فشل اللعب في الداخل الإيراني له ثمن
كمال خلف
تمكنت ايران من عبور مرحلة صعبة كادت ان تصيب استقرارها الداخلي بمقتل، ذلك التحرك المشوب بالشغب والقتل ومحاولات التسليح، ونشر العصابات، وضرب الاقتصاد، وهز صورة ايران كدولة ونظام وتفكيكه كمجتمع كانت خيوطه معقودة بيد خارجية حددتها ايران بشكل دقيق ” وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية ومزيج من الشركاء”. ذلك لا يعني ابدا ما نصر عليه ونعلمه عن كثب وهو حيوية الشعب الإيراني وتعبيره بمناسبات عدة عن غضبه في مناسبات عديدة بالتظاهر المطلبي. وقد تكون حادثة مقتل ” السيدة مهسا اميني” احدها. ولكنها كانت بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها اللحظة المناسبة التي يجب التقاطها لخلط الأوراق، ونسج ستاره يختفي وراءها المخططون، لاعلان ساعة الصفر للانقضاض على الداخل الإيراني واللعب بمصير الشعب والدولة. بعد ان فشلت استراتيجيات الضغوط القصوى، ومسلسل العقوبات، والتهديد بالغزو، وشن العمليات ما دون الحرب الشاملة في البحر على سفن النفط، وفي الفضاء السيبراني، والضغط على طاولة تفاوض فيينا لحمل ايران على تقديم تنازلات وانتزاع اتفاق نووي جديد بشروط افضل.
من الواضح ان ورقة اللعب في الداخل الإيراني قد فشلت، رغم ان الاستخبارات الامريكية ومن معها بذلوا جهد كبير لانجاح المحاولة واحداث انعطافة في الحالة الإيرانية تجبرها على الانكفاء الى الداخل ولملمة شظايا الانقسامات والتصدعات، وافقادها أي تأثيرات في ملفات الإقليم.
أسباب فشل المحاولة كثيرة، ولكن قد يكون أهمها المعالجة الإيرانية الهادئة والصبر والنفس الطويل وتتبع مسار الخيوط، والقبض على رؤوس المخطط في الداخل والمفاتيح المحلية، بالتزامن مع احداث إصلاحات مثل الغاء جهاز “شرطة الاخلاق ” ووضع قانون الزامية الحجاب على سكة المعالجة تمهيدا لألغائه.
لكن هل خرجت ايران من الازمة وانتهى الامر؟
لكل فشل تداعيات ومفاعيل، وان تخرج من الاصابة بمرض خطير معاف، فانت بلا ريب ستكون اقوى واكثر مناعة وخبرة واندفاع على الحياة. وباعتقادي ان الولايات المتحدة بعد ان تيقنت ان اللعب بالداخل الإيراني آل الى الفشل، ستكون امام ازمة خيارات في التعامل مع الجمهورية الإسلامية. وعليها ان تدفع ثمن هذا الفشل.
وبالمناسبة كان لافتا ضعف الأداء لوكالة الاستخبارات الامريكية في العملية المركبة التي قادتها داخل ايران، فعلى الرغم من خطورتها، الا انها لا تقارن بعمليات وكالة الاستخبارات طوال العقود السابقة في اللعب داخل المجتمعات وقلب أنظمة الحكم، وزعزعة استقرار الدول، وتأليب الرأي العام عبر الدعاية، وتشجيع التمرد، وخلق بؤر مسلحة ونزعات انفصالية، وكنتونات عرقية، واقتتال طائفي.
خلال الأسابيع الماضية تحرك اكثر من ملف كان في وضع السكون خلال الاحداث الداخلية في ايران. ونلاحظ ان مسار الحوار الإيراني السعودي عاد الى حيويته، وبدأ مسار التقارب يتطور وانتقل الى مستو وزراء الخارجية باللقاء الذي جمع وزير الخارجية الإيراني “حسين امير عبد اللهيان” مع نظيره السعودي “فيصل بن فرحان” في الأردن.
مسار وقف الحرب في اليمن تحرك أيضا وبدأت تلوح في الأفق بوادر انفراجه من خلال تحرك الوسيط العماني نحو صنعاء. ليس هذا فحسب بل حتى ملف المفاوضات النووية عاد الى الواجهة عبر اللقاء الإيراني الأوروبي الذي بحث عودة الأطراف الى طاولة فيينا. وعلى الرغم ان الإدارة الامريكية تكرر ان تركيزها الان ليس على المفاوضات النووية، انما نحو تنامي التعاون العسكري بين طهران وموسكو وتأثيره المباشر في ميدان المعركة في أوكرانيا، الا اننا نتوقع “وبناء على ازمة الخيارات في التعامل مع يران” مواقف أمريكية جديدة في الأيام القليلة المقبلة تتحدث عن استعداد لاحياء الاتفاق النووي.
تلك الملفات والمسارات التي تحركت بشكل متزامن ليس سوى اعراض الاعتراف بفشل المحاولة، والعودة الى ما قبلها.
افلات ايران من مخطط يمس امنها القومي وسلامة مجتمعها، لن يكون دون اثمان، وسترى ايران انها في موقف اقوى من السابق، وستعمد الى الهجمات المتردة، ولا نقصد عسكرية، انما هي هجمات ترتبط بشكل مباشر بالدور والموقع في الإقليم، وتحقيق مكتسبات وانتزاع تنازلات والصعود مع القوى الدولية الصاعدة، لسد فراغ تراجع القدرة والتأثير الأمريكي في أماكن مختلفة من العالم.
ان زيادة الاتفاق العسكري لليابان حليفة الولايات المتحدة لمواجهة روسيا والصين، ولأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، وكذلك تفعل المانيا التي عليها ذات قيود الحرب العالمية، بل كل أوروبا تتجه للبحث عن الحماية الذاتية، دليل على ان القوة الأمريكية لم تعد يؤمن المظلة لهذه الدول الحليفة. والامر ينطبق على حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة العربية.
ايران بعد المحنة ستكون مختلفة عما قبلها هذا ما يفرضه منطق الأمور، ولكن ما علينا ألا ان نراقب.