مصر وأولوية الأمن القومي
بنده يوسف
بات المحور القطري-التركي هو المحور الرئيس الذي يتزعم اللعب بورقة الإسلاميين والإخوان المسلمين في المنطقة، ومن يحتاج إلى هذه الورقة، عليه أولاً أن يطرق باب هذا التحالف ويبادله المصالح.
منذ رحيل الملك السعودي عبد الله ووصول الملك سلمان إلى سدة الحكم في المملكة السعودية، والتحالف القطري-التركي يعمل على هندسة إعلامه وتحركاته السياسية الخارجية بما يضيق الخناق على مصر ويرسم صورةً توحي بفض التحالف بين القاهرة والرياض. خاصة أن ذاك التحالف المناوئ لمصر لا سيما قطر تستخدم آلتها الإعلامية الضخمة عربياً وأجنبياً وتعتمد على تحليلات كُتابٍ أجانب مثل مقالات ديفيد هيرست لإقناع المواطن المصري والعربي بأن الأمور باتت في غير مصلحة النظام المصري.
من المعروف أن التحالف القطري-التركي يمسك بزمام الإسلاميين، وهو من يرعى الإرهاب ويدعمه بالمال والسلاح في المنطقة؛ والأمر ليس إدعاءً فيكفي مراقبة خريطة الولاءات والتحالف تجاه الدوحة وأنقرة لنعرف من أين يتم تمويل هذه الجماعات الإسلامية المسلحة. وأن هذا التحالف يستخدمهم لصالح أجندة أمريكية ولخدمة مصالحه الإقليمية.
فبعد سقوط نظام الإخوان في مصر وهناك صدمة قطرية تركية من انفراط عقد مشروعهما الذي اعتمد على إستخدام الإسلاميين لهندسة المنطقة بما يخدم هذا المشروع. ولذلك عملا معاً على محاصرة مصر وتهديد أمنها الداخلي وضرب استقرارها واقتصادها بما يعيد الكرة مرة أخرى لصالح جماعة الإخوان المسلمين في مصر والمنطقة.
فالإخوان وحلفاؤهم يراهنون على شل النظام المصري والوقوع في اخطائه حتى السقوط، وعودتهم مرة أخرى على حساب جسد الدولة المصرية، فما يحدث في مصر الآن هو نفس المخطط الذي تكرر في سوريا وفي كل بلد عربي حيث الإعلام المضاد المدعوم من قطر وتركيا يبث الشائعات ويضخم الأحداث ويترصد أخطاء النظام حتى يصل الأمر إلى التحريض على المؤسسة العسكرية، وشحن النفوس في المناطق الحدودية حتى إحداث الثغرات الأمنية مثلما حدث في سوريا ودخول المرتزقة والأسلحة من الخارج. وهو نفس ما يحدث في مناطق حدودية قريبة من النوافذ الدولية مثل سيناء والحدود المصرية الغربية مع ليبيا.
هم يعرفون جيداً أن الدولة المصرية لن تكون فريسة لهم إلا إذا تم إسقاط الجيش المصري، ويكون ذلك بإدخاله في صدام مع الشعب، وهو ما يعملون عليه عبر كل ما تبثه قنواتهم من تشويه واستهداف لذهنية المواطن المصري بأن عدوه الحالي هو الجيش ولا أحد آخر؛ فهم يستغلون الحالة الاقتصادية المتردية وحالة عدم الاستقرار التي عملوا على ايجادها من أجل الضغط على آلام هذا المواطن ودفعه للصدام مع جيشه.
كان رحيل الملك السعودي عبد الله فرصة لتحقيق مخطط هذا التحالف لمحاصرة مصر والضغط عليها حتى تقبل بإعادة احتواء الإخوان ومن ثم المصالحة مع قطر وتركيا، لا سيما أن هذا التحالف لعب على تعارض السياسة الخارجية المصرية مع نظيرتها السعودية في بعض الملفات، وهندس لحدوث ذلك من قبل، فهو من يمسك بخيوط الإسلاميين في المنطقة.
في اليمن
تعتبر المملكة السعودية أكبر منافس أقليمي عربي للدولة المصرية في المنطقة، وهو ما جعل البعض يذهب إلى أن مصر في ظل حالة عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي قد تخضع بجيشها للإرادة السعودية لحماية مصالح المملكة في المنطقة، وهو ما لم يحدث بالصورة التي توهمها البعض. فالمملكة تقلق على أمنها واستقرارها من تهديد حالة عدم الاستقرار التي يعيشها اليمن منذ صعود الحوثيين وسقوط الدولة اليمنية.
واستغل التحالف القطري-التركي هذه الورقة بما جعل الرياض تتقارب من هذا التحالف في العديد من ملفات المنطقة، وبالتالي الاستعانة بالإخوان المسلمين في إعادة ترتيب أوراق اللعبة في اليمن. وبالطبع هذا سيكون في مقابل الضغط على القاهرة لإعادة احتواء الإخوان لديها.
