kayhan.ir

رمز الخبر: 160816
تأريخ النشر : 2022November23 - 20:30

مونديال قطر.. شعوب ضد التطبيع ولا عزاء لاتفاقيات "أبراهام"

 

شرحبيل الغريب

انطلاق المونديال شكل فرصة ذهبية للشعوب العربية وحفز حال الوعي التي كانت حاضرة لتسخير كل طاقاتها في مناهضة التطبيع مع "إسرائيل" وقطع الطريق على محاولتها الظهور بصورة الكيان الطبيعي في المنطقة.

تزاحمت أعلام الدول المختلفة في حفل انطلاق مونديال قطر لكأس العالم، لكن اللافت بين زحمة الأعلام رفع العلم الفلسطيني، لواء قضية العرب الأولى بين الجماهير العربية والأجنبية بكثرة، إلى جانب الكوفية الفلسطينية التي تجاوزت العالم العربي ووصلت إلى العالمية بوصفها لباساً مفضلاً لدى كل المؤيدين لفلسطين، ورمزاً للمقاومة والهوية الفلسطينية، ورفض الظلم والعنصرية بحق الشعب الفلسطيني.

حال التعاطف العربية والأجنبية الشعبية التي أظهرتها الجماهير بمختلف جنسياتها بالالتفاف حول قضية فلسطين ومقاطعتهم الفرق الإعلامية الإسرائيلية أو الحديث معها داخل قطر وإطلاقهم شعارات (الحرية لفلسطين، وتحيا فلسطين، ولا شيء اسمه إسرائيل، وإسرائيل برا برا) لم تحدث بمحض الصدفة، وإنما تعكس دلالات مهمة في حدث عالمي رياضي يؤكد أهمية وحيوية مكانة فلسطين وقضيتها في عقول ووجدان المواطن العربي أولاً، ثم الأجنبي المتعاطف مع فلسطين ثانياً، ورفض كل أشكال العلاقة بـ"إسرائيل" وعلى رأسها قضية التطبيع.

مع أن "إسرائيل" فرضت نفسها على المونديال بشكل أو بآخر بالاتفاق مع الفيفا، إلا أن الجماهير العربية عبّرت بأساليب مختلفة عن رفضها لما سمي اتفاقيات "أبراهام"، أو نهج التطبيع مع "إسرائيل"، وقالت بكل وضوح لا قبول لـ "إسرائيل" في كأس العالم، وهذا ما عكسه رفض الشعوب العربية الكبير والواضح من جميع جنسياتهم لنهج التطبيع الذي سلكته بعض الأنظمة العربية التي طبعت رسمياً علاقاتها بـ"إسرائيل".

المشاهد المتعددة في السياق نفسه لها دلالات مهمة على صعيد قراءة المشهد بعد أعوام من توقيع أنظمة عربية وخليجية اتفاقيات تطبيع رسمية مع "إسرائيل"، وهي ما زالت تؤكد فشل محاولات احتواء الشعوب أو تزييف التاريخ بقبول "إسرائيل" كياناً في المنطقة.

- ما جرى في مونديال قطر يؤكد أن سلوك الأنظمة العربية وتوقيع اتفاقيات تطبيع مع "إسرائيل" لدمجها واعتبارها جزءاً لا يتجزأ من المنطقة أو كياناً طبيعياً فيها، هو سلوك وتوجّه منفرد لا يعبر عن نبض وتطلعات الشعوب العربية مطلقاً، وأن التطبيع مع "إسرائيل" قريب من الأنظمة بعيد عن كل البعد عن الشعوب وتوجهاتها وتأييدها لفلسطين والمقاومة وهو ما يعكس فجوة كبيرة بين الشعوب والأنظمة المطبعة مع "إسرائيل".

- الرفض الشعبي لاتفاقيات التطبيع لم يكن الأول في حدث رياضي عالمي مثل المونديال، فقد سجل معرض أكسبو الذي أقيم بدبي في أواخر العام الماضي وفي مطلع العام الجاري، انخفاضاً واضحاً وملموساً في عدد زائري المعرض من 25 مليوناً إلى 5 ملايين فقط، وهذا التراجع سببه الرئيس المقاطعة المقصودة ورفض الشعوب المشاركة في حدث تشارك فيه "إسرائيل" رسمياً ومرتّب من دولة خليجية مطبعة.

