kayhan.ir

رمز الخبر: 15950
تأريخ النشر : 2015March01 - 21:22

معركة الموصل بين التقديرات والاحتياجات

محمد محمود مرتضى

اثارت التسريبات الاميركية حول خطة الهجوم على الموصل استياءات كبيرة وواسعة داخل كل من الولايات المتحدة والعراق على حد سواء، الا أن اللافت هو الخلاف العراقي - الاميركي على الخطة واحتياجاتها اللوجستية .

وفي الاصل يعود الاختلاف على الاحتياجات اللوجستية الى الاختلاف على تقدير عدد "المقاتلين” الذي تملكه داعش. ففي الوقت الذي تقدر وكالة الاستخبارات الاميركية ومحللوها، وفق تقويم اواخر العام الماضي (2014) ان العدد يتراوح بين 20.000 و 31.000 يرى مدير المرصد السوري المعارض رامي عبد الرحمن ان لدى التنظيم اكثر من 50.000 "مقاتل” في سوريا وحدها، فيما تقدر رئاسة هيئة الاركان العامة الروسية ان العدد هو 70.000 من جنسيات مختلفة. ولعل اكبر التقديرات هو لهيئة الاركان في اقليم كردستان العراق والتي وصلت الى 200.000 مقاتل بحسب ما نقله باتريك كوكبيرن من صحيفة الاندبندنت.

والواقع ان التقدير كي يبدو منطقيا ومعقولا ينبغي في البداية ذكر محددين اساسيين هما: اولا ما المساحة الجغرافية التي يغطيها التنظيم في عمله وتاليا العدد السكاني الذي يقع في نطاقها، وثانيا ما المقصود من كلمة "مقاتل”؟.

في المحدد الاول فان مساحة العراق الاجمالية حوالي 440.000 كلم مربع يحتل داعش تقريبا ثلث المساحة اي حوالي 145.000 كلم مربع. اما سوريا فمساحتها حوالي 185.000 كلم مربع يعمل داعش ايضا على ثلث المساحة تقريبا اي حوالي 60.000 كلم مربع. وهذا يعني ان اجمالي المساحة التي يعمل عليها التنظيم هي حوالي 205.000 كلم مربع في العراق وسوريا. وبلحاظ عدد سكان هذه المناطق مع الاخذ بعين الاعتبار الذي نزحوا منها فان التقديرات تشير ان العدد المتواجد فيها هو تقريبا 6.147.000 نسمة (العراق حوالي 3.900.000، وسوريا حوالى 2.147.000 نسمة).

من هنا ندخل الى المحدد الثاني لنسأل ما المقصود بالمقاتل؟ فان كان المقصود به جميع الموظفين التابعين للتنظيم كالشرطة وهيئات الحسبة وحرس الحدود والاجهزة الامنية المختلفة، والاجهزة القضائية والرقابية وغيرها اضافة الى المقاتلين على الجبهات فان التقدير الاميركي بان العدد هو بين 20.000 و 31.000 بعيد جدا عن المنطق، اذ لا يمكن ادارة مناطق بهذه المساحة تحتوي على هذا العدد من السكان بمجرد عدد من 30.000 عنصر لا سيما ان الجبهات مشتعلة على كامل هذه الحدود وتتعرض لهجمات مستمرة في محاولة لاسترجاعها.

التقديرات بين التجربة الافغانية واساليب عمل داعش

فعلى سبيل المثال فان منطقتي هلمند ونيمروز في افغانستان احتاجتا حوالي 30.000 جندي من الولايات المتحدة وبريطانيا والدانمارك لاخضاعهما مع ان عدد سكانهما يقدر بحوالي 1.600.000، علما ان هذه القوات كانت مدعومة من الجيش والشرطة الافغانية. من دون ان نغفل عن ان القوات الغربية تملك من التكنولوجيا الحديثة ما يخولها مراقبة مناطف جبلية دون الحاجة الى عديد من الافراد، وهذا امر غير متوافر لدى داعش.

