"الحرية وحقوق الإنسان" السلاح الغربي القديم – الجديد لاستهداف إيران
ميشال كلاغاصي
تطور الدولة الإيرانية والمكانة الإقليمية والدولية التي أصبحت تتمتع بها، دفعا الغرب إلى زيادة التآمر والعدوان عليها.
يستمر الاستهداف الأميركي – الغربي للدولة الإيرانية، وتستمر معه الحملات الإعلامية التضليلية الحاقدة، بالاعتماد على تغييب عقول المتلقين، وكل من تعدّهم وسائل الإعلام الغربي المسيّس والمأجور أناساً بلا ذاكرة، ولا يعرفون أن إيران تتعرض لأبشع عدوانٍ غربي منذ أربعين عاماً، لم يتوقف فيها الحصار وفرض العقوبات الأميركية والدولية على إيران، دولةً وشعباً، ولا يعرفون أيضاً أن الإيرانيين حوّلوها إلى فرصة وحافز جدّي ساعدهم على تطوير علومهم وفكرهم ومهاراتهم التنظيمية وترجمتها حقائق على أرض الواقع، ومنحت بلادهم القدرة لتكون واحدة من أهم الدول والقوى الإقليمية والدولية، وأكثرها استقلالية في آلية اتخاذ قرارها السياسي، الذي يلبّي طموحات شعبها، والتي تستند إلى تاريخه وحضارته، وتشكل حصيلة لصبره وكفاحه ونضاله، وخصوصاً مع انطلاقة الثورة عام 1979.
فقد أدى النهج الإيراني إلى تحقيق عديد من الإنجازات في مجال العلوم والتكنولوجيا والصناعات العسكرية التقنية كافة التي تحتاجها إيران، وبات العالم كله يعرف أن الإنجازات الإيرانية جاءت نتاج عراقة الحضارة الإيرانية واستمرارها وتطورها، ومراكمة إنجازاتها، وليست وليدة ظروفٍ ولحظاتٍ آنية مرت وتمر بها البلاد.
واليوم، وبفضل متانة الأساسات الإيرانية وعمقها، استطاعت التصدي للعدوان الأميركي -الغربي متعدد الأشكال والأساليب على مدى العقود الأخيرة، التي اقتربت فيها المواجهة العسكرية المباشرة بينهما مرات عديدة، وسجلت خلالها الدولة الإيرانية ثباتاً وشجاعةً وحكمةً، وأكدت علو كعبها السياسي والدبلوماسي وردعها العسكري، ودقة حساباتها، وبراعتها في ترتيب أولوياتها الجيو-سياسية.
وهذا يشير إلى أهم ما يميز إيران وسياستها الخارجية التي تقوم على التمسك بمصالحها الوطنية النابعة من هوية المجتمع وتاريخ الدولة وعمقها، بما يؤكد صعوبة التأثير فيها من الخارج، في وقتٍ لم تتوقف المعارضة الإيرانية، المدعومة من الخارج، عن اقتناص الفرص، وتنفيذ هجماتٍ إرهابية داخل البلاد، أو القيام بمحاولات زعزعة الاستقرار الداخلي؛ تنفيذاً للمخططات التي يحيكها أعداء إيران كالعدو الإسرائيلي والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، وبعض الدول والأنظمة العربية المجاورة. ومع ذلك، حافظت الدولة الإيرانية على استقلالية قرارها السيادي والسياسي، وواجهت أزماتها وصراعاتها والعدوان الصهيو – أميركي وأدواته، بقدراتها الذاتية وبكبرياء شعبها، وحكمة قيادتها.
