هيمنة خارجية ثلاثية الأبعاد على البحرين
فاطمة قاسم شمس
قبل نصف قرن كنّا نقول "الاستعمار البريطاني للبحرين"، وبعد 51 عامًا توارى مصطلح الاستعمار المباشر ليتحوّل إلى هيمنة مُبطّنة لكن ثلاثية الأبعاد "بريطانية وإسرائيلية بنفوذ أمريكي"، لنصل إلى نتيجة واحدة مفادها أن من أسّس الكيان الإسرائيلي هو بريطانيا، وأن الكيان المؤقت ربيب الاستعمار البريطاني ووريثه في النزعة التوسعية والهيمنة وشغف التسلط الأمني والاستخباراتي.
في 16 كانون الثاني/يناير 1968م، أعلنت بريطانيا بقرار منفرد نيّتها سحب قواتها العسكرية والدفاعية من شرقي السويس ومنطقة الخليج العربي في مدة أقصاها ثلاث سنوات ضمن خطة شاملة متعددة الاعتبارات منها سياسي واقتصادي وعسكري، ليتحقّق الانسحاب الميداني من جزيرة البحرين في 14 آب/أغسطس من العام 1971م.
آنذاك أثار الإعلان البريطاني عن الانسحاب من المنطقة سخط شيوخ الخليج الذين كانوا يعتاشون على نفوذ بريطانيا وقوتها العسكرية، ومنهم حاكم البحرين عيسى آل خليفة، لكن ثمة وراء الانسحاب الدفاعي هيمنة من نوع آخر كشف عنها رئيس الوزراء البريطاني السابق "إدوار هيث" من خلال مقولته إن "انسحاب قواتنا لا يعني أننا لم نعد نهتمّ بهذه المنطقة البالغة الحيوية.. إن ما فعلناه هو أننا جعلنا علاقتنا مع حكام الدول العربية أكثر عصرية".
وفعلاً، نجحت بريطانيا في فرض أجندتها ومخططها بانسحاب تكتيكي شكلي فقط لتبقى المصالح طاغية وقائمة إلى أبعد حدود الهيمنة والوصاية عبر فرض نفوذها داخل الجزيرة سعيًا وراء الاستفادة من ثروات البلد النفطية وموقعه الجغرافي الإستراتيجي.
زرعت بريطانيا أسطولها وقواعدها العسكرية في موانئ البحرين، من بينها أكبر وأهم قاعدة عسكرية بالقرب من شواطئ العاصمة المنامة، إذ تستخدم في دعم المدمرات والفرقاطات البريطانية في الخليج، قاعدةٌ دشنها عام 2018 م ولي عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة، نجل ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة الذي تحسّر يومًا على انسحاب البريطانيين من بلاده موجّهًا إليهم السؤال التالي: "من الذي طلب منكم الرحيل؟".
هذا المشهد الذي يصوّر حجم التمادي الرسمي لبيت الحكم في الارتهان للحليف البريطاني والتسليم والقبول والتبعية التي أظهرها له، هي السياسة نفسها التي اتبعها مع الكيان الإسرائيلي المؤقت منذ التطبيع.
أشكال الهيمنة الإسرائيلية على البحرين تجلّت ببيع النظام الحاكم جزءًا من السيادة إلى الكيان المؤقت الذي حجز له موضع قدم في الموانئ البحرية.
تحتضن البحرين أكبر قاعدة عسكرية اسرائيلية قد تكون مجهّزة بصواريخ باتريوت وأجهزة رادارات وتنصت وتجسس، وجزءًا آخر من السيادة رهن ما يحمله الكيان المؤقت من مصالح أميركية في المنطقة وتنفيذ مشاريعها، أمّا ما تبقى من الخريطة فهو خاضع للحليف البريطاني. وهنا تبدو الخريطة أكثر وضوحًا: ثلاث جهات تتقاسم النفوذ والمصالح في جزيرة أوال الصغيرة، بفعل سياسات النظام الحاكم الذي يتغذى من دعم وقوة الخارج ووصايته.