kayhan.ir

رمز الخبر: 161420
تأريخ النشر : 2022December04 - 20:20

ثقافة الاستكبار الغربي في مونديال قطر

 

محمد جرادات

لأن قطر أول دولة عربية وشرق أوسطية تستضيف مونديال كرة القدم، طوال تاريخ كأس العالم، ركّز الإعلام الغربي على اعتبار المونديال خصوصية غربية.

زعم الإعلام الغربي أن الرياضة ثقافة إنسانية منفصلة عن السياسة في الفكر الغربي، بل بعيدة عن مجمل النشاط الثقافي في كل أنواعه. ولطالما اشتد هذا الزعم عند مقاطعة الفرق الرياضية العربية والإسلامية للفريق الإسرائيلي، تجنباً للتطبيع مع المحتل الإسرائيلي، على نحو كان يُعرّض هذه الفرق لعقوبات شتّى، ليس أقلّها الإقصاء.

وتباهى المفكرون والفلاسفة الغربيون بمثالية الثقافة الغربية، عبر قدرتها على تجاوز المنعطفات والمطبّات في بُعدها الإنساني المجرد، وقدّموا النشاط الرياضي ميزةً ثقافية في هذا الخصوص. وعلى الرغم من وقوعهم في منزلقات متعددة مع روسيا والصين، حينما تطلّب الأمر الخلط بين الرياضة والسياسة من أجل خدمة مشاريعهم الاستعمارية، فإن ما جرى وما يجري في مونديال قطر تجاوَزا العامل السياسي إلى ما هو ديني وفكري وأخلاقي، على نحو غير مسبوق.

تذبذب التداخل بين السياسة والرياضة على مدار التاريخ. واستبق الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مونديال قطر 2022، بالدعوة إلى عدم تسييس الرياضة، مؤكداً أن هذا التصرف "فكرة سيئة للغاية". وعلى الرغم من الإجماع الغربي على منع روسيا من المشاركة في المونديال، بسبب الحرب في أوكرانيا، فإن المونديال يتجاوز التسييس إلى ما هو منصة فاعلة للأدلجة الرياضية، على نحو غير مسبوق.

ألقت الثقافة الغربية حملها في هذا المونديال، واستخدمت أبرز أدواتها، وعلى رأسها القادة الغربيون، وجاهر كثير منهم بالقول إنهم يمتلكون قوانين ومبادئ مميزة يجب أن تطبَّق ولو بالإكراه في كل بلدان العالم، بغضّ النظر عن الاعتبارات الدينية والثقافية والاجتماعية في البلدان الأخرى.

ولأن قطر أول دولة عربية وشرق أوسطية تستضيف المونديال، طوال تاريخ كأس العالم، ركّز الإعلام الغربي على اعتبار المونديال خصوصية غربية، حتى إن "الغارديان" البريطانية زعمت حق الغرب الحصري في الحراسة الثقافية للمونديال، لكونه صاحب التراث الأطول، في مقابل الدول الخليجية، التي لديها قليل من الارتباط التاريخي بالرياضة.

تشظّت الثقافة الغربية في فضاء المونديال، وفق مَناحٍ متعددة، وعكست في مجملها جوهر هذه الثقافة:

أولها: السيطرة الفكرية الاستكبارية، واعتمدت في ذلك على الفلسفة الأميركية بـ"إغراء الشهوات عبر القلوب والعقول"؛ أي السعي لـ"العولمة الثقافية". وجاء الضوء الأخضر الأميركي لاستضافة قطر للمونديال ضمن هذا الاعتبار، في مراهنة على حيوية قيم النمط الليبرالي الغربي وقدرة الثقافة الغربية على إحلال هذا النمط، ليبتلع ثقافة المكان وما حوله، في غمرة الانشغال، عربياً وإسلامياً، بشهوة الاستضافة والتبشير الديني الساذج.

ولعل الحذف الأميركي لرسم كلمة "الله" من علم إيران، في إعلان لقاء المنتخَبَيْن، يفسّر الوجهة الأميركية الاستكبارية، وهو ما ظهر بصورة جليّة عقب الفوز الأميركي على إيران، في تهنئة بايدن للشعب الأميركي، قائلاً: "لقد فعلوها، إن الله يحبهم".

