kayhan.ir

رمز الخبر: 161491
تأريخ النشر : 2022December05 - 20:18

 الجيش الأمريكي يفقد الإجماع الوطني.. 48 بالمائة لا يثقون به

 

د. علي دربج

تعيش الولايات المتحدة الأمريكية هذه الأيام أوقاتًا عصيبة بسبب تغير نظرة الأمريكيين تجاه مؤسساتهم الكبرى، واهتزاز ثقتهم وتضعضعها بالمحكمة العليا أولًا على خلفية قرار إلغاء حق الاجهاض، ثم الكونغرس ثانيا في أعقاب الانتخابات التشريعية الأخيرة وما رافقها من انقسامات وجدل أحدث شرخًا عميقًا في المجتمع الأمريكي (من المرجح أن يتفاقم مستقبلا). هذا المسار التراجعي والسلبي وصل إلى الجيش الأمريكي، المؤسسة الجامعة التي كان يهابها كافة الأمريكيين، ولطالما حظيت تاريخيًا بثقتهم واعتزازهم، بحيث أصبحوا يرونها كطرف، على اثر انتقال عدوى الخلافات اليها، وبالتالي أضحت في قلب التجاذبات السياسية القائمة في البلاد.

ما الدليل على تراجع ثقة الأمريكي بجيشه؟

وفقًا لمسح قامت به مؤخرًا مؤسسة ومعهد رونالد ريغان، كشفت الأرقام أنه من عام 2018 إلى عام 2022، تراجعت ثقة مواطني الولايات المتحدة، بالقوات النظامية من 70 بالمائة، إلى 48 في المائة (بعدما كانت 45 في المائة في عام 2021). الأكثر أهمية، هو تحذير "المؤسسة التي أجرت الاستطلاع" من عدم وجود مؤسسة أمريكية عامة أخرى تعرضت لمثل هذا السقوط الحاد والسريع.

 في الواقع، يعود عدم الثقة هذه إلى عوامل كثيرة ساهمت في هذا الانهيار، لكن ما يقض مضاجع المسؤولين الأمريكيين، هو القناعة السائدة في أوساط الجمهور الأمريكي بأن القيادة العسكرية أصبحت مسيسة بشكل مفرط، وتبعًا لذلك، قال ما مجموعه 62 في المائة من الأمريكيين إن هذه النظرة تجاه تسييس الجيش وحدها أدت إلى خفض الثقة به بنسبة كبيرة تراوحت بين 34 و28 بالمائة.

أما المثير للاهتمام فهو أنها ظاهرة أضحت شائعة بين الحزبين.

فبحسب المسح، اعتبر 24 بالمائة من الديمقراطيين، و43 بالمائة من الجمهوريين أن التسييس يأتي في المرتبة الثانية بين أسباب هذا الانخفاض. أما 47 بالمائة من الجمهوريين فأرجعوا انخفاض الثقة إلى ممارسات أخرى لم يحددها الاستطلاع حلّت بالمرتبة الأولى. بينما ردّ 32 بالمائة من الديمقراطيين هذه النظرة السلبية للجيش الى وجود متطرفين يمينيين في صفوفه.

أكثر من ذلك، كشف الاستطلاع أن 59 بالمائة من المواطنين المستطلعين أكدوا أن ثاني أثقل حجر رحى حول رقبة الجيش هو أداء وكفاءة الرؤساء السياسيين، يليهم القيادة المدنية للجيش (55 بالمائة)، ثم القادة العسكريون بالزي الرسمي (52 بالمائة).

كيف تدرج هذا الانخفاض في السنوات الماضية؟

لم يكن الانخفاض العام في الثقة حادًا فحسب، بل كان أيضًا متواصلًا استنادًا إلى النسب الآتية: في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، انخفضت ثقة الأمريكيين بجيشهم من 70 إلى 63 بالمائة، في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، ثم تراجعت إلى 56 بالمائة، في شباط/ فبراير2021، ووصلت إلى 45 بالمائة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 (بعد الانسحاب من أفغانستان)، أما في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، فقد بلغت النسبة حوالي 48 بالمائة.

ما يجدر التوقف عنده أنه في السنوات الأخيرة، انجذب الجيش - خصوصًا الضباط المتقاعدين - إلى المعارك الحزبية. لذا ليس من المستغرب أن يكون هذا الانهيار (في نظرة الأمريكيين لجيشهم) متسارعًا خلال فترة ولاية دونالد ترامب، إذ كانت اشتباكاته مع الجنرالات والمتقاعدين دائمة ومتواصلة وتتصدر عناوين الأخبار بشكل متكرر، وهذا يفسر مدى انخفاض حماسة الجمهوريين للجيش، وتراجع صورته نسبيًا لديهم.

