العراق.. عجلة مكافحة الفساد تتحرك بوتيرة متسارعة
عادل الجبوري
منذ حظيت حكومة محمد شياع السوداني بثقة مجلس النواب العراقي في السابع والعشرين من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أخذت عجلة مكافحة الفساد تتحرك بوتيرة متسارعة جدًا، مما عزز أجواء التفاؤل على الصعيدين الشعبي والسياسي بنجاح السوداني بتصحيح بعض المسارات الخاطئة ومعالجة السلبيات المتراكمة على امتداد تعسة عشر عامًا.
وربما تكون أهم وآخر الخطوات التي اتخذها رئيس الوزراء العراقي الجديد بهذا الخصوص، هي تشكيل الهيئة العليا لمكافحة الفساد، برئاسة رئيس هيئة النزاهة، مع فريق "ساندط برئاسة عبد الكريم عبد فاضل (ابو علي البصري)، القائد السابق لخلية الصقور الاستخبارية التابعة لوزارة الداخلية، الذي تم تنحيته في عهد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، ليعيده السوداني إلى منصبه السابق قبل أن يكلفه بالمهمة الجديدة.
وبحسب بيان صادر عن مكتب السوداني "أنه بتوجيه مباشر من رئيس مجلس الوزراء، وبهدف مكافحة الفساد طبقًا للمنهاج الوزاري، بآليات غير تقليدية تتجاوز السلبيات السابقة، شكلت هيئة النزاهة.. تشكيلًا استثنائيًا بعنوان الهيئة العليا لمكافحة الفساد، بغية تسريع مواجهة ملفات الفساد الكبرى واسترداد المطلوبين بقضايا الفساد والأموال العامة المعتدى عليها". ووجه السوداني أيضا، بـ"تشكيل فريق ساند بصلاحيات واسعة، وذلك لتقديم الإسناد الكامل للهيئة العليا لمكافحة الفساد في فتح تلك الملفات، على أن يترأس الفريق المدير العام في وزارة الداخلية عبد الكريم عبد فاضل". ويجب "ان تكون إجراءات عمل الفريق من خلال توفير جميع الضمانات التي أوجبها الدستور والقوانين، خصوصا ما يتعلق بحقوق الانسان".
وخلال الاسابيع الاولى لحكومة السوداني، تم اجراء جملة خطوات واتخاذ عدد من القرارات في سياق تفعيل آليات مكافحة الفساد، من خلال ملاحقة وتفكيك شبكاته في مختلف مؤسسات الدولة، وبالفعل برزت إلى السطح مؤشرات ايجابية مشجعة، لعل من بينها الكشف عن شبكة لتهريب النفط تتألف من ضباط برتب مختلفة وموظفين كبار وصغار، وكانت تلك الشبكة قد تأسست منذ حوالي عشرة أعوام، ناهيك عن ملاحقة الاشخاص والجهات المتورطة بسرقة وتهريب اموال طائلة من الأمانات الضريبية المودعة في أحد أكبر المصارف الحكومية العراقية، والعمل على استرداد تلك الأموال وفقًا لاتفاقيات ملزمة بين العراق والدول التي وصلت إليها الأموال.
وتقدر الأموال المسروقة التي تم اخراجها من العراق، وايداعها في مصارف أجنبية أو تحويلها إلى عقارات ومشاريع استثمارية بأكثر من مائة مليار دولار على مدى ما يقارب العقدين من الزمن، هذا ما عدا عشرات ــ ان لم تكن مئات ــ الممتلكات العائدة للدولة العراقية، التي سجلها نظام حزب البعث المنحل حينما كان في السلطة بأسماء أشخاص أو مؤسسات تابعة له.
وفي الوقت الذي تلقي الحكومة العراقية الجديدة بكل ثقلها لمكافحة الفساد المستشري في كل المفاصل والمؤسسات، حتى أن السوداني وصفه بـ"الجائحة"، يرى رئيس هيئة النزاهة المستقيل مؤخرا القاضي علاء الساعدي في تصريحات سابقة "ان هناك معوقات عدة تعترض الجهود الوطنية في استرداد الأموال والمدانين من خارج العراق في قضايا الفساد، اذ ان هناك تبرماً من الدول التي تؤوي المطلوبين بمختلف صفاتهم، لأسباب تتعلق بحمايتهم بوسائل شتى، كمنحهم الجنسية أو عدم وجود قوانين تسمح بتسليم الموجودين على أراضيها إلى دول أخرى، فضلاً عن عدم اكتمال ملف التسليم، بحسب وجهة نظرها، على الرغم من إصدار العراق أحكاماً قضائية بحقهم".
