لا تختبروا المقاومة
إيهاب شوقي
بعد عقود من المحاولات الأمريكية والإسرائيلية المستميتة لتصفية المقاومة، وفشل ذلك الأمر والاتجاه لتكثيف وتعميق الحصار عوضا عن المواجهة، دخلت الأمور إلى منزلق أخطر بعد توجه المقاومة للمبادرة وكسر الحصار وإصرار العدو الأمريكي والصهيوني على العناد واستمرار الحصار، وهي مجازفة تدفع الأمور بشكل متسارع للهاوية وليس مجرد حافتها.
وقبل رصد أحدث مستجدات اللعب بالنيران وعوامل الخطورة، نرى من المهم أن نلقي الضوء على مستجدات الأوضاع داخل مثلث العدوان والمتمثل في أمريكا والكيان الصهيوني وحلفائهم الخليجيين وعلى رأسهم السعودية:
أولا: الوضع الأمريكي
يشهد الوضع الأمريكي أزمة غير مسبوقة تتمثل في تراجع خارجي على مستوى الهيمنة والثقة الدولية، ومتانة التحالفات بعد بيان الأضرار اللاحقة بالحلفاء، وارتفاع كلفة فاتورة التحالف مع الأمريكي، وتراجع داخلي في مستويات الاستقرار السياسي، وتماسك الجبهة الداخلية بعد خفوت جذوة الحلم الأمريكي، وتراجع أسهم الشركة الأمريكية التي حاولت أن تشكل هوية ووطنا دون امتلاك مؤهلات ذلك حضاريا وتاريخيا.
كما تشهد الديمقراطية الأمريكية المزعومة هزة كبرى بعد وصول الاستقطاب السياسي بين الحزبين الرئيسيين التقليديين لمستويات حادة نتج عنها ممارسات غير حضارية وغير ديمقراطية، وربما شكلت اتهامات ترامب بتزوير الانتخابات واقتحامات انصاره للكونغرس مؤشرا أو اعترافا بوجود دور لدولة أمريكية عميقة تتلاعب بالأحزاب وبالديمقراطية، وتصدر الوجه الأمريكي المطلوب وفقا للمرحلة وليس وفقا لإرادة الناخبين.
ومع انتخابات التجديد النصفي، اتضح أن أمريكا حائرة وتبدو على غير عادتها عاجزة عن بلورة رؤية أو طرح أو فرض وجود حزبي يتناسب مع المرحلة. وربما من المهم والكاشف أن نسترشد بتعقيب موقع "أكسيوس" على الانتخابات الراهنة، حيث يقول: " بغض النظر عن الحزب الذي يتمتع بأغلبية في مجلس الشيوخ، فمن المحتمل ألا يسيطر أي منهما على المقاعد اللازمة لتجاوز التعطيل...".
ثانيا: الوضع الصهيوني
لا يختلف الوضع الصهيوني كثيرا عن الوضع الأمريكي من حيث الأزمة المركبة، وقد بدأ المشروع الصهيوني يفقد جدواه وجاذبيته للمهاجرين والمستوطنين بعد افتقاد الأمان والوصول لانكشاف استراتيجي خارجي وداخلي، وتتكثف حاليا محاولات الصهاينة المستميتة للدفاع عن هيبتهم وجدوى مشروعهم وهو وضع دفاعي وإن اتخذ أشكالا هجومية وعدوانية.
ثالثا: الوضع الخليجي
يشهد الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، تنصلا علنيا من الثوابت العربية، واعترافا غير مسبوق بالخيانة رغم المحاولات المستمرة لنفيها والتعمية عليها طوال العقود الماضية.
ربما تتفاوت الحالة الإماراتية عن الحالة السعودية، باعتبار التمايز في الطرح، حيث تطرح الإمارات تبنيا للحالة العلمانية، فيما تطرح السعودية تاريخيا تبنيا للنموذج الإسلامي باعتبار السيطرة على الحرمين الشريفين.
وربما اقتنصت قطر رعاية الحركات السياسية الإسلامية التي شكلت المعارضات، وهو ما جعل السعودية تتبنى طرحا متقاطعا مع الطرح الإماراتي بل ومتنافسا ومتصارعا أيضا في عدد من الجبهات.
