kayhan.ir

رمز الخبر: 155701
تأريخ النشر : 2022August22 - 20:26

إردوغان والأسد... هل يلتقيان في بودروم؟

 

حسني محلي

يسعى إردوغان إلى إفشال مساعي المعارضة لتضييق الحصار عليه في موضوع اللاجئين السوريين، ويعرف الجميع أنه سيستمر في استخدامهم كورقة مساومة أولاً حتى موعد الانتخابات المقبلة.

في الوقت الذي كان فيه الجميع في الداخل والخارج يناقشون تصريحات وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو المتناقضة بشأن احتمالات المصالحة مع دمشق، فاجأنا الرئيس إردوغان باتصاله برئيس وزراء "إسرائيل"، ليتفق وإياه على "تبادل السفراء والقناصل وتحقيق نقلة نوعية في العلاقة بين البلدين، من أجل أمن المنطقة واستقرارها وسلامها"، وذلك مع الكيان الصهيوني المحتل الذي يقتل الفلسطينيين كل يوم.

وجاءت مفاجأة إردوغان الثانية بعد لقائه زيلنسكي في مدينة لفوف (لفيف) غرب أوكرانيا، حيث تحدث عن احتمالات الحوار مع دمشق، وقال: "نعتقد أنه يجب أن تكون هناك خطوات متقدّمة أكثر بمستويات مختلفة. ولا يمكننا ترك الحوار السياسي والدبلوماسية خارج المعادلة"، مناشداً دمشق "كي تفهم جيداً أنه ليس لتركيا أي أطماع في الأراضي السورية"، ومن دون أن ينسى "اتهام النظام بالتهرّب من الحل السياسي، وإصراره على الحل العسكري للأزمة السورية".

وأما جملته الأخيرة التي قال فيها: "أنا لا يهمني أن أنتصر على الأسد وأهزمه"، فقد أثارت ردود فعل واسعة في أوساط المعارضة التركية وشبكات التواصل الاجتماعي التي نشرت العشرات من خطابات إردوغان السابقة التي كان يقول فيها بعناد وعصبية تامّين "إن تركيا تدخلت في سوريا لإطاحة الأسد الظالم الذي يقتل شعبه ويدمر بلاده"."

هذه التناقضات يبدو واضحاً أنها ستتكرر، لأنها ذكرتني بالمقالات السابقة التي كتبتها خلال الأشهر الماضية عن السياسات الإردوغانية في تركيا، وتحدثت فيها عن آفاق واحتمالات وحسابات السياسة الإردوغانية التي تحقّقَ البعض منها بعد مصالحة إردوغان مع الإمارات و"إسرائيل" والسعودية وقريباً مصر :

- إردوغان والأسد... خطوة إلى الأمام خطوتين إلى الوراء

- أيهما أخطر... سوريا برئاسة الأسد أم "إسرائيل"

- إردوغان 2022... البقاء في سوريا وليبيا والمصالحة مع "إسرائيل"

- الغرام التركي- الإسرائيلي من جديد... مَن هو العدو

- إردوغان والأسد... لا مصالحة إلا بعد العرب و"إسرائيل"

- الحكام العرب... خيارهم صعب بين إردوغان والأسد

- بين التفاؤل والتشاؤم... ماذا يريد إردوغان من الأسد

- إردوغان والأسد... لا مصالحة إلا بشروطه هو

ومن دون العودة إلى تفاصيل الدور التركي في سوريا منذ بداية الأزمة، وهو ما زال مستمراً، فقد كانت "إسرائيل" المستفيد الأكبر من تبعات هذا الدور ونتائجه، وهي ما زالت كذلك. ويفسّر ذلك اتصال الرئيس إردوغان بنظيره الإسرائيلي هرتسوغ، بعد ساعات من تصريحاته الأخيرة حول سوريا والأسد، وربما ليشرح له مشاريعه ومخططاته الإقليمية والدولية بعد لقائه الرئيس الأوكراني اليهودي زيلنسكي.

ويعرف الجميع أن سوريا كانت من دون أدنى شك ضمن أحاديث إردوغان مع هرتسوغ، كما كان ذلك مع لابيد، وصادفت حواراتهما مع إردوغان مقتل واعتقال الفلسطينيين يومياً على أيدي القوات الإسرائيلية، كما هي صادفت القصف الإسرائيلي المتكرر للمواقع السورية.

وعودة إلى تصريحاته عن احتمالات المصالحة مع الأسد، يبدو واضحاً أن إردوغان يسعى إلى إفشال مساعي المعارضة لتضييق الحصار عليه في موضوع اللاجئين السوريين، ويعرف الجميع أن إردوغان سيستمر في استخدامهم كورقة مساومة أولاً حتى موعد الانتخابات المقبلة، وثانياً حتى الحل النهائي للأزمة السورية وفق حساباته الخاصة، ولكن في إطار حواراته الإقليمية الجديدة، وبشكل خاص مع الإمارات والسعودية ومصر بل وإيران أيضاً.

