لبنان على كف ايام: قرار استخراج الثروة، والمواقف المطلوبة
يونس عودة
من معين لا ينضب، مسكون بالهم الوطني، وانقاذ لبنان اقتصاديا، وسياسيا، واجتماعيا، كما التحرير من براثن الاحتلال، قدم الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في مقابلته التاريخية مع قناة الميادين، طروحات لإنقاذ لبنان من الفقر والحصار، والانعتاق من الهيمنة الأميركية على غالبية السياسيين اللبنانين، عبر معالجة واقعية للاقتصاد اللبناني، وخدمة للشعب اللبناني دون تحييز او تمييز.
لا يمكن في مقالة مقاربة جردة الأربعين ربيعا، من الاعداد الى التأسيس، الى المواجهة، الى التحرير، الى الانخراط في العمل النيابي والحكومي، وكل ما لاقت المراحل من ضغوط وعراقيل وحروب سواء من العدو الصهيوني، او من الولايات المتحدة الأميركية وباشكال متعددة، لذلك فان تناول المسألة الأكثر الحاحا في الظروف الحالية، بابعادها، السياسية والاقتصادية والمالية لما لها من انعكاس على هموم الشعب اللبناني بكليته، وعلى سيادة لبنان ومكانته وكرامته، لا بل على مصيره ككيان قائم.
ان التأكيد والثقة بإمكانية تحرير الثروة البحرية كاملة من غاز ونفط، والتشديد على رفض التفريط، او التنازل عن ذرة من حقوق لبنان الطبيعية، فهي ملك لبناني، لا منة لاحد ان يسمح او لا يسمح للبنان باستثمارها، وبالتالي لا يجب، ولا يمكن عقلانيا ووطنيا، ان تكون قضية خلافية على المستوى الداخلي، او موضع نزاع سياسي، والموقف هنا وحده مقياس الانتماء الى لبنان، والدفاع الحقيقي عن السيادة ليس كشعار ممجوج يطرح للتوظيف السياسي بمبررات سخيفة. وعليه لا يحق لمخلوق لبناني مهما علا شأنه ان يتنازل عن حق وتقديم هدايا للكيان الصهيوني المؤقت على ارض فلسطين وتنفيذ الرغبات الأميركية المسمومة، والابتزاز المتصاعد في تشديد الحصار والتجويع، وهنا والجميع مدرك ان اميركا هي مقلع الأكاذيب، وتريد ان يضع لبنان رجليه على سلم التنازل، الذي لا يمكن ان يتوقف عند اول خطوة.
في هذا السياق يتوجب على السلطات اللبنانية، والقوى السياسية، سواء التي تعتبر نفسها "حرة"، وان كان بعضها مجرد بيادق على الرقعة، او دمى تتحرك بالتحكم عن بعد من موظف أميركي صغير، ان تعلن بكل وضوح:
هل تريد انقاذ لبنان من الازمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية المتعاظمة؟
هل تريد تحرير الثروة النفطية والغازية واستخراجها، وعدم الانصياع للاهداف الإسرائيلية التي يسوق لها الوسيط المنحاز والكريه وغير النزيه؟
هل تريد استعادة العافية للاقتصاد اللبناني الذي اهلكته الضغوط والابتزاز الأميركيين، إضافة الى بذرالفتن الأميركية، وتأليب المجتمع على بعضه البعض وتشويه الوقائع والتي انخرطت فيها جهات لبنانية عن سابق تصور وتصمبم، نتيجة الأحقاد الناجمة عن القصور الوطني؟
بات الجميع يدرك، القاصي، والداني، ان المسألة هي بين قناعتين، أولهما الايمان بوطن له كرامته وللجميع، والثانية استخدام الوطن، وكانه مجرد وكالة للارتزاق السياسي والمالي على حساب الوطن وشعبه وتطوره ونموه، والان الجميع امام فرصة تاريخية كي يعود الضالون عن ضلالهم، عبر التمسك بالحقوق اللبنانية كاملة، والانحياز الى الحق اللبناني الوطني الجامع، وليس الوقوف على جسر بين ضفتين، ولذلك على السلطات أولا ان تلاقي طرح السيد نصرالله بشفافية وطنية، وان تستفيد من قوة المقاومة، صانعة المعادلات التي ادركها العدو المتربص.
