الانسحاب الأميركي من سورية مجدداً الى الواجهة
– من جديد عاد النقاش الأميركي حول الانسحاب من سورية وجدوى البقاء فيها، وعندما تُفرد الفورين أفيرز، المجلة المعروفة بجديتها والمخصصة للكتاب من صناع القرار، أو لمستشاريهم، فهذا يعني أولاً أن النقاش يدور حول الأمر في دوائر القرار، وثانياً أن أحد الأهداف المرجوة من النقاش هو تحضير الرأي العام الأميركي والدولي والإقليمي المعنيّ بهذا الملفّ لتلقي نتائج هذا النقاش.
– شخصيتان فاعلتان في الملف تناوبتا على الكتابة، حيث تمّ اختيار كريستوفر الخوري المستشار السياسي السابق للقوات الأميركية في العراق وسورية حتى العام 2019، والمكلف بتقدير الموقف الاستراتيجي في الحرب مع تنظيم داعش، لكتابة المقال الأول الذي يدعو لاتخاذ قرار إنهاء عمل القوات الأميركية في سورية، ويقول في هذا السياق «كل يوم يمر يزيد من المخاطر على القوات الأميركية ويُضعف، ولا يُقوّي، الموقف التفاوضي للولايات المتحدة في ما يتعلق بما يمكن الحصول عليه من الأسد وروسيا مقابل خروج الولايات المتحدة»، ويضيف أن المطلوب هو «الانسحاب بشكل ودّي بما يكفي للحفاظ على العلاقات مع شركائها السوريين، حتى تتمكن الولايات المتحدة من الاستمرار في استخدام الاستخبارات البشرية، وتأمين استخدام المجال الجوي السوري. وعلى الرغم من التوترات الجيوسياسية الحالية، فإن خروجاً للولايات المتحدة منسقاً لحد ما مع روسيا هو السبيل الوحيد لتحقيق هذه الأهداف».
– في العدد التالي نشرت المجلة ذات الأهمية مقالاً لجيمس جيفري رداً على ما دعا اليه كريستوفر الخوري، اما ضمن برمجة مسبقة للنقاش او إفساحاً في المجال لموقف رافض للانسحاب الذي دعا اليه الخوري ظهر أن له مؤيدين ومعارضين في مركز صناعة القرار، وكتب جيفري «في عصر التنافس الجيواستراتيجي المتزايد، بما في ذلك مع روسيا وإيران، يجب على الولايات المتحدة تجنب التبرع بانتصارات استراتيجية غير ضرورية. قد لا يكون التجميد في سورية جذاباً، لكن من المرجح أن يكون هذا شكل النصر المحدود، من الآن فصاعداً، في سورية، وربما في أماكن أخرى». وأضاف «النتيجة الرئيسية لاقتراح الخوري، على الرغم من أنه يحاول بحكمة التقليل من شأنها، ستكون منح الروس نطاقاً دبلوماسياً وعسكرياً أكبر لزيادة ضغطهم على تركيا و”إسرائيل” للانسحاب من سورية أيضاً. في نهاية المطاف… ذلك سيمنح روسيا وإيران نصراً استراتيجياً».
– أهمية هذا النقاش أنه يأتي في أعقاب تحولين هامين، الاول تغير للبيئة الاستراتيجية المحيطة بعمل القوات الأميركية في سورية بعد الحرب في أوكرانيا وتصاعد التحديات التي تنتظر القوات الأميركية والتي تمثل المقاومة السورية للاحتلال الأميركي أولى تجلياتها، ما يعني ان الخيار القائم لم يعد قابلا للاستمرار فإما الانسحاب او تعزيز القوات كمياً ونوعياً بما يتيح لها القدرة على حماية دور ومهمة يحتاجان الى تعريف جديد غير الحرب على داعش. والثاني هو المنهج الذي أظهره الأميركيون في التعامل مع ملف المواجهة التي خاضتها المقاومة في لبنان تحت عنوان الثروات البحرية، بصورة فتحت الباب على أسئلة كبيرة في ضوء الرابط العضوي بين النظرة الأميركية لمنهج المواجهة مع المقاومة في لبنان ونظرة أميركا للتوازن مع حلفاء المقاومة خصوصاً في سورية، كما قالت حرب تموز 2006، وقد صار الترابط اليوم أكثر، ليطرح سؤالاً حول مدى جدية قرار المواجهة في سورية والانكفاء من خيار المواجهة في لبنان؟
– العالم يتغير والمنطقة تتغير، لكن سورية ستبقى المكان الذي يتقرر فيه حجم ونوع واتجاه التغيير، ففيها تتمركز روسيا وأميركا وجهاً لوجه والمقاومة وكيان الاحتلال وجهاً لوجه وفيها إيران وتركيا وفيها تشكيلات الارهاب العالمي، وفيها ستتقرّر التوازنات والخرائط.
البناء