مؤتمر دبلن.. "وشهد شاهد من أهلها"
عادل الجبوري
احتضنت العاصمة الايرلندية دبلن في الثامن عشر من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، المؤتمر الدولي للحد من استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان، وكان الحدث الأهم في ذلك المؤتمر هو توقيع اثنين وثمانين دولة على الاعلان العالمي لمناهضة استخدام السلاح في المناطق المأهولة بالسكان، في خطوة يراد من ورائها وضع قواعد جديدة للحرب في المناطق المدنية مثل تجنب قصف المدارس والمستشفيات والمنشآت الحيوية المرتبطة بالجوانب والقطاعات الخدمية الحياتية للمواطنين.
ولا شك أن هذا المؤتمر والاعلان العالمي المتمخض عنه، يعني الدول المتورطة والمنخرطة في معظم الحروب والصراعات العسكرية في شتى أنحاء العالم، إن لم تكن هي المسببة والمثيرة لها. ولعل ذلك يصدق بالدرجة الأساس على الولايات المتحدة الأميركية ومن يسير في ركابها ويتبع سياساتها ومواقفها.
وبحسب بيان صادر عن الممثلية الأوروبية للأمم المتحدة في مدينة جنيف السويسرية في الرابع عشر من الشهر الماضي "وجهت كل من ممثلة الأمم المتحدة السامية لشؤون نزع السلاح، السيدة إيزومي ناكاميتسو، ووكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، السيد مارتن غريفيث، والمديرة التنفيذية لليونيسف السيدة كاثرين راسل، ورئيسة اللجنة الدولية السيدة ميريانا سبولياريتش نداءً مشتركًا للدول من أجل دعم الإعلان الصادر بشأن حماية المدنيين من التبعات الإنسانية الناجمة عن استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة".
ويشير بيان المنظمة الدولية إلى أنه "لا تزال فصول معاناة المدنيين متواصلة في المناطق المتضررة من النزاعات حول العالم، إذ يتحملون التبعات المدمرة لاستخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة، حيث تُحدث هذه الأسلحة في المدن والبلدات والقرى آثارًا تتجاوز نطاق أهدافها في كثير من الأحيان، وتحصد أعدادًا لا حصر لها من الأرواح والأطراف، وتنشر الدمار وتحرم السكان من الخدمات المدنية الأساسية".
ولعل مراجعة سريعة واجمالية، تشير بوضوح إلى أن الولايات المتحدة الأميركية ومعها عدد من الدول المتحالفة والصديقة لها، هي التي تتحمل معظم ــ إن لم يكن كل ــ الكوارث والمآسي جراء الحروب والنزاعات المسلحة في العالم، وأفغانستان خير شاهد ودليل، وكذلك العراق واليمن وغيرهما.
وحتى لا نذهب بعيدًا، فإن موقع (Airwars) الأميركي المتخصص بمناهضة الحروب، يشير في تقرير له إلى أن "ما نسبته 90 بالمائة من المتضررين من عمليات القصف على المناطق المأهولة بالسكان كانوا من المدنيين، وغالبًا ما تكون الآثار المرتدة للقصف في المدن شديدة وواسعة الانتشار، حيث يتعذر الوصول إلى المدارس والمستشفيات وسبل العيش والموارد الأساسية مثل الغذاء والماء لسنوات، وقد ظهر هذا في النزاعات الأخيرة في مدن مثل الموصل والرقة، حيث دمرت أجزاء من المدينة بأكملها وأصبحت غير صالحة للسكن".
ويؤكد الموقع في تقريره "أن بريطانيا على سبيل المثال، لا تزال متخلفة عن الحلفاء من حيث الشفافية في جمع الأدلة حول الضرر المدني، حيث لا تزال تزعم أن لديها اصابة واحدة فقط في صفوف المدنيين أثناء عملياتها العسكرية التي استمرت سبع سنوات تحت ذريعة محاربة "داعش"، فيما اعترفت الولايات المتحدة بوقوع أكثر من 1400 ضحية مدنية فقط نتيجة عملياتها كجزء من التحالف"، حسب تعبيره.
وفي أوقات سابقة كان الموقع الذي ينشر موضوعاته باللغتين الانجليزية والعربية، قد تناول العديد من التقارير الاحصائية التي تستعرض بالأرقام والأسماء آلاف الضحايا المدنيين جراء المعارك والحروب في العراق وسوريا ودول أخرى.
وهناك الكثير الكثير من المؤسسات الاعلامية والأكاديمية والحقوقية الغربية قبل العربية، تحدثت في مناسبات مختلفة باسهاب وتفصيل عن جرائم وكوارث الحروب، وسمت الأشياء بمسمياتها، وحمّلت واشنطن كل ما يحصل من خراب ودمار للبشر، لا سيما في الدول الضعيفة أو تلك التي تعارض وترفض سياسات أميركا والغرب.
وفي العراق، ما زالت وستبقى جرائم الاحتلال الأميركي ضد الشعب العراقي شاخصة وماثلة، وهي ــ أي اميركا ــ التي جاءت إليه، كما جاءت إلى أفغانستان تحت ذريعة مواجهة الديكتاتورية والارهاب ونشر الحرية والديمقراطية، علمًا أن القاصي والداني يعرف جيدًا أن أغلب الديكتاتوريات في العالم هي من صنع الولايات المتحدة، عبر وكالة المخابرات المركزية (CIA) وأدواتها ومفاصلها المختلفة.
واذا كان الاعلان العالمي لمناهضة استخدام السلاح في المناطق المأهولة بالسكان، يعد مبادرة وخطوة ايجابية مهمة، فإن المطلوب بقدر أكبر تجنب تسييسها واخضاعها لأجندات ومصالح وحسابات الكبار، أو بتعبير آخر الطغاة، ولعل نقطة الشروع الاولى لذلك الاعلان، تتمثل بفضح المجرمين والقتلة وصناع الحروب وتجار السلاح ومن يحركهم ويوجههم ويدعمهم ويساندهم. واذا لم يستطع الموقعون على الاعلان العالمي ان يقولوا للولايات المتحدة (كفى حروبا وقتلا ودمارا وخرابا وظلما)، فلا قيمة للاعلان ولا دور لموقعيه!