- ما جرى في مونديال قطر هذا العام يشكل صفعة جديدة على وجه "إسرائيل" التي ما فتئت تستغل أي حدث لتجد قبولاً شعبياً لها في الأوساط العربية والإسلامية، ويعد فشلاً إسرائيلياً ذريعاً للدبلوماسية الإسرائيلية التي لطالما تفاخرت في أنها نجحت في التغلغل بين الشعوب وكي الوعي العربي تجاه قبول حال التعايش التي تطمح إليها في المنطقة العربية.

- أدت حالة المقاطعة الجماهيرية العربية برفض الظهور على الإعلام الإسرائيلي إلى قطع الطريق على "إسرائيل" ومنحها أي فرصة للتغطية على جرائمها بحق الأرض والإنسان والمقدسات الإسلامية والمسيحية الفلسطينية، بل كل محاولات تقويض حقوق الشعب الفلسطيني على صعيد التعاطف العالمي مع القضية الفلسطينية.

- سلوك الجماهير العربية في مونديال قطر ينسجم تماماً وما أظهرته نتائج استطلاع الرأي الأخيرة التي أجراها "معهد واشنطن" الأميركي للأبحاث، في آذار/مارس الماضي الذي أظهرت نسبة معارضة كبيرة بين الجماهير العربية للتطبيع والقبول بـ "إسرائيل"، بواقع معارضة عالية، إذ سجلت في البحرين نسبة معارضة بلغت 71%، و76% في الإمارات و75% في السعودية، وهو ما يعني أن الأرقام تتسع ورفض التطبيع يزداد بين الشعوب.

- تراجع نسب المؤيدين لاتفاقيات التطبيع في الدول العربية الخليجية أمر منتظر وطبيعي، وهذا ظهر بمرور الوقت واتضاح الأهداف الإسرائيلية الحقيقية من وراء اتفاقيات التطبيع، وهو ما أدى إلى اتساع دائرة الرافضين الشعبية أكثر فأكثر.

- حال المقاطعة كشفت حقيقة النبض العربي للشعوب ومدى حبها لفلسطين والمقاومة، وفضحت كذب ادعاءات بنيامين نتنياهو الذي لطالما تفاخر مراراً، بأن الشعوب العربية أصبحت جاهزة للتطبيع، وهو ما يعزّز نتيجة ثابتة في عقل الإسرائيلي أنه منبوذ مع استحالة تجسيد فكرة التعايش والقبول به وسط الشعوب والمجتمعات العربية والاسلامية.

القضية الفلسطينية كانت حاضرة بامتياز على مدرجات وملاعب المونديال القطري وكأس العالم، باعتباره حدثاً دولياً ومحط أنظار الملايين في العالم، والمشاهد المختلفة التي بثّت على منصات التواصل الاجتماعي تنتشر بقوة وتؤكد أن كل عربي مهما كانت جنسيته رفض الحديث وقاطع وسائل الإعلام الإسرائيلية وسجّل موقف عز وشرف وسلّط الضوء على القضية الفلسطينية على طريقته الخاصة.

انطلاق احتفالات المونديال شكل فرصة ذهبية للشعوب العربية، وحفز حال الوعي التي كانت حاضرة لتسخير كل طاقاتها في مناهضة التطبيع مع "إسرائيل" وقطع الطريق على محاولتها الظهور في كأس العالم بمظهر أنها كيان طبيعي في المنطقة.

لعل ما جرى من حال مقاطعة يؤكد أن الرياضة ليست فوق السياسة، بل هي ساحة لدعم نضالات الشعوب المظلومة والمحتلة، ولا سيما الشعب الفلسطيني، واستضافة المونديال ليست مبرراً للتطبيع، وحضور الفلسطيني بهويته الأصيلة شكل نجاحاً كبيرا ًبين الجماهير العربية برفض التطبيع، وتثبيت قاعدة مهمة مفادها أن قضية فلسطين هي قضية الشعوب العربية الأولى، وأن مكانتها لم تتزعزع على الرغم من كل محاولات العبث فيها، وأنه كلما أراد لها المطبعون أن تخبت نهضت من جديد بتعاطف عربي وعالمي شعبي يشكل في كل مرة صدمة وخيبة جديدة لـ "إسرائيل" وفشلاً في تزييف الحقائق والتاريخ، وفشلاً أكبر لرهاناتها في التغلغل بين الشعوب.