خليل نصر الله
انتهت الهدنة الانسانية المبرمة بين صنعاء ودول تحالف العدوان في الثاني من شهر تشرين الأول المنصرم دون تجديدها. مطالب صنعاء صارت معروفة، يأتي في مقدمتها مطلب دفع الرواتب الذي تعتبره الرياض وواشنطن اعترافًا سياسيًا وماليًا بسلطة صنعاء.
قبل انهاء الهدنة، ضغط الأميركيون لتمديد مشابه لسابقاته، لكن الأمر لم يفلح، وعليه بات التصعيد أمرًا قائمًا، وهو ما حدث لاحقًا، لكن وفق رؤية صنعاء التي فتحت الباب أمام الاحتمالات كافة، من منع نهب الثروة إلى وضع العمقين السعودي والإماراتي في دائرة الاستهداف حسب مقتضيات التفاوض الذي لم ينقطع، بحسب المؤشرات كافة.
كانت التوقعات تشير إلى استئناف عمليات "كسر الحصار" والتي نفذت منها ثلاث مراحل، كان آخرها الضربة العنيفة التي استهدفت أهدافًا عدة داخل السعودية، أعنفها الصواريخ التي ضربت أرامكو في جدة أواخر آذار الماضي. لكن صنعاء ذهبت باتجاه آخر، غير منفصل عن فك الحصار المفروض عليها، فأطلقت عمليات "منع نهب الثروة النفطية"، والتي تمكنت بموجبها من منع السفن الأجنبية من تحميل النفط الخام من موانئ اليمن كافة، وهو أمر لاقى ردود فعل غربية، خاصة أميركية، مدينة ومحملة المسؤولية والتبعات لصنعاء.
لكن رد الفعل على عمليات "منع نهب الثروة" بيّن أن الضربات تحقق الهدف الذي أراده المعنيون في صنعاء، وهو تحقيق المطالب التي وضعوها على طاولة التفاوض من أجل تجديد مشرف للهدنة.
والضربات "المسيّرة" التي تمنع نهب الثورة، أحدثت نوعًا من الحراك التفاوضي، فتحرك المبعوث الأميركي نحو المنطقة في زيارة معلنة إلى عمان والرياض، وهو ما يشير إلى جولة تفاوضة يرتقب فهم نتائجها خلال الأسبوع المقبل، وقد لا تكون يتيمة لاعتبارات عدة.
لكن الملفت أن المبعوث الأميركي استبق زيارته بعد دعم قدم للحكومة اليمنية - المشكلة سعوديًا وأميركيًا - والذي تمثل بالسماح لها باستخدام 300 مليون دولار من وحدات الدعم المقدمة في صندوق النقد الدولي، ومد الرياض لها بمليار دولار ودفع الإمارات بعض الالتزامات المالية السابقة، في خطوة تشير إلى محاولة أميركية لزيادة الضغط على صنعاء، وهو دعم يفسر على أنه لخدمة تفاوض تكون نتيجته تنازلات تقدمها صنعاء.
وعليه، لا شك أن الأسابيع القليلة المقبلة قد تكون حاسمة لجهة هدنة تحقق حكومة الإنقاذ بموجبها ما أردات، أو تعنت أميركي سعودي قد يقابل بتوسيع اليمنيين مروحة العمليات العسكرية النوعية والتي دون شك تحاول كل من واشنطن والرياض تجنبها لاعتبارات عدة منها أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب في أوكرانيا.
إن المؤشرات كافة تبين أن تفاوضًا جادًا - عبر وسطاء - يحصل بين صنعاء من جهة، والرياض وواشنطن من جهة أخرى. لكن الواضح أن الأميركيين والسعوديين يحاولون كسب أكبر قدر من الوقت دون دفع ثمن التهدئة الذي تطلبه صنعاء، وهو ما يفسر مد "حكومة عدن" بالأموال المشار إليها.
يبقى السؤال: هل تضمن كل من واشنطن والرياض عدم استخدام صنعاء أوراق قوة قد تكون أكثر ضررًا عليهما تحديدًا فيما يتعلق بـ "منابع" النفط ومسارات تصديره؟