هل تنتهز أمريكا فرصة فيينا وتعود للإتفاق النووي؟
نجم الدين نجيب
"هناك عرض مطروح على الطاولة وينبغي (على الإيرانيين) قبوله.. سمعتم الرئيس (الامريكي جو بايدن) يقول لن ننتظر إلى الأبد كي تقبل إيران بالعرض.. لن أطلق توصيفا عليها وأقول "المسعى الأخير" لكن من الواضح أن الوقت على ما يبدو يضيق جدا فيما يتعلق بالقدرة على التوصل إلى اتفاق". هذا التصريح هو للمتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي، ادلى به يوم الخميس الماضي بعد إستئناف المفاوضات بين إيران ومجموعة 4+1 في فيينا، لرفع الحظر الامريكي عن ايران.
يبدو ان امريكا لا تنفك تكرر سياستها مع ايران، والمبنية على التهديد العسكري والحظر الاقتصادي، رغم ان تجربة العقود الاربعة الماضية اثبتت وبشكل لا لبس فيه فشل هذه السياسة فشلا ذريعا، فحربتا التهديد والحظر، قد ثُلمتا على صخرة صمود وصبر الشعب الايراني، الذي رفض التنازل عن حقوقه القانونية في استخدام الطاقة النووية للاغراض السلمية، التي تكفلها له القوانين الدولية.
تصريح كيربي يندرج في سياق تلك السياسية الامريكية الفاشلة، حيث يعتقد انه من خلال اطلاق مثل هذه التصريحات التي تحدد موعدا نهائيا لايران، وليس امامها ، الا ان تقبل بالعرض الموجود على الطاولة، وإلا فانها ستواجه "الغضب الامريكي".
اللافت ان الامريكي الذي يحاول الظهور بمظهر الحريص على الاتفاق ويعمل على تسويق ايران على انها الطرف الذي يعرقل العودة الى الاتفاق النووي، هو اصلا خرج من الاتفاق منذ عام 2018، واعاد فرض الحظر الاحادي الجانب وغير القانوني على ايران، ومارس مختلف الضغوط على باقي الاعضاء في الاتفاق للانسحاب منه، بينما واصلت ايران الالتزام بالاتفاق على مدى عام كامل، رغم ان الأعضاء الأوروبيين في الاتفاق لم يتقاعسوا عن الوفاء بالتزاماتهم بالاتفاق فحسب، بل وقفوا أيضا إلى جانب أمريكا في حظرها لايران، لذلك اضطرت ايران للرد على انسحاب امريكا باللجوء إلى تدابير تعويضية وفقا لبنود الاتفاق النووي، بما في ذلك البندين 26 و 36 دون ان تخرج منه.
لا يمكن لامريكا من خلال الضجيج الاعلامي ان تغطي على الغرض الرئيسي للمفاوضات الجارية في فيينا الان، وهو عودتها الى الاتفاق، وليست في وضع يأهلها ان تضع شروطا لإيران، التي تعتبر عضوا في الاتفاق، فاذا كان هناك من شروط يجب ان تُوضع، فهي الشروط التي تضعها ايران لعودة امريكا للاتفاق، وفي مقدمتها رفع الحظر الامريكي بشكل كامل عن الشعب الايراني ، وتقديم ضمانات بعدم تكرار سياسة ترامب الغبية مرة اخرى، والتراجع، والى الابد، عن جميع التهم والمزاعم الواهية عن البرنامج النووي الايراني. وعندها لن تكون امريكا بحاجة الى استخدام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، سياسيا ضد ايران، او اطلاق شائعات حول "تخلي إيران عن طلبها بإلغاء اسم الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الامريكية"، فسياسة الحظر أو تبني نهج إملائي ضد إيران لن يكون له أي تأثير مع ايران، بعد ان حظر المعتوه ترامب حتى الغذاء والدواء عن ايران.
اذا كانت امريكا جادة في عودتها الى الاتفاق النووي، عليها ان تنتهز الفرصة التي وفرتها ايران، وان تشارك في مفاوضات فيينا، بنضج ومسؤولية، وان تكف عن سياسة التهديد والحظر واختلاق قضايا مزيفة، لحرمان ايران من حقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وهو حق مكفول لجميع الاعضاء في معاهدة حظر الانتشار النووي، وإيران لديها أيضا هذا الحق كدولة عضو في هذه المعاهدة.