ما هي الشواهد على تدخل الجيش الأميركي بالسياسة؟

إن من أبرز الشواهد على انغماس الجيش بالسياسة، تلك الخطابات التي كان ألقاها جنرالات سابقون في المؤتمرين الرئيسيين لكل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في عام 2016. آنذاك هاجم الجنرال المتقاعد من مشاة البحرية جون آر ألين الديمقراطيين، بالمقابل، عمل الجنرال المتقاعد في الجيش مايكل فلين على محاباة الجمهوريين.

ليس هذا فحسب، في الآونة الأخيرة وجه رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال "مارك أ. ميلي" انتقادات شديدة لمجموعة من الإجراءات التي اتخذتها ادارة الرئيس جو بايدن وانفرد في الدعوة الى الانخراط في الدبلوماسية مع روسيا لإنهاء الحرب في اوكرانيا.

قبل ذلك، كان "ميلي" الذي يرتدي الزي العسكري، انضم إلى الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب في نزهة من البيت الأبيض إلى كنيسة سانت جون ونتيجة لذلك تعرض "ميلي" لانتقادات شديدة لإدخاله الجيش في السياسة الداخلية.

لاحقا، اعترف "ميلي" بأنه أخطأ عندما رافق الرئيس في نزهته قائلا: "ما كان يجب أن أكون هناك"، وأضاف: "وجودي في تلك اللحظة، أعطى صورة بأن الجيش متورط في السياسة الداخلية"، معتبرا أن "ذلك يشكك بالتزامه في الحفاظ على الفصل بينها".

علاوة على ذلك، لم يسلم "ميلي" من غضب الجمهوريين، لا سيما عندما دافع علنًا عن تدريس نظرية العرق النقدي في دورة اختيارية في الأكاديمية العسكرية الأمريكية في "ويست بوينت".

وفي حين اختار العديد من القادة العسكريين إشراك أنفسهم في السياسة الحزبية - كـ"فلين" و"ألين" و"ميلي"،  قال "كوري شاك" الذي شغل مجموعة متنوعة من المناصب العليا في البنتاغون، ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي: "إن جيشنا في الغالب يائس للبقاء بعيدًا عن هذا الصراع".

وانطلاقا من ذلك، يعيش المسؤولون الأميركيون حالة من القلق جراء تورط الجيش أكثر فأكثر في النزاعات الداخلية، وما زاد الطين بلة عند بعض القيادات العسكرية في البنتاغون، هو لجوء ترامب الى التلفظ بمصطلحات غير مسبوقة ذات معانٍ ودلالات كبيرة  مثل "جنرالاتي" و"جيشي".

أما الخطورة الأكبر إلى أشار إليها المراقبون داخل امريكا، فتكمن بالاستخدام المتواصل للجيش من قبل السياسيين، والتي وصلت الى حد استغلالهم الجيش في إعلانات الحملات الانتخابات للمرشحين من كلا الحزبين، وهو ما ظهر في "الخلفية التي تجسد صورة البحرية الأمريكية"، اثناء إلقاء بايدن خطابه حول فشل الديمقراطية قبل الانتخابات التشريعية بأيام، أو في انتقاد ترامب للجنرالات، كوصفه الجنرال "ميلي" بـ"الأحمق اللعين" لتصرفاته تلك التي أبقت على الأسلحة الأميركية في أفغانستان.

في الختام، ان هذا التراجع في تأييد الأمريكيين لجيش وطنهم، من الطبيعي أن ينعكس سلبًا على مسألة التوظيف من خلال تراجع الحماسة للانضمام للجيش، وتبعًا لذلك كشف الاستطلاع أنه بين الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا، قال 13 بالمائة فقط إنهم مستعدون بشدة للانضمام للجيش، فيما اعرب 25 بالمائة عن رغبتهم بذلك إلى حد ما. بموازاة ذلك اشار 20 بالمائة، الى انهم ليسوا مستعدين كثيرًا. أما المفاجأة الأكبر فتتمثل بأن 26 بالمائة من المستطلعين، أعلنوا رفضهم بشدة الدخول في الجيش الامريكي.