الإقليم إلى أين بعد مؤتمرَيْ جدّة وطهران؟
د. جمال زهران
لا تزال لقمّتي جدة وطهران، أصداء واسعة في الإقليم والعالم. والأمر الذي لا شك فيه أنّ الأطراف الرئيسية هي أميركا ومعها بريطانيا ـ صانعة المصائب في الإقليم، من جانب، وروسيا والصين من جانب آخر. بينما جميع الأطراف الإقليمية وبلا استثناء «أدوات» في رقعة الشطرنج بين طرفي الصراع الدولي. حيث يتقرّر مصير هذه الأطراف في الإقليم، بإرادة الكبار، دون جرأة إقليمية على تحدّي الإرادة الدولية التي لا تزال تحتفظ بأوراق الهيمنة على الصغار. في الوقت نفسه يلاحظ جرأة غير مباشرة من بعض دول الإقليم، وعلى لسان مسؤولين مجهولين بمحاولة التحدي للأطراف الدولية. لكن الواقع يشير إلى أنّ الرئيس الأميركي (بايدن)، كانت لديه القدرة على عقد قمة بقيادته، استدعى إليها ملوك ورؤساء الإقليم بلغ عددهم (9) وهم دول مجلس التعاون الخليجي (6) + 3 دول عربية أخرى هي (الأردن ومصر والعراق)، أيّ عقد الاجتماع (1+9)! وكانت الرسالة هي مخاطبة روسيا والصين بقدرات أميركا على حشد الأطراف الإقليمية الفاعلة وإخضاعها لإرادتها واستراتيجياتها!
ومن أهمّ ما قيل على لسان (بايدن)، إنّ أميركا مهتمة بالإقليم، تفادياً لترك مساحة فراغ قد تستغلها أطراف أخرى، ويقصد بطبيعة الحال روسيا أولاً، ثم الصين ثانياً، أيّ الشرق المنافس للغرب بقيادة أميركا وتابعتها بريطانيا!
ولم يجفّ حبر القلم الذي كُتب به بيان جدّة، حتى وجدنا مؤتمر طهران بقيادة روسيا وبمشاركة إيران وتركيا، وتضمّنت الرسالة المضادة لمؤتمر جدة/ بايدن، بأنّ الإقليم في حالة منافسة شديدة، وأنّ ما ذكره بايدن، بأنّ أميركا هي المسيطرة، وهم كبير في ذهن بايدن ومساعديه!
ويلاحظ عدم اكتفاء روسيا والصين بعقد قمة طهران، وما صدر عنها، بل لوحظ أنّ وزير خارجية روسيا (لافروف) قام بزيارة عدد من العواصم، العربية في مقدّمتها مصر، ليؤكد أنّ المساحة في الإقليم تسمح بالمنافسة. وقد التقى وزير الخارجية الروسي، بمسؤولي الإقليم، ويصرّح بأنه يطالب الجميع بقبول عودة سورية إلى الجامعة العربية وتساند مطلب الجزائر، بأنه لا قمة عربية دون دمشق! ولعلّ هذه التصريحات تؤكد أنّ روسيا مهتمة بالإقليم في إطار التشاور والتشارك، وليس بلغة الهيمنة التي تتبعها أميركا وبريطانيا.
وصدرت تصريحات رسمية في لبنان على لسان رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أكد على حتمية عودة سورية للجامعة العربية الأمر الذي يؤكد على دعم هذا الاتجاه بعودة سورية لممارسة دورها القياديّ في الإقليم، وأنّ استمرار تجاهلها بين شدّ وجذب بين دول المنطقة العربية وبتعليمات أميركية، له تداعيات خطيرة على حاضر الإقليم ومستقبله. كما أنّ إصرار روسيا على دعم هذه الخطوة، يؤكد أنّ روسيا لم تعد تقبل بالهيمنة والانفرادية الأميركية بالإقليم، تفعل فيه ما تشاء. فضلاً عن تأكيد وجود قطب دولي آخر قادر على دعم دول الإقليم، لتقويتهم على أخذ مواقف إيجابيّة لصالحهم، بما يفقد أميركا هيمنتها على دول الإقليم كما تزعم دائماً.
وعلى الجانب الآخر، تلاحظت تصريحات الصين الغاضبة من بيان مؤتمر جدّة، وحديث بايدن بأنه لن يسمح لأيّ طرف آخر ملأ أيّ فراغ في الإقليم، حيث قال وزير خارجية الصين في بيان رسمي، إنّ مثل هذا التصريح الصادر عن «بايدن»، يمثل إهانة كبرى لدول الإقليم الفاعلة، وعلى أميركا مراجعة تصريحات مسؤوليها، ترفضها الصين بشكل كامل. ولذلك فإنه من المتوقع خلال الأيام المقبلة بزيارة تشمل عدداً من دول الإقليم، لوزير خارجية الصين، استكمالاً، لما بدأه وزير خارجية روسيا، بما يؤكد التنسيق الكامل على الجبهة الشرقيّة (روسيا والصين).
وعلى جانب ثالث، وبما يؤكد التنسيق على الجبهة الشرقيّة، أنّ أميركا من خلال مسؤوليها تلعب مع الصين، «لعبة القط والفار»، حيث تريد رئيسة مجلس النواب الأميركي (نانسي بيلوسي) الذهاب إلى تايوان، وإعطاء تصريحات تؤكد أنّ أميركا لن تترك تايوان، فكان الردّ الصيني هو التحذير من اللعب بالنار، وأنها مُصرّة على وحدة أراضيها، ولم تختف روسيا من المشهد، بل أكدت على مساندتها الكاملة للصين في أحقيتها في ضمّ تايوان بكلّ السبل، وذلك في تحدّ لأميركا من جانب، ومن جانب آخر تأكيد دعم الموقف الصيني.
أما ما يحدث في الإقليم، فإنّ هناك اتجاهاً إلى خيارين لا ثالث لهما، إما الذهاب إلى تسوية عاجلة مع إيران، وفي سورية والعراق تجاه تركيا وإخضاعها لمقرّرات طهران، بحتمية التسوية، وكذلك في اليمن وفي ليبيا، وفي لبنان، خصوصاً بعد إرسال المُسيّرات الثلاث إلى الحدود البحرية مع الكيان الصهيوني، كرسالة الجاهزيّة بالحرب، وإما فإنّ البديل هو اشتعال سلسلة من الحروب، التي ستكون من تداعياتها إعادة هيكلة وهندسة الإقليم، وقد يفضي إلى توزيع مناطق تفوز بين الكبار على حساب الدول الإقليمية، كما حدث من قبل خلال الحرب العالمية الأولى، ومعاهدات سايكس/ بيكو!
الأمر الذي يؤكد أنّ الإقليم في حالة مخاض شديد، يصعب التنبّؤ بمساراته، ولكن الأرجح أنّ محور المقاومة المدعوم من روسيا والصين، سيكون صاحب الحظ في ذلك، وكلمة السر هي: القوة، والبداية كانت المُسيّرات الثلاث، وغداً سنرى.