شجرة الأراك لاتزال تنحب مأساة فاطمة (ع)
جميل ظاهري
أيام معدودة لم تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة تلك التي كانت فاصلة بين يوم رحيل خاتم المرسلين ورحمة للعالمين النبي الأكرم محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ويوم الهجوم على دار بضعته وروحه التي بين جنبيه فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين عليها السلام حقداً وكرهاً وبغضاً وعداوة وانتقاماً من الخدمات الجلية والكبيرة التي قدمها والدها نبي الرأفة والرحمة والمودة والمحبة بحمله رسالة السماء وإخراج القوم من الظلمات الى النور ومن الجهالة الى العلم ومن القبلية الى المدنية ومن الشرك الى الايمان و...
لقد وقف القوم الطغاة على باب بيت النبوة ومهبط الوحي والتنزيل دون اكتراث أوتأني، وتعمدوا إحراق بابه ومن فيه وصب جام غضبهم على من قتل آبائهم وأخوانهم وأبناء قومهم من المشركين والملحدين في بدر والخندق والاحزاب وخيبر وصرخوا بأعلى صوتهم بكلمة "وإن" على من قال لهم "إن في البيت فاطمة" وتجاهلوا آية التطهير بحقها وأهل بيتها (ع)، فأضرموا نار جاهليتهم ووثنيتهم وقبليتهم وشركهم على آل الرسول وأم ابيها تلك التي قال عنها (ص): "إن الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها"- رواه مستدرك الحاكم:3/154، والخوارزمي في كشف الغمة 1، وعوالم العلوم: 116، وذخائر العقبى: 39 وغيرهم.
لقد تمعن الطغاة وقادة القوم بكل ما للكلمة من معانِ في التنكيل بأم أبيها وفلذة كبده الزهراء البتول (ع) وجسدوا كل ما قاله رسول الله (ص) من قبل لاصحابه وهو آخذ بيد أبنته فاطمة (ع): "وأما ابنتي فاطمة، فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، ونور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي... وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي، كأني بها وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصبت حقها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي: يا محمداه، فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية... فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم على محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة، فأقول عند ذلك : اللهم العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وأذل من أذلها، وخلد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها..." – جاء في فرائد السمطين: ج 2 ص 34-35 والأمالي للشيخ الصدوق ص 99- 101 وإثبات الهداة: ج 1 ص 280 -281، وإرشاد القلوب ص 295، وبحار الأنوار: ج 28 ص 37 -39، وج 43 ص 172- 173، والعوالم: ج 11 ص 391 و392، وفي هامشه عن غاية المرام ص 48 والمحتضر ص 109، وجلاء العيون للمجلسي: ج 1 ص 186- 188 وبشارة المصطفى ص 197- 200 والفضائل لابن شاذان ص 8- 11، وتحقيق المحدث الأرموي.
توارث الأحفاد الأحقاد والعداء والجاهلية والقبلية والإجرام والدموية والتنكيل والتمثيل من أسلافهم الجهلة والقتلة والمجرمين والمزيفين والمنحرفين، فواصلوا سلب ونهب الحق وإستباحة المحرمات وانتهاك المقدسات واغتصاب الخلافة والسلطة وتزييف وتدليس وتزوير الحقائق كما فعل أجدادهم قادة القوم في صدر الاسلام وواصلوا سياسة إبقاء الناس على الضلالة والجاهلية وعبدة الأوثان بأسم القرآن ولباس السنة وهما عنهم براء كما فعل أسلافهم فحرفوا تفاسير الايات وأدخلوا أحاديث وروايات لا تنم للاسلام من صلة لا من قريب ولا من بعيد ليظهروا أنه دين الدم والقتل والسبي والنهب والدمار، فأرهبوا الاخرين منه وأتسع نطاق "الاسلام فوبيا" الذي يسعى اليه أعداء الاسلام دين المحبة والسماحة والأخوة والتعاون والتعايش السلمي والمودة والرأفة الألهية والأخلاق المحمدية بقوله تعالى: "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ" – سورة القلم – الآية 4، وهو القائل (ص) "إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ".
منذ يوم "رزية الخميس" وحتى يومنا هذا والصراع قائم بين الباطل والحق، والظلم والعدالة، والطاغية والمظلوم، والتحريف والحقيقة، والتزوير والواقع، والجاهلية والمدنية، والقبلية والأخوة هنا وهناك بدءاً من "شجرة الأرآك" التي أقتطعتها يد الطغيان والكراهية والعصبية وحب السلطة ودعاة دم قتلى بدر وحنين والخندق وخيبر على طول "فدك" المغتصبة و"الخلافة" المسلوبة من اقصى نقاط بلاد المسلمين الى اقصاها بسيف الدعوة الانحرافية المزيفة والضالة المضلة وبدعم دراهم ودنانير سلطان القمع والجور المسلطين على رقاب المسلمين وثرواتهم ليعيثوا الفساد في البلاد والعباد ويولجوا في إراقة دماء الابرياء هنا وهناك طمعاً بالسلطة والقدرة التي إن كانت باقية لأحد لما وصلت اليهم، لكنهم لا يفقهون ولا يعلمون.
من العراق وحتى اليمن ومن البحرين وحتى ليبيا مروراً بسوريا ولبنان ومصر وفلسطين المحتلة كلها تعاني من النهج القبلي والجاهلي والتطرف والوثني والتزلف السلطوي النابع من حقد عصبي عربي - يهودي قديم عمره أكثر من أربعة عشر قرناً، منذ فتح خيبر وكسر شوكة قريش في بدر والخندق على يد النبي الأمي (ص) ويعكس مواجهته لمدرسة والاباء التي حملت رايتها سيدة النساء وخيرهن فاطمة الزهراء (ع)، أول شهيدة في تاريخ الصراع بين الوحدانية والوثنية، والنور والظلام، والحق والباطل، والحقيقة والتزوير، وأرست صرح حركة الرفض السياسي ضد الظلم والتحريف والتزوير في تاريخ الدين الاسلامي الحنيف ؛ تلك المرأة التي تعد أنموذجاً للمرأة الرسالية العالمة والمربية الصالحة التي لم ولن نجد ما يقابلها من النساء ولن تتكرر ظاهرة أم أبيها الزهراء البتول (ع)، ولكن يبقى الاشعاع الذي انطلق قبسه من بيت النبوة ضياءاً وهاجاً للبشرية جمعاء على طول التاريخ.
لقد مرت على سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهرا (ع) ونحن نعيش هذه الايام ذكرى استشهادها الأليم المفجع بسبب كسرهم ضلعها وإسقاطهم جنينها بعد عصرهم إياها بين الباب والحائط في أيام لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة بعد رحيل والدها سيد البشرية ومنقذها؛ مصائب الدهر كله حيث لا تزال "شجرة الأرآك" تأن جراحها وتندب بكائها وتشجوا حزنها وتشكوا لطمهم خدها وتخبر غصبهم فدكها والتنكيل بابنائها وأتباعها وأنصارها ومحبيها، وتصور ماساتهم منذ لحظة رحيل والدها (ص) وحتى يومنا هذا؛ ما دفعها للقول عند زيارتهما لها في آخر أيام حياتها (ع): "اللهم إني أشهدك فاشهدوا يا مَن حضرني، أنهما قد آذياني في حياتي وعند موتي..."(صحيح البخاري)، اللذان تجاهلا قول الرسول الأكرم (ص) :"..ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين علياً، وويل لمن يظلم ذرِّيتها وشيعتها"- رواه الخوارزمي بإسناده وكشف الغمة : ج1، ص467.