عملية سليمان شاه العسكرية..الرسائل والرهانات!
نبيل نايلي
"تركيا لم تتخلّ عن أيّ من حقوقها التي نصّت عليها المعاهدات..إن جيبنا لا يزال موجودا داخل الأراضي السورية .. ليس هذا انسحابا بالتأكيد، انه اعادة تموضع موقتة، وعلمنا يرفرف على قرية آشمة السورية”. الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان.
مستخدما كتيبة من 572 جنديًا معزّزين ب-- 39 دبابة، و57 عربة مدرّعة، و100 آلية، وطائرات دون طيار وطائرات استطلاع، توغّل الجيش التركي في انتهاك سافر وخرق للعهود وللمواثيق الدولية واعتداء على السيادة الوطنية، الأراضي السورية ونفّذ عمليتين عسكريتين متزامنتين، الأولى ل”نقل رفاة سليمان شاه”، جد مؤسّس الدولة العثمانية عثمان بن أرطغرول، والجنود الأتراك الذين كانوا يحمونه، والثانية ل”تأمين” منطقة واقعة قرب قرية أشمة، غرب مدينة عين العرب، أين تمّ نقل الرفات،”مؤقتًا”!
قوات الجيش التركية "احتلت” المنطقتين ورفعت علمها، متعلّلة بالمادة التاسعة من معاهدة أنقرة الموقّعة منذ العشرينات- عهد الانتداب الفرنسي على سوريا- بين تركيا وفرنسا، التي نصّت على أنّ ضريح سليمان شاه، يظلّ تحت السيادة التركية! هذا إذا سلّمنا بغير الرواية التي تقول إنه مات غرقا!
عملية عسكرية استعراضية بهذا الحجم وفي هذا التوقيت الدقيق بالذات، كلّ ذلك من أجل عيون ضريح سليمان شاه، جدّ مؤسّس السلطنة عثمان الأول، الذي قتله المغول في البادية السورية، في القرن الثالث عشر، كما تقول إحدى الروايات الأخرى. القوات التركية التي نقلت الرفات وأجلت حرّاس الضريح، لم تتردّد في تفجير المكان، "خشية الإحراج الذي قد يسبّبه تنظيم داعش للحكومة التركية أمام شعبها”! كما أعلن مصدر رسمي تركي.
رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، أعلن مزهوّا مؤكّدا الاعتداء السافر، "وجّهنا تعليمات للقوات التركية المسلّحة كي تحمي قيمنا الرّوحية وتضمن سلامة قواتنا العسكرية.. تركيا لم تطلب إذنا ولا مساعدة في المهمة، لكنها أخبرت حلفاء في التحالف الدولي بعد بدء العملية”، معبّرا عن ارتياحه "لحسن سير” العملية العسكرية التي كانت "تنطوي على مخاطر كبيرة” وجرت في عمق ثلاثين كيلومترا داخل الأراضي السورية!
أين ذلك؟ في منطقة يسيطر عليها تنظيم داعش، الذي لم يترك معلما أو ضريحا أو شاهدا أو مقاما إلاّ وفجّره في تدمير وتجريف مُمنهج للذاكرة الوطنية والقومية! وحده ضريح سليمان شاه، ظلّ محروسا ينتظر القوات التركية الباسلة ل”تنقذه”! مصير مشرّف لم ينله مزار النبي داود، ولا مرقد النبي جرجيس، ولا مسجد النبي يونس، ولا ضريح النبي شيت، عليهم السلام، ولا مقام الصحابي الجليل أويس القرني، ولا ضريح الإمام السلطان عبد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولا الكنائس والأديرة والمقامات والأضرحة، ولا ولا ولا..في كل مدينة استباحوها! على ذقون من يضحك المتحدّث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالين، حين يصرّح "إنّ هذه العملية تأتي بعد حصار فرضه مسلّحو تنظيم الدولة الإسلامية على منطقة الضريح، ما استوجب توغّلا عسكريّا تركيّا داخل الأراضي السورية”؟
