حملة اغتيالات ما قبل قبل كاريش
إيهاب زكي
رغم تلقيه أكثر من ألف صاروخ في ثلاثة أيام، يستطيع الكيان المؤقت ابداء نشوته بما يعتبره انتصاراً في غزة، ويستطيع يائير لابيد تكريس هذا في الصندوق الانتخابي، كما يستطيع الردّ على كل مستضعفيه داخلياً، بأنّه الرجل القوي والقائد الشجاع، وأيضاً يستطيع الاستثمار بما حدث بشكلٍ تراكمي، وليس مستبعداً أن يندفع تحت تأثير هذه النشوات المتلاحقة إلى ارتكاب الكثير من الجرائم، كما حدث في نابلس، من عملية اغتيالٍ لثلاثة مقاومين فلسطينيين.
وبخلاف لابيد فهناك بني غانتس وزير الحرب الصهيوني، الذي لا تخلو سلوكياته من طموحاتٍ سياسية، وكذلك رئيس الأركان الذي ستنتهي مدة خدمته قريباً، يريد المغادرة مع الأوسمة لا مع الهزائم، ناهيك عن حالة التشنج عموماً سياسياً وأمنياً وعسكرياً، التي يدخلها الكيان وقت الانتخابات، حيث تصبح الصناديق الانتخابية أكثر تعطشاً للدم.
إنّ سياسة الاغتيالات هي سياسة معتمدة لدى الكيان المؤقت، رغم الاختلافات حول نتائجها على المديين القريب والمتوسط، أيّ مهما كانت نتائجها متواضعة على المستوى العملياتي ومسار الصراع، أو حتى لو كانت نتائجها عكسية في بعض الأحيان، لكنها في كل الأحوال تصلح لتكون أوراقاً انتخابية، كما أنّها تشكّل حالة عدوانية يمارسها الكيان بحكم طبيعته.
وقد هدد وزير الحرب الصهيوني غانتس، القيادات الفلسطينية بالاغتيال خارج حدود فلسطين المحتلة، وهو ما قد يكون بمثابة ساعة صفر لبدء حملة اغتيالاتٍ جديدة، تطال ساحاتٍ خارجية مثل لبنان وسوريا وإيران، حيث ذكر غانتس هذه الدول بعينها، وتستهدف قيادات فلسطينية هناك.
وفي يوم العاشر أطل سماحة السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، وقال"إنّ أي جريمة ضد أيّ إنسان في لبنان لن تمر دون عقابٍ أو دون ردّ"، وهذا ما قد يجعل العمل على الأراضي اللبنانية أكثر مجازفةً من غيرها، ولكن ليس مستبعداً على عمى النشوة وسِعار الانتخابات، أن يكون دافعاً قوياً لارتكاب الجريمة.
قد يعتبر الصهاينة أنّ ما قصده السيد عن العقاب، هو عملية تستهدف مزارع شبعا مثلاً، أو أيّ عملية حدودية، وهذا في العرف الصهيوني أمرٌ محتمل، يستطيع الكيان احتماله ولو عبر التجاهل أو التخفيف الإعلامي، كما قد يعتبر الكيان أنّ هذا ليس قراراً يهتم له الكلّ اللبناني، كما القرار مثلاً بخصوص الثروات اللبنانية، حتى أنّ حماية الحزب لحماية الثروات اللبنانية، ليست محل إجماع لبناني، فكيف بالردّ على جريمة اغتيال لغير لبنانيين.
كما أنّ هناك سوابق حصلت في بلدانٍ مختلفة، كالإمارات أو بلغاريا مثلاً، ومرّ الأمر في الغرف الدبلوماسية مرور الكرام، حتى لو مع صخبٍ إعلامي كالشهيد محمود المبحوح، أو دونه مثل عمر النايف، وهذا ما قد يعتقده الكيان، بأنّ الرسمية اللبنانية ستكون أغلالاً في يد حزب الله.
ولكن باستثناء الساحة اللبنانية، التي ستُعتبر بمثابة مجازفة، على وقع تحذيرات السيد نصر الله، فإنّ الكيان قد فُتحت شهيته على الدم الفلسطيني، ومع ذلك فإنّ المجازفة الكبرى في الساحة اللبنانية، قد تُعتبر الجائزة الكبرى أيضاً، حيث أن تحدي حزب الله، يُعتبر"مستوى الوحش" في العقلية الصهيونية، أيّ أن من يستطيع ذلك من مسؤولي الكيان، سيصبح هو المخلص، فتكون غلّته الانتخابية ممتلئة.
أمّا الأمر الذي يتعدى كل تلك المصالح الانتخابية، ليلامس مصير الكيان برمته، فهو ما تحدث به السيد حسن نصر الله عن"الوصول لنهاية الخط، والاستعداد للوصول لنهاية الطريق"، حيث صراع الحدود البحرية والثروات، ولا يمكن للكيان المجازفة هنا قيد أنملة، فالمجازفة هنا أخطر من إدراجها في خانة النشوة بنتائج المعركة في غزة، وأشد خطورة من طموحاتٍ شخصية لقيادات الكيان، هنا مغامرة بالتاريخ والمستقبل والمصير، مغامرةٌ بمصير ستة ملايين مستوطن، يستوطنون فلسطين المحتلة.
لذلك لن يرتكب هذه المجازفة إلّا عدة حمقى، يجتمعون في مركز القرار دفعةً واحدة، فأحمقٌ واحدٌ لا يستطيع فعلها، حتى لو كان رئيساً للوزراء، وهذا ما يجعل من الأرجح، البحث عن سلمٍ للنزول، يجمع الحسنيين، حصول لبنان على حقوقه أولاً، وبطريقة لا يترتب عليها خسائر انتخابية ثانياً، وقد بدأت بالهروب إلى غزة، وقد لا تنتهي باغتيالات ما قبل قبل كاريش.