كربلاء الحسين تحتضن العالم
عادل الجبوري
لا شك ان هذا هو التوصيف الاكثر دقة وقربا الى الواقع لزيارة اربعين الامام الحسين عليه السلام المليونية. فالاعداد كانت هائلة بكل معنى الكلمة، ولم تأت من داخل العراق فحسب، ولا من البلدان المجاورة والقريبة للعراق فقط، بل انها جاءت من كل بقاع واصقاع العالم واطرافه المترامية. ولم تقتصر مشاركة تلك الملايين القادمة من كل حدب وصوب على اداء الزيارة فحسب، بل انها شاركت في مواكب الخدمة التي تقدم الطعام والشراب والدواء والسكن، وفي حملات النقل والتنظيف والتثقيف. وبالتالي فأنها رسمت صورة او صورا انسانية ناصعة ومشرقة عن حقيقة وجوهر ومعنى الثورة الحسينية الخالدة وما حفلت به من ماثر وتضحيات قل نظيرها على امتداد تأريخ البشرية السابق للثورة واللاحق لها.
ارقام لها دلالات
ولعله لايمكن المرور بصورة عابرة على الارقام اللافتة والمبهرة لمختلف جوانب زيارة الاربعين، منذ انطلاقتها في الاول من شهر صفر، وحتى الساعات الاخيرة والدقائق الاخيرة ليوم الاربعين، حيث تتحول كربلاء المقدسة بكل شوارعها وازقتها وحارتها الى لوحة بشرية واسعة الافاق والابعاد.
وبينما ذكرت العتبة الحسينية المقدسة والقيادة العامة للقوات المسلحة، انه بحسب احصائياتهما، بلغ عدد زوار الاربعينية هذا العام حوالي عشرين مليون شخص، اكدت مصادر اخرى غير رسمية، ان عددهم ناهز الخمسة وعشرين مليون شخص من داخل العراق وخارجه.
في ذات الوقت، كشف المتحدث بأسم هيئة المنافذ الحدودية علاء الدين القيسي، "إن المنافذ الحدودية ومنذ الاول من شهر محرم وحتى التاسع عشر من شهر صفر، سجلت دخول 3,085,642 زائرا الى العراق"، علما انه وللمرة الاولى تفتح المنافذ الحدودية ضمن الحدود الادارية لاقليم كردستان بشمال العراق، وكذلك منفذ عرعر الحدودي مع المملكة العربية السعودية ابوابها لدخول الزائرين.
ويضاف الى الاعداد المشار اليها، ما يقدر بمليوني شخص او اكثر، قدموا الى البلاد من حوالي ثمانين دولة من العالم العربي واسيا وافرقيا واوروبا واميركا واستراليا، عبر مطارات النجف الاشرف وبغداد والبصرة.
وفيما يتعلق بعدد المواكب المشاركة بتقديم الخدمات للزائرين، فقد اكدت جهات رسمية، انها بلغت 14500 موكب، منها 300 موكب من دول عربية وأجنبية، وبالطبع، ان هذه الاعداد تشمل فقط مواكب الخدمة في كربلاء والمناطق المحيطة بها والتابعة اليها. اما بخصوص عموم العراق فأنه لاتوجد احصائية دقيقة لعدد مواكب الخدمة الحسينية، الا ان التقديرات تذهب الى ان اعدادها ربما تتجاوز ربع مليون موكب، متوزعة على امتداد مئات او الاف الكيلومترات بين مختلف محافظات ومدن جنوب ووسط وشرق شمال وغرب البلاد،
الامين العام للعتبة العباسية المقدسة السيد مصطفى مرتضى ضياد الدين، من جانبه كشف بالارقام عن حجم الخدمات المقدمة للزائرين من قبل العتبة العباسية فقط، خلال زيارة الاربعين، قائلا انه تم تقديم 4,481,377 وجبة طعام للزوار في داخل كربلاء والمحاور المؤدية إليها، واستقطاب 116384 متطوعا لتقديم مختلف الخدمات، ومشاركة اكثر من 800 آلية مختلفة لنقل الزائرين، اضافة الى العشرات من سيارات الاسعاف والمفارز الطبية الجوالة المعززة بالكوادر والتجهيزات العلاجية المختلفة، فضلا عن نشر مئات المحطات الثقافية والدينية ومحطات ارشاد التائهين بمختلف الطرق الخارجية والداخلية المؤدية الى حرم الامامين الحسين والعباس عليهما السلام.
