سلّمنا بالمداراة ولكن الى متى؟!
حسين شريعتمداري
1 ـ كان العقيد "زماني" مسؤولاً للسجن السياسي خلال حقبة الاستبداد الشاهنشاهي وبعد انتصار الثورة الاسلامية تمت محاكمته على جرائمه العديدة واعدامه. وفي عصر احد الايام من عام 1977 دخل العقيد زماني الى السجن وبمعيته مجموعة من ضباط الشرطة واستقر وسط باحة السجن ليلقي على السجناء تعليماته. ومع ان حديثه كان في كل مرة موجزاً ويتركز على التهديد والوعيد، إلا انه في ذلك اليوم شمله الغضب واسترسل بحديثه، حتى قال: إفترضوا ان شرطيا وضع رجله على رقبة مجرم وضغط عليه الى درجة ان تزهق روحه! وفي هذه الحالة التفت انه بريء، برأيكم ما هو رد فعل الشرطي؟! ان لا ينتظر الرد، إذ يعلم ان السجناء السياسيين لا يعيرون أهمية لكلامه ولايجادلوه ابداً؟ واستطرد العقيد زماني حديثه بالقول: لو تتصورون ان الشرطي سيرفع قدمه اذا علم براءة السجين، فانتم واهمون! اذ ان استعراض قدرة الشرطي أهم من حياة انسان! حتى وان كان بريئاً!
2 ـ ان العقيد زماني وغيره من الضباط رفيعي المستوى في حكومة الشاه قد تدربوا بمراكز عسكرية اميركية وبريطانية. ويمكن ملاحظة التصرف الوحشي حيال الشعوب واضحا حتى في ايامنا هذه في اكثر الدول الغربية لاسيما اميركا. فحسب اعتراف الـ (اف بي اي) الشرطة الفدرالية الاميركية، فانه يقتل سنويا اكثر من الف مواطن اميركي باطلاقات مباشرة في الشوارع، فقد ضغط ضابط شرطة اميركي على رقبة "جورج فلويد" لتسع دقائق و29 ثانية (وهو ما كان العقيد زماني يتباهى بفعله في سجون الشاه)!
وارداه قتيلا، هو مثال من آلاف النماذج. فالكثير من الضحايا تزهق ارواحهم بمجرد ان قاوموا اوامر الشرطة و... وللحكاية بقية.
3 ـ وبعد انتصار الثورة الاسلامية، لم يبق نظم جهاز الشرطة على حاله وحسب بل تحولت قوات وكوادر هذه المؤسسة تحولاً جذريا حتى بلغ الامر ان قال سماحة قائد الثورة بهذا الخصوص: "ان القوات النظامية واحدة من الاعمدة الراسخة للامن في البلاد... فهذا الدور الثمين طرأ عليه في السنوات الاخيرة مسحة جديدة". فليس مبالغة إن قيل انه خلال السنوات الـ 43 الماضية، صار مسلماً للجميع مدى تجانس القوات النظامية مع الشعب ليكون الحارس ومصدر الاطمئنان له. ومن جانب آخر فان الشعب والقوات النظامية التي هي جزء لا ينفصم من الشعب، على إثر نهج مقدس وسماحة متبعة، يحسبوا حساب الاعمال الخيّرة ولو كان بقدر مثقال ذرة فهي عند الله عظيمة وتندرج ضمن جدول الحساب فهم على يقين ان الناظر اليوم (الله سبحانه وتعالى) هو القاضي غدا.
وتاسيسا على ذلك فمن البديهي ان لا يكون للسلوك المتبع لدى قوات الشرطة الاميركية وفي دول اوروبية غربية، اثراً في النطاق الانساني لشرطة الجمهورية الاسلامية وكلنا شهوداً على ذلك، إلا ان هذا المقال يعالج قضية ثانية لنقرأ!
4 ـ ونقولها بضرس قاطع انه بنفس الدرجة التي جرت عادة وسلوكيات الشرطة في الغرب على النهج الوحشي البعيد عن الانسانية ونقض أبسط حقوق المواطنة، فان أي إجراء يمس اقتدار الشرطة المحبة للانسانية في بلدنا لهو خطر لشعبنا. فنظرة الى بعض الاحداث هذه الايام والتصرف الوحشي لعصابات داعش مع الشعب المظلوم في الازقة والاسواق وحتى مع الشرطة، لتصيب قلب أي إنسان بالاذى، والاكثر ألماً المماراة التي لا يمكن تبريرها للقوات النظامية والامنية قبال هذه الوحشية!
ففي المكان الفلاني يذبح شرطي! ويتم مهاجمة شرطي آخر بالسكاكين! وسكب البنزين على جسد شرطي ثالث ليحرقوا بدنه المطهر! و... في نفس الوقت لم نشهد اي رد من الشرطة! فالتصرف الوحشي يوم الخميس للغوغائيين في كرج والهجوم على الشرطة وتضريجهم بدمائهم، كيف يمكن تبريره؟!