العملية العسكرية التركية والأسئلة حول غاياتها وأهدافها وتداعياتها لا تزال محلّ جدل كبير بين الإستراتيجيين والمحلّلين والسياسيين. فهل يكون نقل رفات سليمان شاه تمهيدا لفرض المنطقة العازلة التي طالما طالب بها الحالم بالصلاة في جامع الأمويين، خصوصا والجيش العربي السوري يحقّق تقدّما شمال حلب؟ أو هل تكون تركيا، بعد خسارة رهانات حزب العدالة والتنمية وتنظيم داعش لمعركة عين العرب وتنامي الأكراد بما يعنيه من تبعثر في الأوراق، تستبق الأمور وتعيد التموضع؟ هل تنشر قواتها في عمق منطقة نفوذ كردية لتشكّل حدود وملامح مستقبل المسألة الكردية، أم لتجهض حلم الأكراد في إدارة ذاتية؟ أم هي فقط تسعى للوقوف ضد أي تحالف محتمل مع الجيش العربي السوري قد يحبط أي محاولة للتقدم التركي بإتجاه الأراضي السورية، في حال اقتضت المصالح الإستراتيجية التركية ذلك؟
ما لا شكّ فيه أنّ الخطوة التركية على غاية من الأهمية وبالغة الخطورة. واهم من يختزلها فقط في عملية نقل رفات! فما الذي منع تركيا منذ سنين من استرجاع الجثمان والضريح وأن تقيم له المراسم التي شاءت في تركيا؟ ولماذا الإصرار التركي على بلدة في الشمال السوري ولماذا الإستفزاز السلجوقي برفع العلم التركي بكل عنجهية وصلف؟ من لم يفقه، بعد، أويمارس حالة إنكار، فأردوغان، تكفّل بالردّ: "إنّ جيبنا لا يزال موجوداً في الأراضي السورية”!
لا التوقيت ولا المكان الذي اختارته المؤسسة العسكرية ولا ما يجري على الجبهات من نتائج عسكرية وما تعنيه من مضاعفات يجعلون من القرار التركي قرارا اعتباطيا غير مدروس!
خالد خوجا، رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، في تعليقه على الحادثة السافرة، أعرب عن "ارتياحه لنجاح العملية” مصرّا أنّها "كانت ضمن الإطار القانوني”!!!!، حيث تحركت تركيا "ضمن الحدود القانونية، حسب المعاهدات والمواثيق الدولية، وتمّت ضمن علم الائتلاف رسميًا، وفي إطار التنسيق مع قوات الجيش الحر”! معاذ الخطيب ذهب أبعد من خالد خوجا، في عماه الإستراتيجي والتقليل من خطورة "إعادة التموقع” التركية ومضاعفاتها على هذه الدولة التي يحلم "بتحريرها” وقيادتها هو وجماعته، بمن تهجّنهم الولايات المتحدة من "معتدلين” في الأردنّ والسعودية وقطر وتركيا إذا نسي جنابه، ليصمّ آذاننا بقوله تعليقا: "ايه شو فيها إذا دخلت تركيا؟ إيران تحتلّ كامل سوريا " ! هزلت!
أي معارضة "ثورية” هذه التي تسمسر بالوطن وسيادته، "شمالا لتركيا وجنوبا للكيان الصهيوني” وتقايض بمصير أهلنا في سوريا مستقبلا يُسطّره الأمريكيون وأذنابهم من الصهاينة والأتراك؟ من نصّب هؤلاء الذين يتكلّمون باسم الجماهير في سوريا ليصبحوا مجرّد أدوات وبيادق في رقعة شطرنج النفوذ الدولي؟
كلمة أخيرة، قمة الهوان أن تشغل العملية العسكرية التركية برمزيتها وتداعياتها الرأي العام التركي وأن تشكّل قضية رأي عام يتدخّل من أجل أن يدافع عنها في أكثر من مناسبة الرئيس التركي نفسه، ويندّد بها نواب المعارضة التركية، بل ويعتبرونها، كما كتبت الكاتبة والصحفية، دويجو جوفنيش، في مقالها "انتصار زائف”، "تراجعا وتقهقرا لتركيا، وانسحابا من جزء هام من أراضيها دون قتال لصالح عناصر تنظيم داعش”، ثم يصمت عنها ساسة وصنّاع القرار العرب ونخبة هذه الأمة ولا تهتزّ لهم قصبة!
فهل يعقلون؟؟