وشكا إردوغان منها، أي إيران، في تصريحاته الأخيرة، متّهماً إياها بعدم التجاوب معه في موضوع سوريا خلافاً لما هو عليه الوضع مع الرئيس بوتين، على حدّ قوله. فإذا كان إردوغان يرى في اتصالاته المتكررة مع لابيد وهرتسوغ، وسبق لهما أن زارا تركيا، أكثر أهمية من المصالحة مع الرئيس الأسد الذي فتح له ولتركيا أبواب سوريا وعبرها دخل المنطقة الغربية، فلن يكون سهلاً عليه أبداً إلقاء (أن يخطو) أي خطوة عملية وصحيحة على طريق الحوار الإيجابي مع دمشق. وهو ما سيتطلب منه ضمان الرضى، وربما المباركة الإسرائيلية، عن مجمل تحركاته اللاحقة في المنطقة، كما كان عليه الوضع عندما منحته منظمات اللوبي اليهودي في أميركا بداية 2004 وسام الشجاعة السياسية لزيارته "إسرائيل" في الـ 02 من أيار/ مايو 2005، ولقائه المجرم شارون الذي استقبله في القدس ليقول له: "أهلا بك في عاصمة "إسرائيل" التاريخية والأبدية".

وفي جميع الحالات، وأياً كانت مبرّرات الرئيس إردوغان وحساباته في تصريحاته الخاصة باحتمالات المصالحة مع الرئيس الأسد، فالتناقضات تفرض نفسها، وإذا (وخاصة إذا) تذكرنا مصالحاته مع حكام الإمارات و"إسرائيل" والسعودية ومصر، لأنها في نهاية المطاف ما زالت في الخندق المعادي لسوريا ولو بدرجات متفاوتة.؟؟؟؟

ويعرف الجميع أن إردوغان لن يتردد في استغلال مواقف هؤلاء الحكام والاستفادة منها لتحقيق المزيد من المكاسب التي يريد لها أن تساعده للانتصار على أعدائه في الانتخابات المقبلة. وهو يعرف جيداً أن قضية اللاجئين ما زالت ورقة مهمة في مضايقات المعارضة له ما دام لا ولن يستطيع إعادتهم إلى بلادهم، وعلى الأقل حتى موعد الانتخابات، وستكون في أيار/ مايو المقبل.

ويعرف الجميع أيضاً أنه، أي إردوغان، لا ولن يتخلى عن جميع أوراقه في سوريا، لأنه يعرف أن ذلك لن يكون سهلاً أبداً، بسبب علاقاته المتشابكة والمتداخلة مع النصرة في إدلب وجوارها، والفصائل المنضوية تحت راية ما يسمّى الجيش الوطني السوري الذي تأسّس في أنقرة.

كما هو يعرف أن انسحابه من الشمال السوري والتخلّي عن أتباعه وأنصاره هناك لا ولن يكونا سهلين أبداً من دون الحصول لهم على ضمانات إقليمية ودولية في سوريا الجديدة التي يتحدث إردوغان بين الحين والحين عن صياغة دستورها الجديد، وإجراء الانتخابات الحرة والديمقراطية والنزيهة فيها بضمانات أممية.

ويتوقع إردوغان لهذه الضمانات أن تساعده على إيصال أتباعه إلى السلطة في دمشق، بتأييد اللاجئين وسكان الشمال وأقربائهم في الداخل السوري، وهو ما سيعني انتصاره على عدوّه الأسد، بعد أن فشل طيلة الـ 11 سنة الماضية في إسقاط نظامه، وهو ما اعترف به أكثر من مرة.

وفي جميع الحالات، الموضوع لا يحتاج إلى كل هذا العناء من التصريحات المتناقضة التي يعتقد إردوغان أنها ستساعده على كسب المزيد من الوقت في علاقاته مع الرئيس بوتين، وهو يعرف جيداً أن الجميع في الغرب ضدّه وضد الرئيس الأسد.

وما كان على إردوغان إن كان جاداً في أحاديثه الأخيرة إلا أن يدعو الأسد إلى زيارة مدينة بودروم السياحية، كما فعل ذلك في الـ 5 من آب/ أغسطس 2008 عندما كان الأسد عائداً من زيارة رسمية لإيران التي كانت وما زالت حليفاً استراتيجياً لسوريا، فيما تحوّل إردوغان بين ليلة وضحاها من صديق وأخ عزيز للأسد إلى عدو لدود له، ولمدة 11 عاماً، ومن دون أن يكون واضحاً ما هي محطته التالية في هذه المغامرات التي بدأها منذ أن أصبح رئيساً للوزراء في آذار/ مارس 2003، والمستقبل القريب فيه الكثير من المفاجآت، ولأن ما يهمّ إردوغان هو البقاء في السلطة، وهو مستعد لأن يفعل كل شيء من أجلها.