ان مثيري الشغب الذين فاقوا عصابات داعش وحشية، قد نشروا الفوضى منذ شهرين، فوجهوا الاهانات الواضحة للمقدسات الاسلامية، واهانة المكانة القدسية للامام الحسين عليه السلام، ومهاجمة الحسينيات، وحرق المصاحف، ونزع حجاب النساء، وحرق سيارات الاسعاف التي تحمل المرضى، وقتل الناس في الازقة والاسواق بدم بارد واطلاقات نارية، ونهب المحلات، وتعذيب رجال الدين المضحين، وقتل افراد التعبئة والشرطي الفلاني. واغتيال ائمة الجماعة، وسلب الراحة والسكينة من الناس في عديد من المحلات و... فالتساهل حيال جميع هذه الاجراءات الوحشية كيف يمكن تبريرها؟! فقوات التعبئة والشرطة لطالما برهنوا انهم رجال المواقع الحرجة والواضعين حدا لسوء الايام، والسؤال هو انه لماذا لا يعطى التصريح لمواجهة حاسمة مع مثيري الفتنة والمعتيدن على اموال وارواح واعراض الناس؟!
5 ـ وبالامس مع خروج عشرات الملايين من المواطنين في المسيرات الملحمية لليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالمي في اكثر من 900 مدينة وناحية، هي واحدة من اساسيات مطالب الشعب والتي شابتها العتاب الاخوي، فكان الطلب انفعال القوات الرادعة للنظام قبال الجرائم الوحشية لمثيري الشغب. فهذا الانفعال الذي لا اثر له لا يمكن هضمه من قبل الشعب، والحق معهم. فواحدة من النساء التي رافقت زوجها وابناءها مشاركين في المسيرات الملحمية اول امس، تحدثت والدموع تنهمر من عينيها، تقول؛ "اناشدكم الله ايها المسؤولون فنحن لم نأت بابنائنا من الشارع كي يقوم اذناب اميركا واسرائيل بتضريجهم بالدماء؟!
وقالت سيدة اخرى: اوصلوا خطابي للسادة المسؤولين، ان لا يصل بحلمكم الى حد التساهل في الحساب! فيما قال شاب بغضب؛ لقد اعلنوا ان الشرطة لا تستعمل عيارات نارية! أليس ذلك خطاب عن غير قصد موجه لمثيري الشغب انه اقدموا على اي جريمة براحة بال واطمأنوا بان ايدي رجال الشرطة مغلولة عن ملاحقتكم؟! وعشرات الخطابات التي تقطر عتاباً.
6 ـ ان بعض المعنيين في الدولة اعلنوا ان ساسة التريث المتبعة مع مثيري الشغب تهدف لفصل المتورطين عن المغرر بهم! وهنا مع الاعتذار ينبغي القول؛
اولاً: ألم يحصل هذا العزل الى الآن؟!
ثانيا: وهل يجوز التريث حين نرى مثيري الشغب والفتنة يهاجمون مواطنا بسكين او سلاح قاتل، كي تتضح دوافعهم! ام لابد ان يتم مواجهتهم بطرق منطقية وقانونية للحد من الهجمات الوحشية؟!
وثالثا: واي جريمة كان على مثيري الشغب ان يرتكبونها كي يُشعر ان زمن المواجهة الجادة قد حل؟! وبالطبع ينبغي الالتفات الى ممارسات ادعياء الاصلاح والمدونين المسلوبي الانسانية في اشعالهم للفتنة فهم ينهلون من نفس العين التي يكرع منها مثيرو الشغب الارهابيون. فلماذا لا يتم مساءلة هؤلاء على اكاذيبهم الباعثة على الفتنة؟!
7 ـ ولحسن الحظ اعترض قبل يومين بعض نواب الشعب المحترمين على الرد الحالي تجاه مثيري الشغب، مطالبين من الدوائر المعنية ان يعمدوا الى مواجهة حازمة ضد الفوضويين دون ادنى تأمل، آملين ان تلقى هذه المطالب لنواب الشعب بترحيب المسؤولين المعنيين.
8 ـ وبالتالي فان العتاب الصادر من هذه المقالة نابع من مطلب جماهيري يثار هذه الايام، ولا يعني لا سامح الله تجاهل اتعاب المسؤولين والمعنيين في مواجهة اعمال الشغب، وانما نحتكم الى الانصاف ليتم تثمين المساعي التي يبذلونها هؤلاء الاعزة ليل نهار، اذ ان هذا العتاب مصداق المثل؛ "أصرعه داخل الحلبة كي لا يحتسب على الجالس خارجها".
آملين ان يحصل ذلك!