إلا أن هناك تلاقيا في التطبيع مع العدو، والفارق هو تأجيل الإعلان السعودي لأسباب متعددة، كشفها "معهد واشنطن" بعد زيارة وفد منه للسعودية بقيادة كبار الباحثين في تقرير عقبها بينها العديد من النقاط الهامة ومنها:
أولا: الهوية، حيث كشف تقرير المعهد أن أحد الجوانب الأكثر لفتاً للانتباه في رحلتهم، هو رؤية ظهور قومية سعودية قوية وواثقة من نفسها، يشكل الإسلام فيها إحدى سماته العديدة فقط، وليس عاملاً حاسماً أو أساسياً بشكل خاص. وحرص السعوديون على إثبات حسهم القومي هذا عبر عدة أمثلة، على غرار:
ـ مشروع "بوابة الدرعية" في الرياض الذي يروي قصة نشأة أول دولة سعودية قبل 300 عام من دون الإشارة إلى التسلسل الهرمي الديني.
ـ مجمع مقر "أرامكو" المصمم ليعكس الكفاءة والاحترافية.
ـ "العلا" التي تعرض إنجازات "الحضارة" ما قبل الإسلام في شبه الجزيرة العربية.
ثانيا: التطبيع، حيث قال تقرير المعهد أنه وقبل خمس سنوات عندما زار وفد مماثل من معهد واشنطن الرياض، سمع أن القيادة العليا تصف "إسرائيل" بأنها "حليف محتمل". وحالياً نرى أدلة على موجة زاحفة من التطبيع في كل مكان، حيث بدأ رجال أعمال ومصرفيون ورياضيون بزيارة المملكة بصفتهم المهنية.
ويضيف المعهد، أنه، ومع ذلك، يخطئ من يستخلص أن التطبيع الكامل أصبح قاب قوسين أو أدنى. ولا يرجع ذلك إلى عدم إحراز تقدم في القضية الفلسطينية، بل يُعزى إلى واقع أن التطبيع - رغم أنه مفيد بالتأكيد للسعوديين - أقل أهمية بالنسبة لهم مما كان عليه بالنسبة للدول التي وقّعت على "اتفاقيات إبراهيم".
فمن جهة، سيتعين على المملكة التعامل مع إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية رئيسية أخرى، وعليها النظر بعناية في طريقة تطبيقها وترتيبها. ومن بين الإصلاحات، نذكر اثنين على جدول الأعمال هما رفع الحظر المفروض على تناول الكحول (والذي سيبدأ على الأرجح في المناطق السياحية المحظورة حيث يُسمح بذلك) والسماح بتنظيم الصلوات لغير المسلمين (على الأرجح نتيجة لمتطلبات الرياض بأن تنقل الشركات الكبرى مقارها الإقليمية إلى المملكة من أجل القيام بأعمال تجارية مع الحكومة). ولا يمكن لأي مجتمع أن يقوم بالكثير من الإصلاحات في وقت واحد، والتطبيع مع "إسرائيل" يتنافس مع هذه التحسنات.
إلا أن أخطر ما كشفه معهد واشنطن، هو اقتراح من مسؤول سعودي رفيع المستوى بأن التطبيع قد يحصل بسرعة أكبر إذا كانت الولايات المتحدة على استعداد لاتخاذ ثلاث خطوات رئيسية تجاه المملكة، وهي:
1- تأكيد مصدّق من الكونغرس على التحالف الأمريكي - السعودي.
2- التزام بمواصلة إمدادات الأسلحة كما لو كانت السعودية دولة عضوًا في حلف "الناتو".
3- اتفاقية تسمح للسعوديين باستغلال احتياطياتهم الهائلة من اليورانيوم في برنامج نووي مدني مقيد.
تتمثل الخطورة هنا في ممارسات غير محسوبة وحمقاء، تنشأ عن العناد ومحاولة الاحتفاظ بالهيبة، مثل استفزاز إيران والمقاومة بالحصار والعدوان والوصول لانزلاقات خطيرة، بسبب عدم تناسب هذه الممارسات مع حقيقة التوازنات الجديدة للقوة والردع، من جهة، وكذلك لعدم تناسبها مع انتقال محور المقاومة لمرحلة جديدة مفادها المبادرة وكسر الحصار وعدم السماح بعودة عجلة الزمن للوراء، من جهة أخرى.