عودة استراتيجية تغيير الاقنعة
محمد محمود مرتضى
"جبهة النصرة قد تنفصل عن تنظيم القاعدة لتشكل كياناً جديداً” هذا عنوان لتقرير نشرته وكالة رويترز، والذي يتحدث عن وجود مساع تقودها قطر لدفع جبهة النصرة نحو اعلان الانفصال عن تنظيم القاعدة من أجل تشكيل تنظيم جديد بعد الاندماج مع فصائل أخرى، مع وعود ان هذا التشكيل الجديد سوف يلقى دعما من دول خليجية عدة كما انه سيحل مشكلة كون الجبهة مدرجة على لوائح الارهاب الغربية.
كخلفية تاريخية لا بد من الاشارة الى ان الجبهة كانت قد تلقت ضربات قوية من تنظيم داعش، ليس فقط ضربات عسكرية واغتيال بعض القيادات فيها ولكن ايضا عبر قيام عدد معتبر من عناصر الجبهة وقياداتها الميدانية بالانفصال عنها والالتحاق بداعش ومبايعة اميرها ابو بكر البغدادي. لكن جبهة النصرة استطاعت ترميم هيكليتها والتوسع من جديد في مناطق مختلفة في سوريا لا سيما في شمال حلب وادلب وجنوب سوريا. ان عبر تصفية بعض الفصائل الصغيرة والحصول على مخازنها او عبر التعاون مع فصائل اخرى لتقوية اوضاعها وخطوطها. ولعل ما حصل مؤخرا واضح الدلالة عن نيات الجبهة عندما قامت بالاجهاز على حركة حزم التابعة لما يسمى الجيش الحر والتي تلقت مساعدات عسكرية متطورة من الولايات المتحدة ثم وضع يدها على اسلحتها، هذه النيات تشير الى حقيقة لا يمكن اغفالها من ان الجبهة تسعى لتسيد الساحة واقتسامها مع داعش تمهيدا ربما لمعارك كبرى قادمة.
والواقع أن الحديث عن امكانية قيام الجبهة بحل نفسها والانفصال عن القاعدة لتعمل تحت اسم آخر ليس بالجديد، بل هو خطوة متوقعة ضمن ما سميته في مقالة سابقة "استراتيجية الاقنعة”.
"جبهة النصرة” ورسائل الطاعة العملية
من هنا لا يبدو ان مضمون تقرير رويترز مستبعد، لا سيما بعد ان قامت الجبهة بارسال العديد من الرسائل العملية لمن يعنيهم الامر بانها ستلتزم بالضوابط والمعايير التي يفرضها الغرب، رسائل من قبيل الانفتاح على العدو الاسرائيلي والتعامل معه وتحول الجبهة الى حرس حدود، او عن طريق عدم قيامها باي اختراقات امنية تتعلق بالحليف الاردني او تركيا الاطلسي، دون ان نغفل العلاقة التي تربط الجبهة بتركيا ايضا حيث ان معظم الهجمات التي تشنها على الجيش السوري المحاذي للحدود التركية كانت تنطلق من داخل الاراضي التركية كما يحصل دائما في محافظة اللاذقية.
ان الامر الذي لا شك فيه ان العلاقة التي تربط جبهة النصرة باسرائيل تحديدا، ستسهم في رفع نسبة امكانية نجاح المساعي القطرية لتسويق الجبهة تحت اسم آخر، على انها الجهة الفضلى للتبني الغربي لها وتدريب عناصرها، نظرا للمساحة الجغرافية التي تسيطر عليها الجبهة من جهة، ولان تركيبتها تؤهلها لمنافسة داعش من جهة ثانية، وللعديد البشري الذي تتمتع به مقارنة بباقي الفصائل من جهة ثالثة. هذه الاسباب مجتمعة يمكن ان يجد فيها الغرب حلا لمأزقه في ايجاد جهة يمكن إلباسها لباس الاعتدال، بعد ان قامت الولايات المتحدة بتوقيع اتفاق مع تركيا يقضي بتدريب هذه المجموعات، والتي يبدو انها تواجه مشاكل عملانية تتعلق بايجاد العديد الكافي الذي يمكن تسميته أو وصفه بالمعتدل ، لا سيما ان التجارب السابقة قد فشلت حيث تمت تصفية معظم الفاصائل التي دُربت وسُلحت من قبل البرنامج الاميركي النشط على الاراضي الاردنية، وكان آخرها ما حصل مع حركة حزم التي لم تجد مخرجا لحماية ما تبقى منها، الا بحل نفسها والاندماج مع الجبهة الشامية ذات الطابع الاخواني بشكل عام.
لقد كان واضحا ومنذ انطلاق اعمال الحلف الغربي انه لم يعد ثمة مجال للجماعات المسلحة الصغيرة، ولذلك لم يكن غريبا ان تنطلق العمليات العسكرية سواء من قبل داعش او النصرة لتصفية "الصغار” حيث كانت "باكورتها” تصفية قيادات حركة احرار الشام.
وتبقى الاسئلة الاساس هل يكفي تغيير الاسم لتلميع صورة الجبهة؟وماذا عن اميرها ابو محمد الجولاني، هل يقبل بحل الجبهة والاندماج مع فصائل اخرى تحت اسم جديد؟وماذا عن مبايعته للظواهري؟
من الواضح ان مبايعة الجولاني للظواهري لا تشكل مشكلة كبيرة، فقد سبق للجولاني ان نقض "بيعته” للبغدادي، كما ان مبايعته للظواهري لم تكن سوى خيار الزامي ولم تكن ثمة خيارات اخرى يحمي من خلالها نفسه وعناصره من بطش داعش.
اما حول الحل والاندماج، فلا يمثل الاسم بالنسبة للجولاني عائقا ما دام سيحصل على الدعم المالي والاعتراف الغربي والعربي به وبحركته، فضلا عنه اذا ما قرر الغرب فعلا تبني هذا الخيار فان الاوراق التي يملكها للضغط على الجبهة كثيرة جدا.
اما كيفية تغيير الاسم لتلميع صورة الجبهة غربيا، فان الاجابة تصبح سهلة اذا علمنا ان اسم الجولاني لم يدرج على لوائح المطلوبين وان ادرجت جبهة النصرة عليها. وقد كان لافتا عندما اصدرت المملكة السعودية قانونها المتعلق بمحاربة الارهاب ولائحتها باسماء بعض المنظمات والاشخاص الذين صنفوا على انهم ارهابيون، فان هذه اللائحة اشتملت على اسم جبهة النصرة لكنها كانت خالية من اسم الجولاني.
وبالمحصلة فان "استراتيجية تغيير الاقنعة” تبدو الاكثر ملاءمة للتوجهات الغربية لانها تؤمّن له طرفا لديه من "الكاريزما” ما يمكّنه ان يجذب اليه باقي الفصائل فضلا عن امكانية وقوع انشقاقات داخل داعش نفسه وحصول "هجرة” معاكسة منه نحو صفوف النسخة المعدلة من جبهة النصرة.