على هامش جلسة الانتخاب
ناصر قنديل
ــ لم تقل النتائج التي حملها التصويت النيابي في جلسة أمس أكثر من أن زمن الاستعصاء الرئاسي لا يزال طويلاً، طالما ان الجميع يؤكد بأن المطلوب لعقد جلسة تنتهي برئيس، هو تفاهم 86 نائباً على تأمين النصاب، ولو اكتفى 65 منهم على الأقل بانتخابه، مع أخذ العلم بأن أحداً لا ينوي تأمين النصاب دون الموافقة أو عدم الممانعة على الأقل تجاه فوز الرئيس الذي ستسفر عنه الجلسة. وكل ترشيح لا ينطلق من هذه المعادلة ويريد أصحابه توصيفه بخطوة في الاتجاه الصحيح هو مجرد كذب سياسي، يعلم أصحابه أنه محاولة لملء الوقت الضائع قبل ولادة التفاهم القادر على إيصال رئيس، لأن الترشيح يمنح أصحابه فرص المناورة، والاحتماء من المطالبة بالسعي للتوافق على اسم رئيس بمزاعم، ها هو مرشحنا فهاتوا مرشحكم، وبميزان الإنصاف تبقى الورقة البيضاء أكثر صدقاً من تسمية مرشح كتعبير عن الإيمان بأن المطلوب هو التوافق المعلوم السقف، وتقول الورقة البيضاء إن هذا التوافق لا يزال غير متوافر، بينما التسمية إيحاء مفتعل بمكابرة إنكار الأزمة، وزعم مفتعل بالتقدم نحو حل.
ــ قدم النائب ميشال معوض فلسفة أخرى غير فلسفة عرابه جورج عدوان الذي قدّم مرافعة الترشيح خطوة في الاتجاه الصحيح، للدعوة للتجمع حول اسمه، موجهاً دعوته لمن أسماهم نواب المعارضة، في سيناريو افتراضي يقول بأن تأمين 67 صوتاً لصالحه، هي أصوات النواب الذين يسميهم أصوات المعارضة، سيتيح التفاوض من موقع قوة، وتحقيق توازن تفاوضي، مع من أسماهم نواب الممانعة، وأقل ما يقال في هذا السيناريو أنه وهمي، لأنه يتجاهل أولاً حقيقة أن النواب الـ67 هم عملياً 29 مع معوض كحاصل جمع نواب القوات ونواب يلوذون في فلك سياسي عدائي للمقاومة، و9 ينتظرون كلمة سر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، التي تنتظر التوافق على غير اسم معوض وفقاً للتوصيف الذي قدمه جنبلاط لموقف الرئيس العتيد من سلاح المقاومة، و4 للكتائب الذين يريدون ان يكونوا مفاوضا مستقلا على الاسم التوافقي، وحتى تاريخه يمنحون تصويتهم لمعوض، و12 نائباً يمثلون كتلة الاعتدال يسعون ليكونوا جزءاً من توافق على غير ترشيح معوض، ومثلهم تجمع النواب الـ 13 الذين يسعون لحجز موقع خاص بهم في التفاوض طلباً للرئيس التوافقي، هذا أولاً وثانياً لو تحقق لمعوض أو لأي مرشح مدعوم من قوى 8 آذار مع التيار الوطني الحر 80 صوتاً فإن كلفة تأمين حضور ستة نواب لتأمين النصاب تعادل كلفة تأمين الفارق المطلوب عن الـ 65 لمرشح حائز على 40 صوتاً، لأن من يملك قدرة تعطيل النصاب يمثل ضرورة لفوز الرئيس بالأهمية ذاتها لمن يملك قدرة توفير الأغلبية اللازمة للفوز. والكلفة واحدة وهي الشراكة في اسم الرئيس المفترض، وطرح الاسم قبل التوافق تعقيد إضافي لهذا التوافق، كما تقول تجربة النواب الذين يدعوهم معوض وعرابه النائب جورج عدوان للالتحاق بتسمية مسبقة، فكيف ستنجح عندما يتصل الأمر بالخصوم، وهي تظهر سلفاً ان هناك فريقاً منتصراً وفريقاً مهزوماً، فتنفي صفة التوافق وتسقطها بالضربة القاضية، وهل يمكن للتسمية في هذه الحالة ان تمثل اكثر من ملء الفراغ بالاسم المناسب حتى يحين أوان التوافق؟