وعلى الرغم من تطور علاقاتها الدولية ببعض القوى الكبرى كروسيا والصين، والتي بلغت مستويات متقدمة للغاية على المستوى الاقتصادي والتبادل التجاري والعلمي وتبادل الخبرات، وعشرات المجالات الأخرى بما فيها المجال العسكري، وبنت معها علاقات استراتيجية هامة ومميزة، وباتت أكثر قرباً من إعلان شراكتها وانضمامها إلى منظمة الأمن الجماعي، ومنظمة شنغهاي للتعاون، الأمر الذي استغله الغرب لمضاعفة حملاته الإعلامية واتهاماته وشكوكه حيال "سلوكها"، إذ ينظر الغرب إلى "الشراكة" و"العلاقات الاستراتيجية" وحتى "التحالفات" وفق ذهنيته وفهمه لطبيعة هذه المصطلحات، وعلى مبدأ "من ساواك بنفسه ما ظلمك"، وبأنه لا بد لها أن تكون جزءاً من سياسات "القطيع" وسلوكياته، التي لا تقبل الولايات المتحدة بديلاً عنها في علاقاتها بتلك الدول.
وعليه، لا يستطيعون فهم المواقف الإيرانية من القضايا والملفات والصراعات التي تقوم أساساً على مصالحها، أو فهم مواقفها للحفاظ على السلام في جنوب القوقاز، ورفضها الثورات الملونة والهجينة، والحرب في أوكرانيا، وكبح بعض الطموحات التركية، ودعم القضايا العادلة كالقضية الفلسطينية، ودعم الدولة السورية وفنزويلا وغيرهما، وإخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، ودعم السلام وعلاقات حسن الجوار في محيطها العربي.
إن تطور الدولة الإيرانية والمكانة الإقليمية والدولية التي أصبحت تتمتع بها، دفعا الغرب إلى زيادة التآمر والعدوان عليها، وإنكار حقوقها بامتلاك الطاقة النووية السلمية وإنتاجها، وبما استطاعت إنتاجه من صناعات عسكرية تدعم دفاعها عن سيادتها وقرارها وأمنها وشعبها، بالإضافة إلى ردعها الجدّي لأعدائها، وسط إدراك الولايات المتحدة وحلفائها صعوبة التمدد في المنطقة وتمرير المشاريع الخبيثة، والسيطرة على ثروات الدول والشعوب في المنطقة بما فيها إيران، الأمر الذي جعل منها هدفاً غربياً، فمورست بحقها التهديدات والضغوط وطبقت عليها العقوبات الأميركية والأوروبية، بعيداً عن الشرعية الدولية والقوانين الأممية والأعراف الدولية.
وبسبب مكانتها وقوة تأثيرها ودورها في محيطها، أرادت واشنطن إبعاد إيران عن الساحة الإقليمية والدولية، والحرب على روسيا في أوكرانيا التي أعدّت لها العدة منذ عام 2014، ومزقت الاتفاق النووي الإيراني في عهد دونالد ترامب، وجاء الرئيس بايدن ليستكمل الخديعة ويسير بالمفاوضات حتى إنها كادت تثمر اتفاقاً جديداً، وكررت فيها إيران انتصارها الدبلوماسي والتفاوضي، لكنّ الأميركيين ما زالوا يضعون العراقيل والذرائع لتأجيل التوقيع وربما لنسفه.
كذلك أرادت واشنطن إبعاد إيران عن الصين، وعديد من الدول الآسيوية وسوريا والعراق و لبنان... لأسباب تتّحد في جوهرها وتصب في خانة صعوبة تخطي الدولة الإيرانية في الصراعات الدولية، وخصوصاً تلك المحيطة بإيران، ومن خلال إدراكها بأنها الدولة الأولى في العالم التي وقفت في وجهها ووجه النظام الليبرالي العالمي منذ ثمانينيات القرن الماضي، في وقتٍ لم يكن احتمال انهيار النظام الدولي الأحادي يلقى صدى حول العالم، ولم تتخيل أيضاً الدول كالصين والهند والدول النامية الكبرى أنه يمكن مواجهة الغرب ورفض هيمنته وإملاءاته.
