kayhan.ir

رمز الخبر: 154351
تأريخ النشر : 2022July27 - 20:22

هل ستشن الصين حرباً على تايوان؟

 

تيموفي بورداتشيف

هدف الولايات المتحدة من زيارة نانسي بيلوسي إلى تايونا هو استخدام قضية تايوان في اللعبة الدبلوماسية، وتمهيد الطريق لجولة أخرى من المحادثات بين الولايات المتحدة والصين، ولإفهام الصينيين من هو السيد في هذه اللعبة.

كتب  تيموفي بورداتشيف، مدير برنامج نادي فالداي الدولي، مقالاً في موقع "المجلس الروسي للشؤون الدولية"، يتحدث فيه عن الأزمة المتصاعدة حول تايوان، ويناقش فيه خيارات الصين للتعامل مع هذه المعضلة، وخصوصاً في ظل استمرار الولايات المتحدة في نهج التدخل بشؤون الجزيرة، ويعتبر أن الخيار العسكري يقترب أكثر فأكثر.

وفيما يلي نص المقال كاملاً منقولاً إلى العربية:

من الصعب علينا في روسيا أن نفهم كيف ترى الصين نفسها في السياسة الدولية. ولتخيل موقف بكين ولو بشكل تقريبي، يمكن للمرء أن يتذكر رواية فاسيلي أكسينوف "جزيرة القرم"، التي تحكي عن تحول تاريخي مذهل للغاية، كانت نتيجته بقاء شبه جزيرة القرم، بعد نهاية الحرب الأهلية في روسيا، مع الحرس الأبيض (الإسم الشائع للتشكيلات المسلحة المناهضة للسوفيات أثناء الحرب الأهلية في روسيا- المترجم). ولم تمتد قوة الدولة السوفياتية الجديدة إلى هناك، وكان على الاتحاد السوفياتي، على الرغم من كل قوته، أن يتحمل وجود بديل، في خاصرته، لبنيته الاجتماعية والسياسية.

هذا بالضبط ما تمثله العلاقات المعاصرة بين الصين الشعبية وجزيرة تايوان، حيث أنه بعد انتهاء الحرب الأهلية الصينية عام 1949، لجأت إلى هناك بقايا القوميين الذين خسروا المعارك ضد مفارز الحزب الشيوعي بزعامة ماو تسي تونغ.

ولكن على عكس رواية "القرم"، والتي كانت بالنسبة لأكسيونوف شيئاً مستقلاً، كانت تايوان خاضعة لرعاية مطلقة من قبل الولايات المتحدة، التي تستخدم الجزيرة وقضية تايوان للضغط على بكين، وممارسة اللعبة الدبلوماسية الكبرى في آسيا.

ونضيف هنا إلى مشكلة تايوان، عدم اعتراف الغرب من الناحية الفعلية بسيادة الصين على التيبت، وبالكاد يوافق على حقوق الصين في أكبر المقاطعات التابعة لها - منطقة شينجيانغ الإيغورية ذاتية الحكم الذاتي.

يبدو الأمر كما لو أن الغرب لا يعترف بأن سيبيريا تنتمي إلى الأراضي الروسية. لم تكن روسيا في مثل هذا الموقف أبداً، وهناك أسباب للجزم بأن ذلك لن يحصل أبداً.

في كل الأحوال، هكذا يبدو الموقف الجيوستراتيجي الحالي للصين في العلاقات مع الولايات المتحدة وحلفائها، رغم كل القوة الاقتصادية التي تتفوق فيها الصين فعلياً على الولايات المتحدة في كثير من النواحي.

علاوة على ذلك، هم يدركون جيداً في بكين أنهم يتعاملون مع عدو أقوى بكثير عسكرياً - ومن أجل مواجهة المعركة معه على قدم المساواة، يحتاج الصينيون إلى سنوات أخرى من إنشاء جيش وإشباعه بالقدرات التقنية.

يعتقد معظم الخبراء حتى الآن أن الجيش الصيني والبحرية الأميركية لن ينتصروا في معركة بحرية مفتوحة من أجل تايوان. إن الأمل الرئيسي للصين هو أنه لن يكون من الضروري شن مثل هذه المعركة، بل في أن تسقط الجزيرة تبعاً للضعف الذي سيصيب الولايات المتحدة في مسألة استعدادها للقتال من أجل مواقعها في الجزء الغربي من المحيط الهادئ.

ونظراً لأن السلوك الصيني أصبح أكثر اعتماداً على الذات، منذ وصول شي جين بينغ إلى السلطة، فقد ازادت في المقابل عدد "التجاوزات" من الدول الغربية حول تايوان أو مقاطعات البر الرئيسي الصيني.

وحتى الآن، تعلن الولايات المتحدة للمرة الثانية عن زيارة لرئيسة الكونغرس إلى الجزيرة. كانت المرة الأولى في أيار/مايو، وجاءت بمثابة اختبار لعزيمة السلطات الصينية. بعد ذلك، ورداً على الزيارة المعلنة لنانسي بيلوسي إلى تايبيه، قامت الصين باحتجاج رسمي قوي، انتهى بإلغاء الزيارة، وحينها، قيل إن السبب يعود لإصابة المسؤولة الأميركية العجوز بفيروس كورونا. والآن عادت واشنطن من جديد إلى هذه القضية.

يبقى الهدف كما هو - استخدام قضية تايوان في اللعبة الدبلوماسية، وتمهيد الطريق لجولة أخرى من المحادثات بين الولايات المتحدة والصين، ولإفهام الصينيين من هو السيد في هذه اللعبة.

