الصراع الدولي يتصاعد.. وفشل في النظام الإقليمي
إيهاب شوقي
التقارير الواردة من الجبهة الروسية الأوكرانية تفيد بأنها جبهة متسعة وممتدة يتخطى نطاقها حدود الدولتين ليشمل جبهات أوربية وآسيوية، وهو تعبير حقيقي عن طبيعة الصراع وحقيقته، وهي أنه صراع دولي، وليس مجرد صراع إقليمي أو حدودي، كما أن الحرب قابلة بالفعل للتوسع لتصبح حربًا عالمية، لا يشترط أن تكون نووية، وإنما عالمية الجبهات.
وبنظرة ملخصة على اتساع دائرة الحرب، يمكن رصد أبرز النذر في ما يلي:
1- كشفت روسيا عن معرفتها بالطرف الحقيقي المتورط في قصف مطاراتها، حيث أرسل الجيش الروسي رسالة إلى أقمار الناتو الصناعية من مطار إنجلز -2 العسكري، أثناء محاولة أخرى من قبل مركبة فضائية أجنبية لإجراء استطلاع على أراضي المطار الروسي، الذي تعرض لهجوم سابق من قبل الجيش الأوكراني باستخدام طائرة من دون طيار.
وقد رسم الجيش الروسي نقشًا موجها إلى مركبة الفضاء التابعة لحلف الناتو، حيث قام أفراد قاعدة إنجلز -2 الجوية برسم نقش "الموت للنازيين"، وهي رسالة بأن الروس يعلمون أن الناتو هو المتورط وأنه أصبح في عداد النازيين، وأن تكرار القصف يعني عدوانًا صريحًا من الناتو يستوجب ردًا مناسبًا.
2- حشدت بولندا قذائف مدفعية بعيدة المدى على الحدود الروسية، حيث نشرت ما لا يقل عن 40 مدفعية ذاتية الدفع على حدود بولندا ومنطقة كالينينغراد، ونشرت كذلك المدافع ذاتية الدفع الكورية الجنوبية التي حصلت عليها مؤخرًا على نطاق واسع في ممر Suwalki.
وتقول التقارير العسكرية الروسية أنه في الوقت الحالي، تنتشر المدافع ذاتية الدفع البولندية على مسافة 10-15 كيلومترًا من الحدود مع روسيا، وهو استفزاز خطير.
3- تم نشر ثلاث طائرات حاملة لصواريخ Kinzhal الروسية في بيلاروسيا، حيث أفادت مصادر المعلومات البيلاروسية أن ثلاث طائرات تحمل صواريخ كينزال التي تفوق سرعتها سرعة الصوت الجوية وصلت إلى قاعدة ماتشوليشي الجوية، ولا يستبعد الخبراء إمكانية استخدام هذه المقاتلات من نوع MiG-31 لردع الغرب، أو لتوفير غطاء لوحدات الجيش الروسي على أراضي أوكرانيا، ونظرًا للقوة الهائلة لصواريخ Kinzal، فهي قادرة على ضرب أهداف على مسافات تصل إلى ألفي كيلومتر.
4- على صعيد تسخين الجبهات في آسيا، هناك نذر جديدة لمواجهات بين ارمينيا واذربيجان، حيث قام الجيش الأذربيجاني بإغلاق الطريق السريع المؤدي إلى كاراباخ، وإغلاق ممر لاتشين بواسطة المركبات المدرعة وهو ما يشير إلى أن اذربيجان مستعدة لأي تصعيد، إلا أن التطور اللافت والأخطر، هو مغادرة الناشطين البيئيين والخدمات الخاصة الأذربيجانية التي كانت في السابق في ممر لاتشين واحتلال مكانهم بالكامل من قبل الجيش الأذربيجاني، الذي نشر عربات مدرعة، وتُرتكب جميع أنواع الاستفزازات ضد قوات حفظ السلام الروسية، وهو ما يمكن أن يشكل رسالة بفتح جبهات جديدة لمشاغلة روسيا، والرسالة الأعمق، أن هناك حربا مفتوحة على الروس.
هنا، ونحن في ختام عام يمكن وصفه بعام حسم الخيارات والتنفيذ العملي لعلاج أوضاع خطيرة وأزمات نتجت عن تراكمات وتداعيات الاحتقان وصلت لطرق مسدودة، يمكننا استشراف ملامح عام جديد يحمل نذر انزلاقات الصراع واتساعه لو لم تركن الأطراف الرئيسية للتسوية وتحديدا أمريكا، التي تريد أن يدفع العالم كله ثمن إفشال روسيا والبقاء على النظام العالمي الخاضع لها دون تعددية.
العنوان العام للصراع الدولي هو الدخول حثيثًا لحرب عالمية، ليس شرطًا أن تتقيد بالدمار النووي الذي يجعل الكثيرين يستبعدون احتمالها، ولكن بمعنى عالمية الجبهات وانتشارها، وقد ضربت امريكا مثلًا جديدًا ومصداقًا مضافًا لمصاديق التضحية بحلفائها، حيث تسعى لتوريط الناتو وأوروبا وآسيا، فيما تنسحب حثيثًا من التورط والاستفزاز المباشر للروس للحيلولة دون حرب مباشرة تنزلق للنذر النووية وتبقى عند حدود استنزاف الروس وافشالهم.
ولعل نفس القاعدة يتم تطبيقها في الإقليم، وهي عبرة يجب أن يعتبر بها العدو الصهيوني وحلفاء أمريكا من أعداء المقاومة، حيث تسعى أمريكا لإفشال المقاومة ومحورها والدفع لصراعات قد تضحي فيها بأمن حليفها الصهيوني وأدواتها الخليجية.
لا شك أن محاولة بعض الأدوات الأمريكية للتقارب مع روسيا والصين هي انعكاس لوعيهم بموازين دولية جديدة، إلا أن استمرار هذه الأدوات في العداء لمحور المقاومة، يعكس جهلًا فاضحًا بموازين الإقليم والتحولات الاستراتيجية به وعلاقتها باتجاهات التحالفات الدولية الجديدة، وهو يعني أن وعيهم به قصور، وهو ما يعني استمرارا لنفس الحمق التاريخي وفشل القراءة المزمن.
من المنطقي أن توازن أوروبا مصالحها وتحفظ أمنها بالتخلي عن التبعية العمياء لأمريكا، وخاصة أنها لا تنطلق من مبادئ أو قيم، ومن الطبيعي والأكثر منطقية وأخلاقية، أن تثوب الأنظمة الإقليمية لرشدها وتكف عن عدائها للمقاومة، ولكن المحركات والدوافع لهكذا أنظمة، ليست مصالح الشعوب أو الأمن القومي، وإنما مصالح الأنظمة والأشخاص، والأحقاد والضغائن.