kayhan.ir

رمز الخبر: 155914
تأريخ النشر : 2022August26 - 20:21

كيف حول حزب الله تهديد لبنان إلى فرصة لا تعوض؟

شارل ابي نادر

بالأمس، قالت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية "إننا اقتربنا كثيراً من اتفاق مع لبنان، بعد قبول "إسرائيل" أن يكون حقل قانا كاملاً للبنان، في مقابل (حصولها على) حقل كاريش كاملاً".

وفي نفس الاطار، تناول الوزير الإسرائيلي السابق حاييم رامون، التصريحات الأخيرة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، بشأن موضوع الترسيم والاتفاق، قائلاً: "إن نصر الله يعمل من دوافع لبنانية صرفة، وكل من هو مسؤول، عليه أن يستعدّ ويأخذ تهديداته بجدية. لكن، في نهاية الأمر، سيكون هناك اتفاق، ولن تكون هناك مواجهة".

في الواقع، ليس بالضرورة أن نأخذ الكلام الإسرائيلي، الإعلامي أو السياسي، على أنه صادق بشكل كامل، ولا يجب أن نعتبرهم أصحاب مصداقية، فهم طالما كانوا يناورون ويخادعون، وقد يكونون من الأنجح في الحرب النفسية والدعاية الخبيثة، ولكن، كل المعطيات التي تحيط بكلامهم اليوم تشير إلى أنهم في هذا الإطار، قد قاربوا الواقع الى حد كبير، وتوصلوا الى قناعة مفادها: لن ينفع الضغط والتهديد مع لبنان، ومصلحتنا السير في ما تطلبه الحكومة اللبنانية، والاعتراف بأن حزب الله استطاع أن يفرض علينا هذه المعادلة.

فكيف يمكن تفسير ذلك؟ وكيف استطاع لبنان، عبر حزب الله، أن يفرض هذا الموقف؟

عمليًا، هناك ثلاثة اتجاهات أو مسارات، ساعدت لبنان بأن يقف هذا الموقف القوي في ملف الترسيم البحري مع "اسرائيل"، والذي، صحيح أنه لم يتبلور (الموقف) اتفاقًا غير مباشر أو تسوية حتى الآن، ولكن هذا الأمر على الطريق النهائي كما يبدو، وهذه المسارات الثلاثة هي :

مسار القوة التي ميزت الموقف اللبناني، والتي يمكن تقسيمها إلى قسمين:

1- البعد القانوني، فكل ما يطالب به لبنان هو صحيح وقانوني، من الناحية التقنية حيث حساب حدود المياه الاقتصادية الخالصة يقضي بذلك وبأكثر من ذلك، إذ ان لبنان طالب بالحد الأدنى، وذلك لاعتبارات متعلقة بحاجته الماسة لتسوية تؤمن له، حاليا، الحد الأدنى الذي يقيه خطر الانهيار المالي والاقتصادي.

٢- البعد العسكري، وهنا نذهب باتجاه دور القدرات الردعية التي يملكها حزب الله، والتي جعلت الموقف اللبناني محصنًا ومستندًا الى أسلحة نوعية. وهذا البعد الردعي، استطاع حزب الله اثباته بطريقة ذكية وحساسة، بشكل أظهر قدراته وامكانياته، دون الجنوح نحو استعمالها، ببقائه محاذرًا الخط الخطر الذي يفجر الوضع.

وهذا الإثبات، (اثبات القدرات والامكانيات) توصل إليه حزب الله في مرحلتين ذاتي طابع عسكري تقني:

أولًا، في نجاحه بارسال ثلاث مسيرات غير مذخرة إلى عمق بقعة عمل منصة استخراج الغاز في كاريش، رغم المنظومة الدفاعية المعقدة التي كان قد نشرها الاسرائيلي بدعم تقني عسكري من الأميركي، والتي كانت تهدف (المنظومة المذكورة) إلى منع حزب الله من تحقيق هذا الهدف المعنوي، وهو اثبات القدرة على التعامل مع بقعة كاريش متى أراد (حزب الله).

ثانيًا: نشر صور السفن الثلاث العاملة في بقعة عمل كاريش والتي مهمتها إدارة عملية الاستخراج، وذلك بعد حصرها بطريقة تقنية عسكرية على شبيكة قاعدة اطلاق الصواريخ النوعية ساحل بحر، الأمر الذي يؤكد للجميع أن هذه الأهداف هي حكمًا بمرمى هذه الصواريخ التي تم استعمال منظار وشبيكة قاعدة اطلاقها.

ثانيًا: مسار العجز الاسرائيلي، وهذا الأمر موجود ومثبت لدى العدو، ويعتبر تحصيلًا حاصلًا من دون هذا الاشتباك اليوم حول ترسيم الحدود البحرية، إذ ان تأثيرات معادلة الردع وقواعد الاشتباك التي استطاع حزب الله فرضها على "اسرائيل"، تحققت منذ فترة بعيدة، ولو لم تكن قد تحققت سابقا، كان العدو عمد الى تنفيذ أكثر من اعتداء على لبنان وعلى حزب الله، وحيث إنه حاول وخلال مسار طويل، وخاصة في معاركه بين الحروب في سوريا، منع تنامي قدرات الردع لدى حزب الله، وفشل في ذلك، واكتمل فشله أكثر، عندما توصل حزب الله إلى تثبيت قدرة تصنيع صواريخ دقيقة دون الحاجة إلى نقلها من أمكنة بعيدة.

وفي هذا الإطار، تبقى تهديدات العدو اليوم للبنان ولحزب الله، والتي يخرج بها مسؤولوه من وقت لآخر، غير ذات معنى أو مضمون جدي، ولا تتجاوز ذر الرماد في العيون لحاجات اعلامية سياسية داخلية.

 وأخيرًا، يبقى المسار الثالث، والمتعلق بالوضع الدولي المتأزم حول الحاجة الماسة لبديل عن الغاز الروسي للغرب، من غاز شرق المتوسط، ضمنًا لبنان وفلسطين المحتلة، والذي ساهم مع مساري: القوة لدى لبنان وحزب الله والعجز لدى العدو، في نجاح لبنان وعبر حزب الله، بتحويل الضغوط والتهديدات الى فرصة الحصول على قسم كاف من الثروة البحرية، يحتاجها لبنان بقوة، وقد تكون فرصته الأخيرة والوحيدة لنجاته من براثن الانهيار المالي والاقتصادي.