كما راهن الأميركي، في استضافة قطر للمونديال، على تفعيل التطبيع العربي مع الكيان العبري، وهو ما ظهر في الدور الذي أدّته أميركا في اتفاقية تسهيل سفر نحو 40 ألف إسرائيلي، بصورة مباشرة من "تل أبيب" إلى الدوحة، وهو تطبيع مُوازٍ للعولمة، بحيث يخترق الإسرائيلي قلب الثقافة العربية، وهو يقيم "دولته" التاريخية وفق منظور يهودي، على أطلال المقدّس الإسلامي، إلّا أن هذا التطبيع انقلب معه السحر على الساحر، عندما عزل الجمهور العربي والجمهور الإسلامي الوجود الإسرائيلي، وعبّرا بصورة جارفة عن تضامنهما مع فلسطين المحتلة.

ثانيها: الاستعلاء الثقافي، وهو ما برز فيما نشرته صحيفتا "الغارديان" و"التليغراف"، بصورة مكثَّفة، من أجل إعادة تدوير نموذج "نحن وهم"، أي الغرب والشرق، في نظرة استعلائية يملأها الغرور الثقافي البعيد عن روح التنافس الرياضي، في التحريض ضد استضافة قطر للمونديال، على رغم الخضوع القطري لمجمل النمط الغربي، إلّا شارات المثلية وبعض الحركات الشعائرية الإسلامية، التي ألهبت مشاعر المسلمين، على الرغم مما خالطها من تضخيم.

ووصل الأمر بصحيفة "لوكانار أنشينيه" إلى أن تنشر رسماً كاريكاتيرياً، صَوّر لاعبي منتخب قطر وهم يُرخون لحاهم، ويرتدون عمامات أو أقنعة وجه، ويحملون سيوفاً وخناجر، وعلى وجوههم علامات الغضب. وظهرت في غلاف الصحيفة الرئيس صورةٌ كاريكاتورية فيها مبانٍ ملوّنة عملاقة وسيدات منقّبات يرتدين الزي الأسود، وإلى جانبهن كرة قدم، في تجسيد غير واقعي للمرأة القطرية.

ثالثها: الشطط الأخلاقي، الذي حاز جرأة غير مسبوقة، عندما اشتط الغرب، وثارت كلّ مكوناته من أجل المثليّة والخمرة، في فضيحة عرّت المنظومتين الغربيتين الثقافية والسياسية، دفعَ وزيرة داخلية ألمانيا، نانسي فيزر، إلى الخروج عن أدب اللباقة الرسمي المزيَّف، عبر الكشف عن شارة المثلية الجنسية على كتفها، بعد أن تسلّلت إلى المدرج وهي تخفيها، في مخالفة قانونية، بعد المنع القطري الصريح لظهور هذه الشارة، وإن بدعوى الحرص القطري خشيةً على من يرتديها من تعرضه للأذى في بيئة ثقافية تخالف المثلية وتحرّمها.

وجاء تكميم أعضاء المنتخب الألماني أفواهَهم، احتجاجاً على منع "الفيفا" وقطر ظهور شارة الشذوذ الجنسي، ليعكس مستوى هذا الشطط، كأن هذا المنع طال جوهر الحرية في الثقافة الغربية، وهي حرية تخالف الفطرة الإنسانية بزواج الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة، تحت عنوان خادع، تم تقديمه في المونديال عبر شارة: "حب واحد".

وبشأن الإصرار الغربي على بيع الخمور في المونديال، على نحو أدخل قطر في ارتباك كبير، خرجت منه بخريطة زمانية وخريطة مكانية للسماح والحظر، لتحصل على اتفاق مع "الفيفا"، وهو ما جعلها في النهاية تبيح المحرّم، وهو محرّم يتسبب بمشاكل أخلاقية وأمنية، فضلاً عن الدينية. فما هذه الثقافة الغربية التي تنتصر للمثلية والخمرة بمثل هذا الاندفاع المحموم؟ وهل يتصل ذلك بخصوصية المكان؟ أم هو انعكاس لطبيعة هذه الثقافة في جوهرها الهابط قيمياً؟

نظرة خاطفة إلى كابيتوليان روما وشوارعها، حيث المنحوتات العارية، حتى في دُور العبادة، وتمثال السيدة مريم العذراء وهي تُرضع السيد المسيح عاريةً، تكشف جذور الثقافة الغربية البهيمية، فكيف وقد تلبّست بالعقل الرأسمالي الاستعماري، فهل يمكن حينها تخيّل وجود رياضة إنسانية، وهي في مهدها خرجت من بلاط حلبة موت المصارعة الرومانية، التي قُتل فيها ما يقارب نصف مليون إنسان؟!