وفي محاولةٍ لصيد عصفورين بحجر واحد، ونتيجة تفوق روسيا في الحرب الدائرة في أوكرانيا، في مواجهة الولايات المتحدة و"الناتو" والاتحاد الأوروبي، تستغل واشنطن أدواتها لتوجيه الاتهامات لروسيا باستهدافها البنى التحتية والتجمعات السكانية في أوكرانيا وبمسؤوليتها عن إزهاق أرواح المدنيين، وكذلك وجّهت الاتهام إلى إيران عبر مزاعم باستخدام روسيا الطائرات الإيرانية المسيّرة.
وعلى الرغم من النفي الإيراني والروسي القاطع لهذه الاتهامات، والتأكيد الإيراني بالتمسك بالقانون الدولي، وسط غياب أي دليل يثبت صحة الادعاءات المزعومة، أوقفت واشنطن حديثها وتصريحاتها بشأن الاتفاق النووي الإيراني، واتجهت نحو شن حملةٍ إعلامية – سياسية عنيفة ضد إيران، استغلتها أيضاً لفرض المزيد من العقوبات على إيران، وصبّت بالتوازي جهودها كافة على استهداف الدولة الإيرانية من الداخل، بالاعتماد على مرتزقتها من المعارضة المحليين المرتبطين بشركائهم في إقليم كردستان- العراق لإثارة الشغب والإخلال بالأمن الداخلي، وزعزعة الاستقرار وجرّ البلاد نحو الفوضى تحت ذريعة واهية اعتمدت على حادثة وفاة الشابة مهسا أميني نتيجة مرضها ووضعها الصحي الخاص والمعقد، الأمر الذي أثبتته التحقيقات الرسمية ودعمته شرائط الفيديو التي توضح لحظة سقوط الشابة ومصرعها وسط صديقاتها، وبأنه لا أساس للحديث عن تعرضها للضرب على رأسها من قبل رجال الشرطة في أثناء توقيفها، لمخالفتها القانون الرسمي الذي يكفله ويحميه دستور البلاد بشكلٍ شرعي مطلق.
تستمر العقوبات والتصريحات الغربية الحاقدة والمبنية على نفاق كلي وأضاليل مكشوفة، لكن الغرب يريد تصديق نفسه ليسوّق مبررات حملته وعقوباته على إيران، ويبقى من المثير للسخرية أن يدّعي الغرب مخالفة إيران للقوانين الدولية، ويفرض عليها عقوبات لا قانونية، وتبدو أقرب إلى قانون العصابات، إذ تسارع كندا إلى إطلاق عقوباتها على وسائل الإعلام وعدد من الصحفيين في إيران، فالغرب لا يريد لوسائل الإعلام الإيرانية الرسمية والمستقلة نقل حقيقة الجماعات الإرهابية والانفصالية، ومدى ارتباطها بالخارج، والإبقاء على قنوات التضليل الإعلامي بهدف تمدده وتأثيره ليطال المجتمع الإيراني كافة، للانقلاب على الدولة الإيرانية وقيادتها، وتحويل البلاد إلى ساحة مواجهة، وأرض للحرب الأهلية تحت عنوان "الحرية" و"حقوق الإنسان" التي لم يحترمها الغرب يوماً وسط مشاهد القمع والعنف الرسمي - الحكومي في فرنسا وألمانيا وبريطانيا بحق المواطنين الذين خرجوا للتظاهر والمطالبة بوقف دعم حكوماتهم للمتطرفين والانفصاليين الأوكرانيين، وللخروج من "الناتو" والاتحاد الأوروبي، ووقف الحرب على روسيا واحترام حقوقهم في الحياة والعمل والغذاء والدواء والدفء في الشتاء القادم على عجل، وأنهم لا يبحثون كحكوماتهم عن تدمير روسيا ووقف إمداداتها من الغاز وباقتراب "الناتو" من حدودها.