وهو ما يتعارض مع القاهرة التي ترفض محددات سياستها الخارجية التعامل مع الإسلاميين والجهاديين كما تفعل الرياض والإنزلاق في تهمة التورط بدعم الجماعات الإرهابية، فضلاً عن حرص القاهرة على وحدة التراب اليمني. وهنا تعمل مصر على حماية أمنها القومي لا لتأجير جيشها لخدمة سياسة ضيقة الرؤية كالتي تنتهجها السعودية. ولذلك نجد الرياض ترمي بثقلها إلى جانب التحالف القطري-التركي لدعم سياستها في اليمن، واستخدام الإسلاميين بداية من الإخوان حتى القاعدة لإعادة ترتيب الوضع بما يفرض الوجود السعودي، وهذا التحالف يستغل الرياض لحماية مصالح أوسع له في المنطقة تبدأ بتحرير الإخوان المسلمين من الحصار في المنطقة العربية.
في سوريا
مع أزمة سوريا يبدأ ظهور التعارض بين السياسة الخارجية المصرية ونظيرتها السعودية، فالقاهرة لا تستعجل الحل العسكري في سوريا، ولا رحيل نظام الأسد؛ لأن هذا يعني تكرار المشهد الليبي وترك باب سوريا مفتوحاً على مصراعيه لمزيد من الفوضى وعودة صعود الإخوان لسدة دولة، وتعاظم النفوذ التركي في المنطقة، واستكمال المشروع الذي خططت له القوى الغربية عبر شرطييها في المنطقة قطر وتركيا، وانسحاب ما سيحدث من فوضى إلى كافة الدول المنطقة. ولذلك اختارت القاهرة الحل السياسي حتى يكون هناك ما يمكن التمسك بشرعيته بعد رحيل الأسد.
وهو ما يتعارض مع السياسة السعودية التي كل همها هو رحيل نظام الأسد وقطع دابر إيران عبر بناء جدار من الإسلاميين في سوريا حتى لو تكن لتركيا دور الزعامة والنفوذ عليه، وهو ما يهدد الأمن القومي المصري. وهنا يظهر دور التحالف القطري-التركي الذي يستغل الرغبة السعودية هذه ويستغلها في الضغط على مصر ومحاصرة مصالح أمنها في المنطقة. ولذلك أسندت الإدارة الأمريكية تدريب المعارضة السورية وتسليحها مع مطلع مارس المقبل إلى السعودية وتركيا وقطر لأن هناك تقاسم مصالح بينهم واتفاق على سقوط نظام الأسد.
في ليبيا
بدأت مصر في توجيه ضربات عسكرية جوية لمعسكرات الجماعات الجهادية في ليبيا؛ ولم تتورط مصر برياً حتى الآن داخل الأراضي الليبية، ولكن هذه الضربات كانت منتظرة قبل عملية ذبح المصريين الأقباط في ليبيا؛ لأن عملية استهداف الأقباط كان المقصود منها ضرب الجبهة الداخلية لمصر في عملية انتقام نفذها تحالف الإخوان. وقبل هذه العملية كان التحالف القطري-التركي يعمل على إدخال الجهاديين وتدريبهم وتعزيز وجودهم في المناطق القريبة من الحدود المصرية الليبية مثل ولاية درنة؛ في اطار محاصرة مصر بالإسلاميين وتهديدها حدودها الغربية.
حاجة الرياض للتحالف القطري-التركي في إدارة ملفاتها في سوريا واليمن والعراق، جعلت القاهرة تقف وحيدة أمام المسألة الليبية ولا يمكنها التوغل داخل الأراضي الليبية دون تحقيق غطاء عربي ودولي، وهو ما سعى تحالف الإخوان والولايات المتحدة الداعمة لهم على عدم حدوثه؛ فدول أوروبية متضررة من المشهد الليبي مثل إيطاليا المواجهة للسواحل الليبية لا يمكنها التفرد بقرار التحالف مع القاهرة دون الضوء الأخضر من أمريكا.
ويظل يعمل التحالف الإخواني على تنامي العنف في ليبيا وتهديد الأمن المصري ليس لإجبار مصر على التورط في المستنقع الليبي أكثر ما هو لإجبارها على إعادة احتواء الإخوان. وهو ما تدرك القاهرة أنه لا يخدم في النهاية إلا المصالح القطرية والتركية عبر بوابتها واستكمال استخدامهم للعبة الإسلاميين. وهذا يوضح الغضبة الشديدة التي وجهتها مصر لهذين البلدين، فنحن لا نتحدث عن خلاف سياسي أو تعارض مصالح، وإنما نتحدث عن دولتين يعملان على تقويض الدولة المصرية وبناء أحلامهما على جسدها باستخدام الإسلاميين.
وننتهي من ذلك، أن مصر لن تسمح أن تتورط في لعبة أقليمية على حساب أمنها القومي، ولذلك لن تتوانى عن متابعة المشهد داخل ليبيا بما يحمي الأمن القومي المصري، وليس بما يحقق النفوذ للدولة التركية والإسلاميين على الحدود المصرية.
وأن أي تحالف يجب أن يكون في اطار تعانق وتشارك الملفات لا في إطار تأجير البنادق للأصدقاء. وأن مصر لا تتفاوض على أمنها واستقرارها، فالمصالحة مع الإخوان تكون من أجل عودتهم لنسيج الشعب المصري، لا من أجل الضغوط القطرية- التركية- الأمريكية، وأن يتحولوا لذراع داخلي يعمل لصالح هذا التحالف. وأن السياسة الخارجية المصرية التي اتسمت بمحددات ثابتة وصارمة وعلى رأسها عدم التعاون مع الجماعات المسلحة العابرة أيدولوجيتها للأقطار لن تتغير لصالح ضغوط أو الإستجابة لرغبة ضيقة.