هل سينجح بايدن في فكّ التحالف الروسي الصيني في القمّة
التي سيعقدها مع جينبينغ على هامِش قمّة العشرين الاثنين المُقبل؟ وما هي “القُدرات العسكريّة السّوداء” التي تمتلكها الصين وستُفاجِئ بها خُصومها؟ وما السِّر وراء الصّعود الصيني؟
عبد الباري عطوان
تتّجه أنظار العالم إلى اللّقاء “التاريخي” الذي سيتم على هامِش قمّة العشرين في جزيرة بالي الإندونيسيّة يوم بعد غد الاثنين بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني تشي جينبيغ في مُحاولةٍ لتخفيفِ حدّة التوتّر المُتصاعِد في العلاقات بين البلدين ومُحاولة لوضعِ خُطوطٍ حمراء يحترمها الطّرفان للحيلولة دُونَ مُواجهةٍ عسكريّة.
الرئيس الصيني يُشارك في هذه القمّة من موقع قوّة، مدعومًا بصلاحيّاتٍ غير مسبوقة حصل عليها أثناء الاجتماع الأخير للجنة المركزيّة للحزب الشيوعي الحاكم حيث صفّى جميع خُصومه، وبات يُوصف بأنّه أقوى رئيس صيني مُنذ الزعيم ماو تسي تونغ، ويتَربّع على ثاني أقوى اقتصاد في العالم، وعُملة قويّة (اليوان) تتّجه نحو العالميّة، وأذرع عسكريّة قويّة.
أمّا الرئيس جو بايدن فيتمثّل في دَولةٍ عُظمى في حالِ انحِدار تُسَمّى “الولايات المُنقسمة الأمريكيّة” على حدّ وصف مجلة “أتلانتيك” وغارقة في حربٍ عالميّةٍ كُبرى تستهدفها ماليًّا وعسكريًّا، وتُفقِدها ما تبقّى من صُورتها وقِيادتها كدَولةٍ عُظمى (أوكرانيا) وخارجة من عدّة هزائم في أفغانستان والعِراق، وتُواجه بداية تمرّد من حُلفائها الأوروبيين.
بايدن هو الذي طلب هذه القمّة لتحقيقِ هدفٍ أساسيّ وهو عكس نظريّة هنري كيسنجر “من إبعاد روسيا عن الصين.. إلى إبعاد الصين عن روسيا”، ونجحت خطّته في استِفزاز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالقول إنّه لن يلتقيه على هامِش قمّة العشرين، للانفِرادِ باللّقاء بالرئيس الصيني، عندما قرّر الرئيس الروسي مُقاطعة القمّة المذكورة، والامتِناع ليس عن حُضورها، وإنّما عدم مُخاطبتها أيضًا عبر الفيديو لانفِرادِ بايدن بنظيره الصيني.
خدعة بايدن هذه لن تنطلي على الرئيس الصيني جينبينغ الذي يذهب إلى إندونيسيا وقمّة العشرين وهو “مُبَحلِق” العينين، ويُدرك جيّدًا أن أمريكا في حالِ انحِدارٍ لا تستطيع وقفه، وتُحاول في المُقابل “فرملة” الصّعود الصيني إلى “القمّة” من خِلالِ سياسةِ احتواءٍ “لئيمة”، عُنوانها الأبرز “فكّ التّحالف الروسي الصيني”.
لا نُجادل مُطلقًا بأنّ هُناك قضايا مُهمّة ستكون مُدرَجةً على جدول أعمال قمّة الرئيسين الصيني والأمريكي، مِثل التوتّر في بحر الصين على أرضيّة التّهديدات الصينيّة باستعادة تايوان إلى الوطن الأُم (لاحظوا أن بايدن بلع لسانه، ولم يُكرّر تهديداته بالتّدخّل عسكريًّا في حالِ تعرّض تايوان لأيّ هُجومٍ صينيّ)، وكذلك حملة إطلاق كوريا الشماليّة أكثر من عشرة صواريخ باليستيّة مرّت في أجواء اليابان وكوريا الجنوبيّة، علاوةً على إجراء تجارب نوويّة جديدة، ولكنّ الهدف الأبرز هو دقّ إسفين الخِلاف بين الصين وروسيا، ولهذا سارعت الخارجيّة الصينيّة أمس إلى إصدار بيان يُؤكّد أن العلاقات الصينيّة الروسيّة استراتيجيّة صلبة، ولن يستطيع أحد زعزعتها.