علاوة على ذلك، انحازت الصين بشكل علني تقريباً إلى جانب روسيا بخصوص الأوضاع حول أوكرانيا. وبدءاً من آذار/مارس 2022، تطور الموقف الرسمي الصيني من الدعوات المجردة للأطراف للجلوس على طاولة المفاوضات، إلى اتهام الولايات المتحدة بتأجيج الصراع. ويعمل الصحفيون الصينيون حصراً على الجانب الروسي من الجبهة، كما وتعمل الشركات بقوة على إنشاء بنية تحتية جديدة من أجل العمل معنا دون التعرض لخطر الوقوع تحت الضربات الغربية.

أصبحت الصين تدريجياً أهم داعم لروسيا في المواجهة مع الناتو، وتدرك واشنطن أنها لم تعد قادرة على تغيير هذا السلوك. وكل ما تبقى هو تشتيت انتباه بكين بهجمات معاكسة في الاتجاه الأكثر حساسية بالنسبة لها.

بالإضافة إلى ذلك، عملت السلطات الصينية بزخم على إثارة قضية تايوان في السنوات الأخيرة. وتدرك بكين أن الجزيرة المعترف بها، عاماً بعد عام، تبتعد سياسياً عن البر (الوطن الأم). لقد نشأت عدة أجيال من الصينيين هناك، والذين لا يعتبرون القوة القارية العظمى وطناً لهم، والتي يجب السعي للعودة إلى أحضانها. لم يعد العد التنازلي للاستقلال الكامل مسألة عقود، بل سنوات. والسلطات الصينية لديها أسبابها للاستعجال في الأمور. علاوة على ذلك، قد تصبح القدرة على حل مشكلة تايوان قريباً العامل الرئيسي في الحفاظ على شرعية الحزب الشيوعي الصيني في موقعه كقوة سياسية رئيسية لجمهورية الصين الشعبية.

بعد أن وصل المجتمع الصيني عملياً إلى مستوى عالٍ من التطور والرفاهية، أصبح يواجه الآن معضلة  كتلك التي واجهتها روسيا في النصف الأول من عام 2010: الازدهار وحده لا يكفي لاحترام الذات، فالاعتراف به على الساحة الدولية مطلوب. من المؤكد أن الصين تحظى بالاحترام بسبب نجاحها الاقتصادي غير المسبوق، والعديد من الدول حريصة على التمسك بمصادر تمويل التنمية التي تقدمها بكين، مقابل الولاء والوصول إلى الموارد الطبيعية. لكن في حين أن كل هذا مصحوب بعدم القدرة على السيطرة حتى على جزء من أراضيهم، وبعدم المقدرة على مواجهة ألاعيب الغرب حول تايوان أو التيبت أو شينجيانغ، فإن الوعي الصيني بقوتهم العظمى لا يزال بعيداً عن الاكتمال.

لذلك، يتعين على الزعيم الصيني شي جين بينغ، الذي من المؤكد ينوي البقاء على رأس السلطة لفترة أخرى، التعامل مع قضية تايوان بهذا الشكل أو ذاك. وهنا تبدأ لعبة دبلوماسية مثيرة بين الصين والولايات المتحدة. ستتمثل مهمة واشنطن في إبقاء الصين في حالة ترقب مستمرة حيال أن تعلن تايوان استقلالها رسمياً - وبعد ذلك سيتعين على بكين إما أن تمضي في حل عسكري، أو "تفقد ماء الوجه".

الأول لن يؤدي فقط إلى صدام مباشر مع الولايات المتحدة، التي لا تزال قوية جداً، ولكن أيضاً يحرم الصين من جميع ميزات تواجدها في الاقتصاد العالمي. والثاني سيكون كارثياً ويمكن أن يؤدي ليس فقط إلى سقوط قيادة الحزب الشيوعي، بل إلى اضطراب النظام السياسي بأكمله في الصين.

وفي كل الأحوال، فإن السيناريو الراديكالي لتطور الأحداث س"يكسر" الاستراتيجية الصينية بأكملها للمنافسة السلمية مع الولايات المتحدة، طالما لن تكون هناك حاجة بالنسبة للصينيبن للدخول في معركة مباشرة مع العدو الرئيسي.

إن فهم منطق السلوك الأميركي هذا يدفع الصين نحو مزيج من اللهجة الحاسمة والحذر السياسي العالي. تدرك بكين أن الموقع الجيوسياسي للولايات المتحدة، يجعلها قادرة على معالجة جميع قضايا السياسة الدولية تقريباً من زاوية اللعبة الدبلوماسية، وليس زاوية البقاء على قيد الحياة. لذلك، لن يعطي أحد في الولايات المتحدة تايوان للصينيين، تماماً كما لم يكن أحد سيعطي أوكرانيا لروسيا.

في بكين، يحاولون إطالة أمد "النطح" الدبلوماسي حول تايوان لأطول فترة ممكنة – كي تحل المشكلة من تلقاء نفسها، وفقاً لتراجع مواقف الولايات المتحدة  على الساحة الدولية.

ولكن، كما في الحالة الأوكرانية، قد يعتبر كل طرف في مرحلة ما أن موارد التفاوض قد استنفدت وأنه من الضروري إما اتخاذ إجراء حاسم أو قبول الهزيمة. في الوقت نفسه، لن يكون مثل هذا التقييم للوضع متوافقاً مع الواقع. الشي الأهم، هو أنه سيبدو كذلك في أعين السياسيين الذين سيتخذون هذه القرارات في لحظة معينة.

علاوة على ذلك، لدينا سبب للشك في حكمة سلوك أولئك الذين يقررون السياسة في واشنطن. ولربما هذا هو السبب في أن معظم الخبراء الروس الجادين بشأن الصين، يعتقدون أن احتمالية الخاتمة العسكرية للدراما حول تايوان تقترب كل يوم، وقريباً قد نصبح شهوداً على عمل عسكري جديد للصراع من أجل نظام عالمي جديد.