هل تنجح محاولات أمريكا تسليم راية القيادة للعدو الصهيوني؟
إيهاب شوقي
من الصعب أن يتصور عاقل أن زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن الأخيرة الى المنطقة والتي رافقه فيها مئات حراس الأمن، وست مروحيات وطائرة كاملة من الصحفيين وقافلة تتألف من 80 مركبة وقطار جوي يحمل المعدات، هي زيارة عادية ولمجرد جس النبض أو أنها زيارة تجريبية تحمل روح المجازفة والمقامرة .
ومن الصعب جدا تصور أن هناك طائرة كاملة تحمل 250 صحفيا كما قالت التقارير، في حين يرافقه وزير واحد فقط وهو وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ودون أن يكون هناك وزراء مختصون بالملفات التي طرحها بايدن، مثل وزارة الحرب أو الطاقة أو ممثل رسمي عن الاستخبارات.
الأقرب للتصور هنا، أن هناك مطبخا كاملا للسياسات والاستراتيجيات قد رافق بايدن للمعاينة العملية لأوضاع الشرق الأوسط لإعداد تقرير شامل عن الزيارة يمكن على ضوئه تحديد السياسات والاستراتيجيات القادمة مع الحلفاء والتابعين.
وهنا نحن أمام حالتين متوازيتين من القياس الأمريكي للأوضاع على الأرض:
الأولى: حالة عسكرية في أوكرانيا بإرسال أسلحة أمريكية وقياس مدى فاعلية السلاح الروسي في مواجهتها، وقياس مدى الصمود الروسي أمام التعطيل ومحاولات الاستنزاف.
الثانية: حالة سياسية لقياس متانة التحالفات الروسية ومدى توغل النفوذ الروسي في المنطقة على حساب النفوذ الأمريكي.
ولعل المعطيات العسكرية والسياسية تدخل الآن إلى مطبخ سياسي واستراتيجي أمريكي لتحديد السياسة الأمريكية القادمة وهل ستتجه للاعتراف بالمستجدات وتجنح للتسويات واحترام نفوذ الخصوم، أم ستتجه للمواجهات والتصعيد.
وهنا ينبغي أن نقول إن كل حديث عن طرد الأنظمة العربية لأمريكا من المنطقة أو خروجهام من العباءة الأمريكية يبقى حديثا متعجلا ولا يصح البناء عليه، في ظل وجود قوات "سنتكوم" والتي يشارك فيها العرب بجيوشهم وأجهزتهم السيادية.
وبالتالي فإن آخر ما نحتاج إليه هو أن تشطح التحليلات بعيدا وتخلط بين تراجع النفوذ الأمريكي ومحاولات بعض الأنظمة استغلال ذلك في تحسين شروط التبعية، وبين الاستقلال عن أمريكا، أو حتى امتلاك هامش العصيان الذي يصل لإغضاب أمريكا على هذه الأنظمة.
وواقع الحال والذي تخدمه الشواهد يقول إن أمريكا يمكنها أن ترضى باستبدال نفوذها في المنطقة بالنفوذ الصهيوني، وباستبدال قيادتها المباشرة، بقيادة إسرائيلية وهو ما نراه يتحقق على الأرض من سلوك هذه الأنظمة تجاه العدو الصهيوني واتجاهها لتطوير التطبيع معه.
وقد رصد دينيس روس والذي كان يوما المنسق الأول لعمليات السلام المزعومة مع العدو الصهيوني، تراجع أمريكا بشكل ملموس في الشرق الأوسط، وقال نصا إن هذا التراجع هو أحد العوامل التي عززت الروابط الإسرائيلية مع بعض القيادات العربية، وروى روس في مقال له أن أحد كبار المسؤولين الخليجيين قال له شخصيًا إن الولايات المتحدة قد تنسحب ولكننا نعرف أن "إسرائيل" باقية.
وبالتالي يمكننا هنا استشراف ملامح المقاربة الأمريكية والخليجية للوضع في الإقليم بعد المستجدات وتغير التوازنات:
أمريكيا: هناك مغازلات مع الصين تبدو بوادر لها، حيث صرح كيسنجر بأن الأوضاع الراهنة بحاجة إلى "مرونة نيكسون"، ونصح الإدارة الأمريكية بالتفاهم مع الصين وعدم الوصول بالعلاقات معها لمرحلة العداء والمواجهة، ولربما التقطت الصين الإشارة وطالبت بالتهدئة في اوكرانيا بشكل مفاجئ، وفقا لما نشر موقع "افيا برو" الروسي، وهو من المواقع الموثوقة.
وهنا قد تحاول أمريكا تفكيك التحالف الروسي الصيني لعلمها بخطورته وخاصة لو اتجه لاتخاذ قرارات اقتصادية خاصة بالعملات وهو خطر كبير على مكانة الدولار الدولية.
كما تحاول أمريكا من خلال تعميق علاقات التطبيع وضع اسفين للحيلولة دون توسع التعاون الروسي الإيراني وشموله أنظمة أخرى بالمنطقة، لأن العدو سيظل فتنة كبرى تحول دون التعاون بالمنطقة بل يخلق الصراعات والتوترات الإقليمية.
وخليجيا: يحاول الخليج تحسين شروط التبعية والموازنة بين علاقاته مع الروس ومع أمريكا، بحيث لا يغضب الروس ويتحداهم ويتركهم تماما لتحالف قوي مع إيران، ولا يغضب أمريكا، وهو يعلم أن بوابة الرضا والمصالح الأمريكية تتعلق بعلاقات الخليج بالكيان الصهيوني.
هنا نحن أمام مشهد تسلم إسرائيلي للراية الأمريكية، على أمل أمريكي بأن يقوم العدو بقيادة المنطقة ورعاية ما تبقى من نفوذ ومصالح أمريكية وملء أكبر قدر ممكن من الفراغ بحيث لا يملأه الروس أو محور المقاومة.
هنا ينبغي أن تكون القضية الفلسطينية والموقف من العدو الصهيوني حاضرة في جميع التحالفات والمناقشات لقطع الطريق على جعل العدو أمرا واقعا يرتضيه جميع الفرقاء، وقد يكون تفعيل المقاومة أحد أهم الأدوات في إعادة الاعتبار للقضية، لأن التهدئة قد تخدم مخططات أمريكا والعدو وتفسح المجال لمزيد من التطبيع.