kayhan.ir

رمز الخبر: 156119
تأريخ النشر : 2022August29 - 21:02

فرادة إيران النوويّة.. وديبلوماسيّة صناعة القرار «السجاديّة»!

 

محمد صادق الحسينيّ

توقع إيران او لا توقع، لم يعُد هو الخبر، فأيّ حدث من هذا النوع سيكون مؤقتاً ومصيره قابلاً للإبطال من أحد الطرفين بعدما أدلى كلّ بدلوه حتى النهاية…

‏الخبر، الحدث، الأهمّ، هو أنّ إيران تجاوزت كلّ مخاطر التجربة النووية وباتت صاحبة دورة نووية كاملة ودولة نووية بامتياز وستبقى كذلك مهما حصل، وبإمكانها أن تصنع القنبلة النووية في غضون وقت قصير جداً إنْ أرادت.

هذا هو الخبر.

والذين يطالبونها اليوم ويُلحّون عليها بالتوقيع او الامتناع عن التوقيع أو صناعة القنبلة، أو عدمها لا يعرفونها جيداً…

فما يجب أن نعرفه عن إيران هو: انها ليست العراق ولا ليبيا، ‏حيث يقرّر الحاكم فيها أن تصبح نووية فتصبح كذلك وفي وقت آخر يقرّر أن يتخلى عن ذلك فتصبح لا نووية!

‏وهي أيضاً ليست باكستان ذو الفقار علي بوتو، يقتنص فرصة دوليّة ليتفق مع أوروبا لتصنيع قنبلة نووية محكومة بصراع قوميّ مع الهند.

‏ولا كوريا الشعبية الديمقراطية، الدرع المتقدّمة للاتحاد السوفياتي والصين الشعبية ضدّ المعسكر الإمبريالي.

‏علينا أن نتذكر انّ مؤسّس هذه الدولة الفتية منذ نحو ٤٣ عاماً وإمامها العظيم قال قولته الشهيرة يومها في لحظة الاستفتاء على نوع النظام: «نريد جمهورية إسلامية لا كلمة زائدة ولا كلمة ناقصة».

أيّ نريد نظاماً جمهورياً عصرياً يستند الى رأي الجمهور ومشاركة الجمهور وممارسة الجمهور، وديناميكيّة حضور الجمهور «بعجره وبجره» يجرب ويجرب حتى ينصهر ويشذب ويهذب نفسه بالعمل السياسي حتى يتمكن من الدفاع عن جمهوريّته بقوته الذاتيّة متى ما تطلب الأمر…

ولكن لا بدّ من ترموميتر عالي المواصفات مرتبط بما هو أقوى وأشدّ تماسكاً وأكثر صلابة من المألوف في الجمهوريات، تربطه علاقة غيبية ـ واقعية بفوق كلّ ذي علم عليم، ليراقب ويعمل ناظراً عاماً حاضراً للتدخل في اللحظة الحاسمة ليس فقط لمنع وقوع الخطر على الجمهورية، بل ولمنع تآكل الجمهورية من الداخل، ألا وهو القائد العام للثورة الإسلامية أيّ الولي الفقيه.

أي نظام دولة يطير بجناحين جناح الجمهور وجناح الفقيه.

يوم استأذن وزير خارجية الدولة علي أكبر صالحي الإمام الخامنئي ليذهب الى مسقط ليلتقي موفداً أميركياً ليفاوضه سراً على النووي، كان رئيس الجمهورية أحمدي نجاد معارضاً، وكان رئيس مجلس الأمن القومي سعيد جليلي معارضاً أيضاً…

لكن ذلك حصل بإذن الحاكم الشرعي والدستوري بشروط واضحة وصارمة، وتفاعلت الأمور حتى وصلنا الى اتفاق ٢٠١٥ المعروف بالاتفاق النووي محلّ الجدل الآن…

كانت هذه ليست المرة الأولى التي يجرب فيها ممثلو الجمهور حظهم في ادارة الملف النووي…

قبلها جرّبوا كثيراً، نجح منهم من نجح وفشل منهم من فشل وكانت المستويات متعددة، ومتفاوتة، وكلها كانت تتحرّك بين خطين أحمرين، أحدهما مرتبط بالشرع الإسلامي والذي تتحكم به الفتوى، والآخر بالقانون الحكومي الذي تتحكم به تشريعات مجلس الشورى.

وهذه الخطوط الحمر لا يستطيع أحد، أيّ أحد، بمن فيهم رأس النظام أيّ الإمام الخروج عليها اعتباطاً..

وإدارة هذه الخطوط تجري بدقة متناهية تشبه دقة عُقَد السجادة العجمية البديعة والتي قد تتطلب ستة أعوام أو أكثر لتتبيّن جماليتها ودرجة استحكامها.

في إحدى المرات دخل على الخط عشرة نواب قدّموا يومها مشروعاً معجلاً لرئاسة مجلس الشورى يقضي بمنع التسلّح النووي، فجاءت المشورة من مكان ما ليسحبوا المشروع سريعاً…

والحجة يومها لماذا تشرّعون قانوناً تلزمون به الحكومة والولي الفقيه وأنتم لستم المعنيين به في ظلّ وجود الفتوى المعنيّة هي بالتحكم في مساره هذا بالتحديد!

في كلّ مراحل الصعود والهبوط التي مرّت على الملف النووي الإيراني، كان هذان الخطان الشرعي والقانوني، هما الراعيان لعمل ونشاط آلاف العلماء ومئات المراكز والتجارب العلمية، دون أن تصطدم إرادة أيّ منهما بالآخر حتى صارت إيران ما هي عليه الآن.

فما هو للجمهور يجب أن يأخذ مداه وأقصى مداه، وما هو للفقيه سيأخذ مداه والشرع المقدّس هو من يحدّد متى وأين يأخذ مداه.

ولما كان الإمام الخامنئي هو القائد للثورة والجمهورية معاً باعتباره المقام الأول قانونياً ودستورياً، وهو الولي الفقيه أيّ المشرّع الأول في البلاد، حتى بين المراجع الدينية العليا .

ولما أخذ الجمهور بممثليه الحكوميين والبرلمانيين دوره بالكامل في الموضوع،

بقي من حقّ القائد فقط لا غير أن يستنبط هو ومَن يعمل معه من لجان ومستشارين ومؤسّسات تتبع موقع القيادة الدستوري والشرعي، ليقرّر بناء على تجربته الغنية بالحكم وبالشرع أن توقع إيران وعلى ماذا توقع، وأن يبقي على الفتوى التي تمنع صناعة القنبلة، أو يجد لها مخرجاً من باب: «عند الضرورات تباح المحظورات».

 ومَن يعرف طبيعة عمل الإمام الخامنئي يعرف كيف انّ الرجل ظلّ حريصاً جداً طوال فترة قيادته، أن يأخذ كلّ جانب من الدستور مداه الأقصى دون تداخل أحدهما على حساب الآخر، حتى من جانبه هو شخصياً.

 ولا ينبئُك مثل خبير.

بعدنا طيبين قولوا الله…