الصين وبعد اكتِمال عمليّة صُعودها ووصولها إلى الذّروة تقريبًا، تخلّت عن استراتيجيّة “السريّة العُليا” التي وصفها المُفكّر الصيني الشيوعي الكبير زينغ بيجان وتبَنتّها اللجنة المركزيّة للحزب عام 2004، وأبرز بُنودها التّعاون، والتنمية، والمَنفعة المُتبادلة عبر مُختلف دول العالم، والتّواضع، والمَيْل إلى التّسامح، وعدم الصِّدام مع القوميّات الأُخرى بقدر الإمكان، ووضع سياسة خارجيّة تقوم على أساسين: الأوّل احتِرام سيادة الدّول ووحدتها الترابيّة، وعدم التدخّل في شُؤونها الداخليّة ثانيًا، وهذا ما يُفَسِّر إدانة الصين للغزو الروسي لأوكرانيا وضمّها للأقاليم الأربعة.
هذه النظريّة الفكريّة واعتِمادها أدّت إلى “الصّمود السّلمي” للصين، وإنجازها أسرع تنمية في العالم، حيث بلغ النّاتج الإجمالي من 0.73 ترليون عام 1995 إلى 14.7 ترليون عام 2020، وزيادة الإنفاق العسكري والتكنولوجيا العسكريّة المُتقدّمة إلى حواليّ 300 مِليار دولار سنويًّا.
لا نعتقد أن الرئيس بايدن سيخدع الرئيس الصيني جينبينغ الدّاهية مُهندس الصُّعود الصيني وقد يعود من هذه القمّة خالي الوِفاض، تمامًا مِثل عودته من قمّة الرياض مُهانًا مكسور الجناح، حيث فشل في إقناع مُضيفه السّعودي بزيادة إنتاج النفط لتخفيض أسعاره وفكّ الارتِباط المُتعاظم مع روسيا على أرضيّة اتّفاق “أوبك بلس”، فالرئيس الصيني ليس نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ولا حتّى بعض القِيادات الشّرق أوسطيّة التي ترتعب من مُجرّد ذِكر اسم أمريكا التي كان يُقال إنها تملك 99 بالمئة من أوراق اللّعبة.
الصين، ووفق استراتيجيّة السريّة والتكتّم التي اتّبعتها في العقدين الماضيين، لم تنجح فقط في تطوير اقتصاد قويّ، وتنمية مُتميّزة وإنّما أيضًا قُدرات عسكريّة جبّارة، وكشف معهد استوكهولم للسّلام في أحد تقاريره، أنها باتت تملك “قُدرات عسكريّة سوداء” أيّ أسلحة يُمكن أن تكون مُفاجئةً لخُصومها عندما تظهر في أيّ حربٍ قادمة.
فإذا كان كيم جونغ أون رئيس كوريا الشماليّة قد “جرجر” دونالد ترامب إلى عرينة الآسيوي والتَقاه مرّتين واحدة في سنغافورة، والثانية في هانوي، ولم يُقدّم له تنازلًا واحدًا، وأعاده إلى واشنطن ذليلًا، فهل سينجح بايدن القادم إلى جنوب شرق آسيا أيضًا في خِداعِ المُعلّم الصيني الكبير والأب الرّوحي للرئيس كيم؟
نَترُك الإجابة ليوم الاثنين المُقبل، وإن كُنّا نعتقد أن حظ بايدن لن يكون أفضل من حظ ترامب.. والأيّام بيننا.