ولاشك ان مثل هذه الارقام على اهميتها، فهي تعكس جزءا من صورة العطاء والبذل الكبيرين، وحسن التنظيم والاهتمام والحرص على انجاح الزيارة المليونية.
واشرت مجمل الوقائع والمعطيات نجاح زيارة الاربعين من مختلف الجوانب والابعاد الخدمية اللوجيستية والامنية المختلفة، وهذا ماتحدثت به واكدته عدد من الجهات الحكومية والرسمية المعنية، مثل وزارت الدفاع والداخلية والكهرباء والنقل والنفط والصحة، وقيادة العمليات المشتركة، وهيئة الحشد الشعبي، وديوان الوقف الشيعي، ومديرية الدفاع المدني، ومحافظة كربلاء، ومحافظة النجف الاشرف، وغيرها .
وفي معرض اعلانه نجاح زيارة الاربعينية، عبر رئيس حكومة تصريف الاعمال مصطفى الكاظمي عن شكره وتقديره لجهود القوات الامنية والحكومات المحلية والمواكب الحسينية والوزارات المعنية لدورهم الكبير في توفير وتامين ظروف ومتطلبات انجاح الزيارة، في ذات الوقت الذي دعا الى مواصلة الجهود حتى تأمين عودة الزائرين الى مدنهم وبلدانهم بسلاسة وامان.
وقال الكاظمي في بيان له بهذا الشأن، "لقد احيا العراقيون وضيوفهم الاكارم ذكرى اربعينية الامام الحسين عليه السلام واهل بيته واصحابه، وقد ارسل العراقيون رسالة معاني الصبر والفداء والتضحية في اروع صورها، وقدموا للعالم دروسا في كرم الضيافة والشجاعة".
رسائل عميقة ومعبرة
ولعل مسيرة وزيارة الاربعين انطوت في كل الظروف والاحوال على رسائل سياسية واجتماعية عميقة ومعبرة عن هموم وافكار وافاق وتطلعات المجتمعات الاسلامية وحتى غير الاسلامية.
وقد مثلت المقولة الشائعة (لو قطعوا أرجلنا واليدين نأتيك زحفًا سيدي يا حسين) مصداقًا لقوة الارادة وثبات الموقف وصلابة العقيدة لدى زوار الامام الحسين عليه السلام، الذين كانوا يقطعون عشرات ومئات الكيلومترات في ظل أوضاع سياسية وأمنية خطيرة للغاية، ناهيك عن الظروف المناخية الصعبة في كثير من الأحيان.
ومثلما انتصر الدم على السيف قبل أربعة عشر قرنا، فإن مصاديق ذلك الانتصار تتجلى في كل زمان ومكان انطلاقا من حقيقة (كل يوم عاشوراء وكل ارض كربلاء)، ما دامت ملايين الناس تتبنى منهج الحسين(ع) وفكره وأخلاقه ومبادئه، وتسير على هديه وخطاه، وهذه رسالة مهمة وعميقة اخرى من رسائل الثورة الحسينية واربعينية الزيارة .
وما ينبغي التأكيد عليه هو ان الزيارة الاربعينية لايمكن اختزالها بالجانب الديني العاطفي فقط، فهي فضلا عن ذلك، تعتبر منبرا حرا للتأكيد على الثوابت والمباديء والقيم الصحيحة. وهذا ما اكدته واطلقته الحشود المليونية الهائلة، التي راحت تتزايد وتتسع عاما بعد اخر.