في حين يرى الخبير القانوني علي التميمي "ان اتفاقية غسيل الأموال لعام 2005 الخاصة باسترجاع الأموال المهربة، خصوصاً المادتين 55 و56 منها، أوضحت اليات استرداد هذه الأموال، التي تُقدّر بـ500 مليار دولار، مشيرا الى انه لدى البنك الفيدرالي الأميركي 65 مليار دولار تعود إلى النظام السابق، وهي ملك الشعب العراقي، يمكن المطالبة بها وفق المادة 28 من اتفاقية الاطار الاستراتيجي المبرمة بين العراق والولايات المتحدة الاميركية في عام 2008".
ولا شك انه بعيدا عن الاتفاقيات والمعاهدات المتعلقة بأسترداد الإموال والمجرمين والمتهمين بالارهاب والسرقات، فإن طبيعة العلاقات والمصالح السياسية وغير السياسية تمثل المفتاح الرئيسي لتفعيل مثل تلك الملفات، ولعله من المهم الاشارة الى أن السلطات العراقية نجحت مؤخرًا باسترداد أحد أبرز الضالعين بارتكاب مجزرة سبايكر في صيف عام 2014 من لبنان، وهو عبد الله ياسر سبعاوي الحسن، حفيد شقيق رئيس النظام السابق صدام حسين، وقبل عدة أعوام تم استرداد (زينة سعود) احدى موظفات أمانة بغداد من لبنان أيضًا، بعد سرقتها مبالغ مالية ضخمة وتحويلها إلى البنوك اللبنانية.
ولا شك أن الفساد المالي في أي دولة لا بد أن تكون له أبعاد وخلفيات ومناخات سياسية مناسبة، لا سيما اذا كان كبيرًا جدًا ومستفحلًا، وله تأثير واضح ومباشر على الأوضاع الاقتصادية والحياتية لأبناء المجتمع، ولعل العراق يعد مصداقًا ومثالًا شاخصًا على ذلك، وتحديدًا ما يتعلق بحقبة العقدين الماضيين، دون أن يعني ذلك أنه خلال المراحل السابقة لها كانت الأمور تسير بالاتجاه الصحيح، بل إن منظومة الحكم الديكتاتوري الاستبدادي السابق، كانت مستأثرة بمعظم موارد وامكانيات الدولة وتتصرف بها كيفما تشاء دون أي محددات أو ضوابط أو قوانين ملزمة ورادعة.
ولا خلاف على حقيقة أن الاحتلال الأميركي للعراق، كان من بين أبرز العوامل المساهمة والمساعدة في تكريس وتوسيع الفساد بشتى اشكاله ومظاهره، كما ساهم الاحتلال في توفير الظروف والمناخات والأرضيّات المناسبة لنشوء وتوسع الجماعات والتنظيمات الارهابية التكفيرية في العراق والمنطقة. ولا يخطئ من قال ويقول ان الارهاب والفساد يمثلان وجهان لعملة واحدة.
وأيًا تكن الظروف، فإن مهمة السوداني وحكومته في محاربة الفساد هي مهمة شاقة وثقيلة، بيد أن الشيء المهم هو الشروع والانطلاق بمسارات صحيحة وصائبة، والبدء من المستويات العليا، دون اهمال المستويات الدنيا، واشراك كل المفاصل الأمنية والاستخباراتية والمالية وحتى المجتمعية، والعمل على ملاحقة السرّاق في كل مكان، وانزال أقصى العقوبات بهم، علمًا أن أوجه الفساد متعددة، ولا تقتصر على سرقة الأموال العامة من قبل الكبار، وانما ترتبط بالصفقات والمشاريع الفاسدة، واستفحال ثقافة الرشوة، والنهب المنظم لموارد الدولة، والافتقاد للعدالة في توزيع الثروات، ناهيك عن استثمارها بالشكل السليم.
والملاحظة المهمة بهذا الخصوص، هي أن تجفيف بؤر الفساد وتقطيع أوصاله بأقصى قدر ممكن من شأنه أن يعزز الأوضاع الاقتصادية للبلد، ويساهم بتحسين القطاعات الزراعية والصناعية والخدمية، وبالتالي يضع الأمور في نصابها الصحيح، وكل ذلك يتوقف على المنطلقات الصائبة والنوايا الصادقة والاجراءات الحازمة.