ان مراقبة وتقييم اسلوب داعش وتركيزاته الهجومية تفضي الى ملاحظة التالي: ان التنظيم يعمد غالبا لمحاولة الوصول الى المدن الكبرى لاحتلالها، وهذا ما لاحظناه في العراق عند احتلاله لمحافظة نينوى حيث احتل سريعا مدينة الموصل وكذلك في مدينة تكريت وغيرهما، وهو ما حاوله في منطقة عين العرب، فبعد السقوط السريع للقرى هناك حاول الوصول الى المدينة واحتلالها. ويمكن فهم هذه الاستراتيجية بان التنظيم يعتبر ان الحفاظ على القرى القليلة العدد في الابنية والسكان نظرا لمساحاتها يحتاج الى عدد كبير من الافراد، فيما الحفاظ على المدينة المكتظة بالعمران والسكان يحتاج الى عدد اقل نظرا لطبيعة المعارك التي سيخوضها التنظيم داخل المدن الكبرى، وهي ستكون حرب شوارع لا تحتاج الى عدد كبير كالذي تحتاجه المعارك في المناطق المفتوحة. بهذا المعنى تمثل المدن الكبيرة حصونا وخطوطا دفاعية للمناطق المفتوحة التي تقع خلفها. وبهذا نستطيع أن نفهم سبب الانهيار الواسع في صفوف داعش وقيام قوات الحماية الكردية باسترجاع عدد كبير من القرى التابعة لمدينة عين العرب ما ان تم استرجاع المدينة نفسها.

من هنا فان التقديرات الاميركية تبدو منخفضة جدا وموضع شك كبير مقارنة بالمساحات التي يحتلها التنظيم لا سيما العمرانية منها سواء لناحية مساحتها او عدد سكانها.

التقديرات الاقرب الى الصحة

واذا ما لحظنا التجنيد الذي فرضته داعش في الرقة ونينوى والانبار مقارنة مع عدد المقيمين في هذه المناطق فان رقم 200.000 يبدو رقما مقبولا ومنطقيا اذا كان يشمل جميع العاملين في التنظيم من قوى امنية ورقابية وقضائية وغير ذلك. وعليه فان رقم 50.000 هو ايضا رقم واقعي اذا كان المقصود به القوات المقاتلة والمدربة بشكل مقبول. ومع ملاحظة ان التنظيم يقوم بنقل قوات مقاتلة من منطقة الى اخرى حسب درجة اشتعالها واهميتها وفقا للحسابات الهجومية فيبدو ان التنظيم يملك قوة ضاربة تمثل الركيزة الاساسية في عمله الهجومي، واحيانا الدفاعي، يقوم بنقل هذه القوات من جبهة لاخرى، والظاهر ان هذه القوة يبلغ عديدها التقريبي حوالى 15.000 "مقاتل”.

من هنا نستظهر ان العدد الذي زعمت القيادة المركزية الاميركية قد قتلته من داعش وهو 6.000 على فرض صحته فهو قطعا ليس من القوة الضاربة للتنظيم لانه يعادل تقريبا النصف، ولو صح هذه الرقم لاصبح التنظيم عاجزا عن اي مبادرة هجومية فاعلة، على أن ما يبدو انه عجز عند التنظيم بالقيام باختراقات هامة ميدانية يعود للتطويرات القتالية واللوجستية التي شهدتها القوات العراقية سواء الجيش منها او الحشد الشعبي او العشائر وليس للضعف الهجومي عند داعش.

والواقع ان اهمية التقديرات لعدد "مقاتلي” داعش تعود للاستعدادات التي تجري تمهيدا للمعارك الكبرى وتاليا للقوة المفترضة التي ينبغي تحضيرها، فاذا اخذنا التقديرات الاميركية على انها الاقرب، ومع ملاحظة مزاعمهم بان الغارات قتلت حوالي 6.000 مقاتل فهذا يعني ان داعش خسر اكثر من 40 بالمئة من قواته، اما اذا اخذنا بالتقديرات التي ذكرناها وهي حوالي 100.000 شخص قادرين على حمل السلاح، منهم 50.000 مدربون تدريبا مقبولا، وفيهم 30.000 قوة ضاربة، فان مقتل 6.000 ليس سوى نسبة صغيرة من الاجمالي العام.

وعلى أي حال، وبمعزل عن العدد الدقيق لعدد "المقاتلين” فان الذي ينبغي أخذه يعين الاعتبار وبشكل هام واولوي ان قوة داعش الرئيسية تقع في المدن الكبرى، وان اي انهيار في مدينة منها سيؤدي حتما الى انهيار كامل الريف التابع له بشكل سريع، ومن هنا تحديدا تأتي أهمية معركة الموصل.