2022 عام التحديات الخطيرة والانعطافات الكبيرة في العراق
عادل الجبوري
إذا كانت طبيعة تفاعلات وتداعيات الوقائع والأحداث السياسية والأمنية والاقتصادية والمجتمعية في العراق منذ عام 2003 مترابطة ومتداخلة ومتشابكة فيما بينها، فإنه كان لكل عام تقريبًا خصوصية معينة، ارتباطًا بحدث معيّن مثّل بشكل أو بآخر محور الأحداث الأخرى في ذلك العام، وربما قبله أو بعده بقليل، كما هو الحال مثلًا في عام 2011 الذي شهد في نهايته انسحاب القوات الأميركية من العراق وفقا للاتفاقية الامنية التي ابرمت بين بغداد وواشنطن في عام 2008، رغم أن ذلك الانسحاب لم يكتمل كما أريد له. ومثلما هو الحال مع عام 2014، الذي اجتاح فيه تنظيم "داعش" الارهابي ثلث أرض العراق، وكما هو الحال مع عام 2021، الذي شهد اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة بعد مخاضات عسيرة وشاقة للغاية.
الانسداد السياسي
عام 2022، شهد انسدادًا سياسيًا خطيرًا كاد أن يعيد العراق إلى نقطة الصفر أو إلى المربع الأوّل كما يقولون. اذ إن تفاعلات وتداعيات وارهاصات هذا العام في العراق، ارتبطت بكل جوانبها وأبعادها بالمخرجات الجدلية للانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت في العاشر من شهر تشرين الاول/ اكتوبر 2021، والتي أوصلت البلد بشكل أو بآخر إلى الانسداد السياسي، حيث كان المصداق الأهم والأبرز لذلك الانسداد هو العجز عن تشكيل حكومة جديدة إلا بعد مرور أكثر من عام، في سابقة اعتبرتها مختلف الأوساط والمحافل السياسية والمراقبون خطيرة للغاية، ويمكن أن تفتح الأبواب لأسوأ الخيارات، وليس أقلّها الحرب الأهلية الداخلية، أو اخضاع البلد من جديد للوصاية الأجنبية، في الوقت الذي كانت قواه السياسية والمجتمعية تتحرك وتحشد لانهاء الوجود الأجنبي بالكامل.
ولم تنته حالة الانسداد بوضوح إلا بعد استئناف البرلمان عقد جلساته على اثر تعطل عمله لعدة شهور بسبب الاحتجاجات والاعتصامات التي نفذها اتباع التيار الصدري دعما لخيار تشكيل حكومة أغلبية وطنية، الذي طرحه زعيم التيار السيد مقتدى الصدر.
ففي الثالث عشر من تشرين الاول/ اكتوبر، عقد البرلمان جلسة خصصت لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد، حيث وقع الاختيار على القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني عبد اللطيف رشيد، كحل وسط بعد استبعاد كل من برهم صالح وريبر احمد. ومع انتخاب رشيد، تم تكليف مرشح الاطار التنسيقي محمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة الجديدة خلفًا لحكومة تصريف الأعمال التي كان يترأسها مصطفى الكاظمي، وبعد حوالي أسبوعين، وتحديدًا في السابع والعشرين من نفس الشهر عرض السوداني تشكيلته الوزارية مع البرنامج الحكومي على البرلمان لتنال الثقة وتشرع بمهمتها الثقيلة.
انجازات وانتكاسات أمنية
وارتباطًا بالأوضاع السياسية المرتبكة، امتد الارتباك والاضطراب إلى مجمل الأوضاع الأمنية في البلاد، فمع الانجازات الأمنية المتحققة، كانت هناك في المقابل انتكاسات أمنية.
في مطلع شهر شباط/ فبراير، أعلن عن مقتل زعيم تنظيم "داعش" الارهابي في العراق، المدعو ابو ابراهيم القريشي في مدينة ادلب السورية، الذي خلف ابو بكر البغدادي في زعامة التنظيم بعد مقتل الأخير في اواخر شهر تشرين الاول/ اكتوبر من عام 2019.
وجاء مقتل القريشي، بعد أقل من أسبوعين على الهجوم الذي نفذته عصابات "داعش" على سجن غويران بمدينة الحسكة السورية، وأدى إلى هروب أعداد غير قليلة من الارهابيين المعتقلين فيه.
وفي أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 قتل زعيم التنظيم الآخر ابو الحسن الهاشمي القريشي ــ وهو عراقي الجنسية ـــ في مدينة درعا السورية.
وبين مقتل ابو ابراهيم القريشي بداية العام، ومقتل ابو الحسن الهاشمي نهاية العام، نجحت الأجهزة الأمنية والاستخباراتية والعسكرية العراقية في تصفية العديد من قيادات الخط الاول والقيادات الوسطية الميدانية لتنظيم "داعش"، ناهيك عن ضرب الكثير من أوكاره ومقراته، لتلحق المزيد من الضعف والتشتت بصفوفه، لا سيما وأن ضربات وهزّات مماثلة تعرض لها التنظيم في أماكن أخرى، مثل سوريا.
