العراق .. معالم الانفراج الحكومي بعد شهور الانسداد
عادل الجبوري
باجماع قوى الاطار التنسيقي على مرشح واحد لتولي رئاسة الحكومة العراقية للمرحلة المقبلة، يكون اول معالم وملامح الانفراج في المشهد السياسي قد لاح بعد حوالي تسعة شهور من الانسداد والجمود.
ولعلها المرة الأولى التي تتفق وتتوافق كل - أو أغلب - قوى واطراف المكون الشيعي على شخص واحد لتولي المنصب التنفيذي الاول، دون الذهاب الى خيار التنافس بين عدة مرشحين، وهذا مؤشر ايجابي مهم على وجود ارضيات واجواء مناسبة جدا، لبلورة رؤية مشتركة، تكون بمثابة برنامج عملي وخارطة طريق للحكومة المقبلة، الى جانب تحفيز ودفع الاطراف الاخرى الى الاسراع بحسم الاستحقاقات المطلوبة منهم، وتحديدا القوى الكردية التي لم تتوصل حتى الان الى صيغة توافقية لاختيار رئيس الجمهورية، الذي يعد وفق العرف السياسي القائم من حصة المكون الكردي، فضلا عن حلحلة جانب من المواقف المتشددة لبعض القوى المقاطعة والمنسحبة من العملية السياسية.
والنقطة الجوهرية والمهمة التي ترتبط بشكل او باخر بالنقطة الاولى الانفة الذكر، تتعلق بهوية المرشح الحاصل على اجماع قوى الاطار التنسيقي، الوزير السابق والنائب الحالي محمد شياع السوداني، الذي شغل العديد من المواقع التنفيذية خلال التسعة عشر عاما المنصرمة، بدءا من منصب قائمقام قضاء العمارة مركز محافظة ميسان، مرورا بمحافظ هذه المحافظة، الى تولي حقيبة وزارة حقوق الانسان، ومن ثم العمل والشؤون الاجتماعية، وبعدها وزارة الصناعة وكالة، ووزارة التجارة وكالة، وغيرها، وكذلك كان نائبا في البرلمان لاكثر من دورة برلمانية، وعرف عنه نزاهته ونظافة يده، اذ لم تؤشر عليه اي شبهات فساد او اساءة استغلال سلطاته من اجل تحقيق الثراء الشخصي والعائلي.
قد تبدو فرص وظروف السوداني لتشكيل حكومة خدمة وطنية، استنادا الى المعايير والضوابط التي حددها الاطار التنسيقي، واستنادا الى طبيعة شخصيته غير الجدلية، جيدة الى حد ما، لا سيما اذا تم وضع برنامج حكومي واقعي يعكس اولويات وضرورات المرحلة، ويوفر حلولا ومعالجات عملية لبعض - ولا نقول لكل - المشكلات والازمات القائمة، ويخفف جزءا من مظاهر الاحتقان السياسي والمجتمعي، الذي ازدادت مستوياته بشكل واضح خلال الاعوام القلائل الماضية.
وسوف تتعزز فرص نجاح السوداني في مهمته الثقيلة والمعقدة والشائكة، من خلال تشكيل حكومة بعيدة نوعا ما عن معادلات المحاصصة الحزبية والترضيات والمجاملات السياسية لهذا الطرف او ذاك، بأسلوب تقاسم المغانم اكثر من البحث عن سبل ومخارج حقيقية للازمات السياسية والاقتصادية والخدمية الخانقة.
وطبيعي ان المرشح لرئاسة مجلس الوزراء، يحتاج الى مساحة واسعة لتطبيق رؤاه وتصوراته، ابتداء بما يتعلق بآلية تشكيل الحكومة، وعدد حقائبها الوزارية، وهوية اعضائها، ومساحة تمثيلها للمكونات الاجتماعية المختلفة. وهذه من ابرز واهم متطلبات ومقومات النجاح، التي يضاف اليها، التأسيس لبناء علاقات متوازنة على الصعيدين الاقليمي والدولي، وتجنب اقحام العراق في سياسات المحاور والاصطفافات الضيقة، التي يراد منها تقوية طرف ما على حساب طرف اخر، حيث ان التجارب السابقة البعيدة والقريبة، اثبتت عقم وعبثية وكارثية مثل تلك السياسات والتوجهات.
ومهما كان الثقل السياسي الذي يمتلكه السوداني، وحجم القوى التي تقف خلفه وتسانده، فإن عليه ان لا يدير ظهره للقوى السياسية والمجتمعية التي ابدت او ستبدي تحفظا او ممانعة او رفضا لتوليه المنصب التنفيذي الاول، بصرف النظر عن اسباب ودواعي التحفظ والممانعة والرفض، لان تلك القوى تشغل مساحة كبيرة وغير هامشية، ولا بد ان تحظى مطالبها وملاحظاتها بالاهتمام، علما ان جزءا كبيرا من تلك المطالب والملاحظات هي ذاتها التي يدعو لها ويطرحها الشارع العراقي على وجه العموم، رغم ان البعض منها يذهب وينساق الى المساحات غير السلمية في التعبير عن همومه ومشاكله وطموحاته ومطالبه.
ولا شك ان مظاهر الاختلاف والتقاطع والتصادم في ساحة سياسية معقدة وبوجود مؤثرات خارجية كبيرة، كالساحة العراقية، تمثل شيئا طبيعيا، من غير الصحيح تضييع الوقت لاجل انهائها، بل الافضل والانجع تكييفها بطريقة واقعية وعقلانية، تكون مخرجاتها مظاهر السلم الاهلي والتعايش المجتمعي والمشاركة في المغانم والمغارم.
لن يكون الطريق معبّدا وسالكا امام السوداني، فالتحديات التي تنتظر حكومته فيما لو كتب له النجاح في تشكيلها ضمن المدة الدستورية المحددة بعد تكلفيه رسميا من قبل رئيس الجمهورية الجديد، هي في الواقع كبيرة وثقيلة للغاية، وتتطلب دعما واسنادا كبيرا له، وكذلك صبرا وتحملا حتى تتبلور النتائج والمخرجات الايجابية المرجوة، فتراكم الاخطاء والسلبيات طيلة اعوام عديدة، يتطلب وقتا غير قصير لمعالجتها وتلافيها والتغلب عليها. ولعل سعي وتوجه مختلف القوى والكيانات السياسية والمجتمعية لانجاح مهمته، يمثل الخيار الصحيح، الذي سوف تنعكس ايجابياته على الجميع، والعكس صحيح، مع التأكيد على حقيقة ان الانزلاق الى المزيد من الاضطراب والفوضى واهمال مطالب الشارع الاصلاحية وتكرار العمل بنفس الاليات والسياقات الحالية والسابقة في ادارة الدولة، يعني دفع الامور الى اسوأ واخطر النتائج والخيارات.