ــ حديث معوض عن تاريخ الرئاسات ودعوته للتشبه بانتخاب الرئيسين الراحلين فؤاد شهاب ورينيه معوض، كتعبير عن الدعوة للبننة الاستحقاق تنم عن جهل بالتاريخ، وضعف في الثقافة السياسية، فمن يعرفون تاريخ الرئاسات في لبنان، يعرفون أن الرئاسات التوافقية عموماً كانت الأقل لبنانية، وأن التي تأتي منها بعد حروب ذات أبعاد إقليمية دولية وإقليمية، كما كان الحال مع انتخاب كل من الرئيسين شهاب ومعوض، تكون أقل التوافقات الرئاسية لبنانية، وأن أكثر رئاستين لبنانية كانت انتخابات الرئيس الراحل سليمان فرنجية والرئيس الحالي ميشال عون، ومن يعلم بتفاصيل انتخاب كل من الرئيسين الراحلين شهاب ومعوّض يعرف أن الأول حُسم اسمه بين الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والأميركيين، وأن الرئيس رينيه معوض حُسم اسمه باتفاق الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد مع الأميركيين، وقد جاءا كاسمين توافقيين بعد حربين كبيرتين، كانت الدول الكبرى الغربية والاقليمية معنية بالتوافق بقدر تورطها في الحروب التي تجاوزت أكلافها أهدافها، وكانت راعية لتوافق اللبنانيين التواقين للخروج من الحروب. وهذا لا يعني أي انتقاص من ما يمثله كل من الرئيسين الراحلين من قيم ومبادئ وما يختزنه كل منهما من وطنية.
ــ حديث عدوان عن اعتبار الورقة البيضاء علامة عجز وتضعضع والترشيح علامة قوة ووضوح وجدية، واعتبار تطيير النصاب علامة عدم مسؤولية والبقاء في القاعة طلباً لجولة لاحقة علامة الاستعداد للممارسة الديمقراطية، فيه كثير من التلاعب، فعدوان أول العارفين بأن الانقسام سمة عامة للواقع النيابي حول الخيارات الرئاسية، وطالما أن المطلوب توافق 86 نائباً على خيار رئاسي يقبل 65 على الأقل بمنحه أصواتهم ولا يمانع الباقون تأمين النصاب لانتخابه، يصبح كل تحرك بتسمية أو بدونها وبالبقاء في القاعة طلباً لتكرار الانتخاب أو بالخروج من القاعة تعطيلاً للنصاب مناورة سياسية لتثيبت الموقع التفاوضي اللاحق الذي بدونه لا نصاب ولا انتخاب. ويعلم عدوان أنه عندما يتأمن 65 صوتاً لصالح مرشح مشترك لقوى 8 آذار والتيار الوطني الحر سيلجأ مع فريقه الى تعطيل النصاب، حتى تتحقق لهم أو لمن يكفي منهم لبلوغ الـ86 صوتاً التي تحقق النصاب شروط الشراكة المقبولة، وأنه إذا كان يأخذ على قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر عدم اتفاقهم على تسمية. فالجواب واضح وهو أن لا قيمة لأي تسمية لن تضمن تأمين الـ 86 نائباً للنصاب و65 صوتاً على الأقل للانتخاب، ثم هل حال الذين قاموا بالتسمية أفضل، أليست الانقسامات حول ترشيح معوّض بائنة، بين كتلة تؤيده ولو بلغت 44 صوتاً، وكتلتين موازيتين ترفضان تسميته رغم دعوات عدوان المتكررة، وتمثلان الحلفاء المفترضين لعدوان ومعوض، ويسميانها كتل الأغلبية المعارضة منذ نتائج الانتخابات، ولا يكاد يمر استحقاق انتخابي في المجلس الا ويكذّب وجودها، بينما يؤكد قدرة الكتلة المقابلة التي يأخذ عليها عدوان تفرقها ويتحدث عن تضعضعها، على التماسك والفوز بمواقع عبر الانتخابات، حيث يخسر مرشحو عدوان وتحالفاته، من رئاسة مجلس النواب الى نيابة الرئاسة وأمانة السر، وقد تكررت مجدداً، وكانت اللجان النيابية آخر المشاهد؟
ــ ما قالته الجلسة النيابية إننا لم نبلغ بعد لحظة قريبة من إنتاج رئيس، وأولى الإشارات الجدية للاقتراب ستكون بدء النقاش الجدّي بين أكثر من 25 نائباً يمثلون اللقاء الديمقراطي والمستقلين من جهة مع 61 نائباً يمثلون نواب قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر من جهة مقابلة، للتوصّل إلى تفاهم، يصبح عندها منطقياً القول بالسعي لتسويقه لدى الآخرين، ومنهم التحالف الذي يمثله معوّض وعدوان.