بيد أنه في ذات الوقت، نجح بعض فلول التنظيم في تنفيذ عمليات ارهابية ضد التشكيلات العسكرية التابعة لقوات الجيش والشرطة الاتحادية والحشد الشعبي في محافظات كركوك وصلاح الدين وديالى والموصل.
إلى جانب ذلك، فإنه في الوقت الذي تراجعت معدلات التفجيرات بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة إلى حد كبير، سجلت عمليات القصف بصواريخ الكاتيوشا والطائرات المسيّرة ارتفاعًا ملحوظًا، وشملت مقرات دبلوماسية وعسكرية ومنشآت حيوية تابعة للولايات المتحدة الأميركية وتركيا، خصوصًا في اقليم كردستان بشمال العراق وفي محافظة الموصل، ومن أبرز المواقع التي استهدفها القصف، مقر القنصلية الأميركية في اربيل، وقاعدة حرير، ومعسكر زليكان التابع للجيش التركي في قضاء بعشيقة بالموصل.
قرارات ومواقف شجاعة وجريئة
وفي خضم الكثير من المشاكل والأزمات والتحديات المتعلقة بالقضايا الداخلية، لم يكن العراق غائبًا عن القضايا الخارجية، وكانت له مواقف ومبادرات وقرارات شجاعة وجريئة بهذا الخصوص.
ولعل من أبرز المصاديق على ذلك خلال عام 2022، قيام مجلس النواب العراقي في السادس والعشرين من شهر ايار/ مايو، عبر تصويت كل اعضائه، بتشريع قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، وقد قوبلت تلك الخطوة بغضب واستياء كبيرين من قبل الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا ومعهما الكيان الصهيوني وأطراف أخرى. هذا في الوقت الذي عدّت مختلف القوى والزعامات السياسية وأصحاب الرأي، وقطاعات جماهيرية واسعة، تشريع قانون تجريم التطبيع انتصارًا تاريخيًا كبيرًا للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وتأكيدًا وترسيخًا للثوابت الوطنية والدينية والأخلاقية للشعب العراقي، الذي عرف بمواقفه المؤيدة والداعمة دومًا لنضال الشعب الفلسطيني في كل المراحل والمحطات. وكذلك عدّته ضربة قاصمة للكيان الصهيوني ومن يدعمه ويسانده.
وفي هذا السياق، احتضنت مدينة كربلاء المقدسة مطلع شهر ايلول/ سبتمبر مؤتمر نداء الاقصى بمشاركة أكثر من 250 شخصية دينية من ستين بلدًا تزامنا مع احياء زيارة اربعين الامام الحسين(ع) المليونية.
كان للعراق موقف واضح من المجازر الدموية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة في الايام الاولى من شهر آب/ اغسطس، والتي تسببت باستشهاد واصابة مئات المواطنين الفلسطينيين، فضلا عن تدمير عدد كبير من الوحدات السكنية، وعدّت شخصيات وقوى سياسية عراقية تلك المجازر بأنها مصداق للنهج الارهابي الاجرامي الذي تأسس على ضوئه ذلك الكيان الغاصب قبل اكثر من سبعين عامًا.
وبذات المستوى والاتجاه عبرت الأوساط والمحافل السياسية والشعبية العراقية عن ادانتها واستنكارها الشديدين للأعمال الارهابية التي اقترفتها عصابات "داعش" التكفيرية ضد أبناء الشعب الأفغاني بمدينة مزارشريف، واستهدفت فيها المؤمنين من اتباع اهل البيت عليهم السلام، في الثاني والعشرين من شهر نيسان-ابريل.
حضور اقليمي فاعل
وخلال عام 2022 كان للعراق حضور ودور فاعل في شتى المحافل والملتقيات، فقد شارك في قمة جدة السعودية للامن والتنمية، التي عقدت في الثامن عشر من شهر تموز/ يوليو بمشاركة عربية ودولية. وشارك في القمة العربية ـ الصينية التي استضافتها السعودية في التاسع من شهر كانون الاول/ ديسمبر.
وشارك ايضًا في قمة بغداد الثانية في الأردن في العشرين من نفس الشهر، بمشاركة أطراف عربية واقليمية ودولية من بينها منظمات واتحادات عالمية.
وفي الرابع والخامس من شهر كانون الاول/ ديسمبر استضافت العاصمة العراقية بغداد النسخة السادسة من منتدى الحضارات العريقة، الذي شاركت فيه عشر دول تعد صاحبة ومهد الحضارات القديمة.
وقد طوى العراق آخر صفحات عام 2022، وهو منهمك بكل مؤسساته ومفاصله بالتحضير لبطولة خليجي 25 المزمع اقامتها خلال الفترة بين السادس والثامن عشر من شهر كانون الثاني/ يناير 2023 في محافظة البصرة، ولا شك أن مثل ذلك المحفل الرياضي، ينطوي على أبعاد ومضامين ورسائل سياسية وأمنية واجتماعية عديدة، لا سيما وأن العراق تعرض خلال العقود الاربعة الماضية للكثير من الظروف والاوضاع الاستثنائية الصعبة جراء الحروب والصراعات العبثية مع الجيران، وجراء الحصار والعقوبات الاقتصادية، ومن ثم الغزو والاحتلال الاميركي المدمر.