من الواجب ان يقرأ المسؤولون جميعا، رد الفعل الإسرائيلي، وما يتضمنه من ارباك، منذ ارسال المسيرات الفخ، الى اعلان الاستنفار الى الاستعراض بانه إذا حاولت المقاومة مهاجمتها مرة أخرى، فسيكون الرد قاسيا مع يقينه بانه مكبل، وكذلك الارباك الأميركي، في ظل حاجة الجميع الى النفط من المتوسط الى اوروبا، الى الولايات المتحدة، وليس اجتزاء، ما قاله السيد وتفسيره تحريضا لا يقدم ولا يؤخر في مسيرة الدفاع عن الحقوق الوطنية واستعادتها كاملة مع استخراجها واستثمارها، لاعادة الالق الى لبنان واقتصاده في خدمة شعبه، وكذلك ليس البقاء في دائرة الاستهجان، وكأنما على راسهم الطير، او نزول صمت القبور الا في النعيق على مجد آني زائل حتما بعد موجة من التعالي الوقح والمراهقة السياسية والحماقة.
ان ساعة الحقيقة دقت، والخروج من الارتهان ممكن، وبسيط، وهي فرصة لا تسلتزم سوى قرار يلامس قليلا من العنفوان والانتماء، وقد فهم الجميع في الداخل والخارج، والعدو اكثر من الصديق الرسائل المخضبة بالاعتزاز والكرامة والشرف، وليس من داع للتوجس من الحرب، فان المقاومة راكمت قوة ردع مهولة وقد كشف السيد نصرالله انه : "لا يوجد هدف إسرائيلي في البحر أو في البر لا تطاله صواريخ المقاومة الدقيقة، وكل الحقول التي تنقب فيها إسرائيل عن الطاقة في دائرة التهديد وليس حقل كاريش فقط ونحن قادرون على ردع العدو وضرب أهداف في أي مكان من بحر فلسطين المحتلة، ولدينا قدرات بحرية دفاعية وهجومية كافية لتحقيق الردع المطلوب والأهداف المنشودة، ، وإذا وقعت الحرب بين لبنان وإسرائيل ليس معلوما أن تبقى بينهما ودخول قوى أخرى فيها احتمال وارد وقوي جدا".ويبدو ان العبارة الأخيرة كما الاولى امر حتمي .
ليس هناك كلاما أوضح من ذلك، واصدق منه، وكل تلك المواقف لها حاضنة شعبية واسعة، وقد كان نشاط الناقورة الذي أقامه "اللقاء الإعلامي الوطني"، واحد من التعبيرات العاكسة للمزاج والقناعة الشعبيين بان "ثروتنا خط احمر"، لما في اللقاء من تنوع لبناني، ومن تأثير في تكوين الرأي العام .
في الحقيقة، ان اقدام السلطات المعنية على محاكاة جريئة، لامال الشعب اللبناني، مسألة مهمة، لان جوهر الصراع، يتمركز بين الخضوع للاملاء، وبين ان تكون حرا سيدا مستقلا، لا تخضع للابتزاز والضغط والحصار، وان لا تكون المصالح الشخصية هي الهدف، وعنوان الاحتكام هي ثقافة لا تحتاج الى شجاعة، بل ترجمة لقناعة، ويمكن ان تكون الخطوة الاول بالاستجابة الفورية لما اعلنه السيد نصرالله من تأكيد على القدرة في تزويد معامل انتاج الطاقة بالفيول الايراني، لما له من ضرورة وجودية على حياة اللبنانيين، وحركة الانتاج في البلاد، ولاسيما ما يتعلق بانتاج الخبز، التي تحول، وكأنه من المترفات، بفعل الحصار الذي يتعرض له لبنان من الاميركيين،
ليس هناك كثير من الوقت، وليس مهما ان عاد "عاموس هوكشتاين" خلال ايام باراء تسووية اكانت ضمن مشروع المماطلة الاميركية، ام كلمات هوائية ولذلك بات لزاما ان تمسح الغشاوة عن عيون البعض، وهو ما عمل السيد نصرالله عليه، كما على شد ازر المترددين للانتقال الى ضفة واضحة بان لا تسويات حول الحقوق الكاملة، والتسوية الواقعية تكون بالحق اللبناني الكامل، والا لن يتمكن احد من استخراج مقدار ملليتر واحد من المتوسط.
ان المقاومة راكمت قوة واقتدار مُهابة عالميا، ليس فقط لقدرة الردع والتحرير، وانما لثقافة جديدة، لا تعرف الخنوع والتذلل، انما جوهرها استعادة الحقوق مهما بلغت التضحيات، وهنا بيت القصيد، وخميرة المعين.