتخابات رئاسية وبرلمانية مقررة في 18 حزيران/ يونيو المقبل.

كثر التركيز في الأيام الماضية، وتحديداً من قبل الرئيس إردوغان وحزبه والإعلام الموالي له، داخلياً وخارجياً، عن فشل المعارضة في التوصل إلى مرشح موحّد لخوض الانتخابات.

وما يتم التركيز عليه أكثر هو "الخلافات" الحاصلة بين حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد؛ إذ إن الأول يميل إلى ترشيح رئيس الحزب كمال كليتشدار أوغلو، فيما تميل زعيمة حزب الجيد، ميرال أكشينار، إلى ترشيح أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، الذي تصفه بـ"الفاتح"، والذي صدر بحقه حكم في 14 كانون الأول/ ديسمبر الحالي يقضي بحبسه عامين و7 أشهر و15 يوماً، وحظر نشاطه السياسي لمدة مماثلة، في حال تأييد الحكم في المحاكم الأعلى، وذلك على إثر اتهامه بإهانة أعضاء اللجنة العليا للانتخابات. أما أسباب تأييدها له فهي أن أكرم أمام أوغلو ينتمي إلى جيل الشباب، فيما كليتشدار غير قادر على مخاطبة الكتلتين العلمانية والمحافظة بالطريقة عينها، ما يضعف حظوظه في حصد الأصوات اللازمة في الانتخابات.

ويذهب الإعلام الموالي للسلطات التركية، داخلياً وخارجياً، إلى أبعد من ذلك، إذ يتحدث بعض منه عن مؤامرة ما تلوح في الأفق تهدف لاغتيال كمال كليتشدار أوغلو سياسياً؛ عبر إيصال إمام أوغلو إلى الرئاسة ليؤدي دوراً في تغيير النظام ليعود برلمانياً مع إعادة منصب رئاسة الحكومة التي ستكون على رأسها ميرال أكشينار.

بصرف النظر عن واقعية نظرية المؤامرة هذه التي يتم التسويق لها، إذ إن الحياة السياسية في تركيا مفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها تحوّل رفقاء الطريق إلى خصوم، هناك تفاصيل أخرى تبدو تفصيلية في الظاهر، لكنها ليست كذلك.

أولاً: النتيجة الحتمية لما يتم التسويق له هو إعلان الخصومة بين كمال كليتشدار أوغلو وميرال أكشينار، وهذا ما لم نسمع به، إذ إن قنوات التواصل ما زالت مفتوحة، وبدليل اجتماعهما ليل الثلاثاء-الأربعاء في أنقرة، وعدم الإدلاء بأي تصريح على إثره قد يكون دليلاً آخر بأن النقاشات لم تنتهِ بعد، مع حرص الطرفين على منع التقاط الإعلام لأي تصريح قد يفسر خطأ، أو يتم إخراجه من سياقه.

ثانياً: هناك طريق طويل قد تم قطعه من قبل طاولة الستة، ولذلك فإن النضج السياسي يحتم على المعارضة عدم التفريط بفرصتها التي قد تكون الأخيرة من خلال توحّدها للنيل من خصمها الممثل بالرئيس التركي، والأنظار تتجه إلى اجتماعها المزمع عقده في كانون الثاني/ يناير المقبل.

ثالثاً: في حين يتم التركيز من قبل السلطة على عدم تسمية المعارضة لمرشح موحّد، يبدو أن المرونة هي سيدة الموقف لدى طاولة الستة، ولولا ذلك ما كان لرئيس حزب "المستقبل"، أحمد داود أوغلو، أن يقول في مقابلة تلفزيونية إن "جدول أعمال طاولة المعارضة قد ينتج مرشحين للرئاسة وليس مرشحاً واحداً إذا لزم الأمر". وهنا، يذهب بعض التحليلات للحديث عن أسماء محتملة أخرى كالرئيس السابق عبد الله غل، ورئيس حزب "الديمقراطية والتقدم" علي باباجان. ما يعني أن المخارج لم تستنفد.

رابعاً: في ظل الاستفراد في السلطة والأزمة الاقتصادية الخانقة، قد تكون انتخابات عام 2023 على النظام السياسي نفسه لا على هوية المرشح كما يتم تصوير الأمر. وهنا، يقول الكاتب في صحيفة "جمهوريات" في مقاله "مرشح المعارضة للرئاسة" إن "انتخابات 2023 لن تعكس تفضيلاً شخصياً بل تفضيلاً بين النظام الديمقراطي والنظام الاستبدادي".

لا شك في أن هناك خلافات داخل طاولة الستة، وهذا يعدّ طبيعياً إذا ما نظرنا إلى الخلفية السياسية والأيديولوجية للأحزاب المنعقدة حول هذه الطاولة، ولكن يجب عدم إغفال أهمية التمهل، ودرس الخطوات بعناية، إذ إن جيب الرئيس إردوغان لم يفرغ بعد بالكامل من المفاجآت الداخلية كما الخارجية. في الأمس، كنا مع زيادة الحد الأدنى للأجور وإلغاء قانون سن التقاعد، وقد نكون غداً أمام خطوة متقدمة لناحية تطبيع العلاقات التركية – السورية، أما بعده فيمكن أن نكون أمام موعد مبكر لاستحقاقاتٍ ثلاث، رئاسية وبرلمانية واستفتاء على تعديل دستوري يتعلق بالحجاب وحماية الأسرة.

 وما بين السلطة والمعارضة وسجالاتهما، يقبع المواطن التركي بهمومه المعيشية التي تخيّم على ما عداها، وما كشفه تقرير وكالة إسطنبول لشهر كانون الأول/ ديسمبر بشأن ارتفاع مستوى التوتر وعدم الرضى وانخفاض مستوى السعادة لدى سكان هذه المدينة التي يقول 54% من المستطلعين إن الاقتصاد التركي سيتدهور في المستقبل القريب، ما هو إلا مؤشر على ذلك.