kayhan.ir

رمز الخبر: 153573
تأريخ النشر : 2022July12 - 20:20

بايدن في السعودية: خطاب تبريري للداخل.. ولملمة نفوذ خارجي

 

 

إيهاب شوقي

عندما يحتاج رئيس لقوّة عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية أن يكتب مقالًا ليبرر به خطوة سياسية، أو زيارة مزمعة، فإن الأمر هنا يحتاج لوقفة تأملية وتحليلية، وهذه الوقفة تتعلق بطبيعة الخطوة ذاتها وأيضًا بالمنبر الذي تم اختياره، وكذلك بمضمون المقال وما ورد فيه.

أولًا: فيما يتعلق بطبيعة الخطوة، فهي تدل على أن هناك أمرًا كبيرًا يحتاج إلى شرح خاص، وإلى مبررات تفصيلية، وهذا الأمر لا تفي به الخطابات أو التصريحات الرئاسية، ولا إفادات البيت الأبيض، بل هو أمر يتعلق بشخص الرئيس وسلوكه ووعوده الانتخابية. وخروجه مكتوبًا يعني أنه أكبر من مواجهة الرئيس لشعبه وجهًا لوجه، فهو على نمط الرسائل التي يخجل من يرسلها من المواجهة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يريد لها توثيقًا كنوع من الإيحاء بالثقة والشجاعة لقطع الطريق على المزايدات الداخلية والصراعات الحزبية.

ثانيًا: من حيث المنبر، فقد تم اختيار صحيفة "واشنطن بوست"، وهي أكثر الصحف تداولًا في أمريكا، كما أن شهرتها نابعة من تناولها للشأن الوطني الأمريكي الداخلي، وبالتالي فإن مقال الرئيس بايدن يراد له الانتشار الواسع، وفي نفس الوقت هو موجه للداخل الأمريكي بالدرجة الأولى، ورسائله شعبية داخلية أكثر من كونها رسائل خارجية.

ثالثا: بخصوص المقال ذاته، فإن افتتاحيته وخاتمته تعبّران عما ذهبنا إليه من أنه موجّه للداخل الأمريكي بالدرجة الأولى، حيث يقول بايدن في افتتاحيته بعد اعلانه عن الزيارة: "إن وجود شرق أوسط أكثر أمناً وتكاملاً يعود بالفائدة على الأمريكيين من نواحٍ عديدة. مجاريه المائية ضرورية للتجارة العالمية وسلاسل التوريد التي نعتمد عليها. موارده من الطاقة حيوية للتخفيف من التأثير على الإمدادات العالمية للحرب الروسية في أوكرانيا. والمنطقة التي تتحد من خلال الدبلوماسية والتعاون - بدلاً من التفكك من خلال الصراع - من غير المرجح أن تؤدي إلى تطرف عنيف يهدد وطننا أو حروب جديدة يمكن أن تضع أعباءً جديدة على القوات العسكرية الأمريكية وعائلاتهم".

ويؤكد ذلك في خاتمة المقال بالقول: "في الأسبوع المقبل، سأكون أول رئيس يزور الشرق الأوسط منذ 11 سبتمبر دون مشاركة القوات الأمريكية في مهمة قتالية هناك. هدفي هو الحفاظ على هذا السياق".

وهنا ينبغي الإشارة إلى أن الإعلام الصهيوني والخليجي قد اقتطع فقرات من المقال وأبرز أخرى ليكتب عناوين دعائية للإيحاء بفائض قوة وتهديدات لا تعبر عن طبيعة وحقيقة الزيارة والسيناريوهات المتوقعة للإقليم والتي تترتب عليها.

ويمكننا هنا وفقًا للسياق الدولي والإقليمي وطبيعة ما جاء بالمقال أن نرصد ما يلي:

1- أهمية مراقبة مراكز الفكر والدراسات الأمريكية، حيث المراقب لتحليلاتها وتوصياتها يلمح تطابقًا لما قاله بايدن في مقاله وما ساقه من مبررات، أبرزها الشهادة للسعودية بأنها تجاوبت مع الإدارة الأمريكية وانصاعت لها وخاصة فيما يتعلق بالمصالحة الخليجية والهدنة في اليمن والتطبيع الهادئ والمتدرج مع العدو الصهيوني.

وهو ما يجعل من متابعة هذه المراكز ومنشوراتها أمرًا بالغ الأهمية للوقوف على أقرب القراءات دقة للتحركات الأمريكية بشكل عام.

2- توجه بايدن للجمهور الأمريكي بهذه المبررات يعكس خجلًا كبيرًا من عدم الوفاء بتعهداته الانتخابية خاصة وأنها تتعلق بجوهر توجهاته وتوجهات الحزب الديمقراطي الحاكم، وهي التي تميزه انتخابيًا عن الحزب الجمهوري والذي كان صريحًا في دعمه للطغاة، وهنا يثبت بايدن أن المصلحة الأمريكية هي الحاكمة وليست الأحزاب بلافتاتها المخادعة.

3- هذا الخجل وتلك المبررات تعكس تراجعًا في القوة الأمريكية وفي النفوذ داخل المنطقة، باتت معها أمريكا في حاجة إلى وضع اتفاقيات جديدة وصفقات معدلة على غرار اتفاقية كوينسي والتي ظلت تعمل كحاكم للعلاقات الأمريكية السعودية والخليجية بشكل عام، والتي يبدو أن التوازنات الدولية والإقليمية المستجدة تجعل من تعديلها أمرًا حتميًا.

4- تزامنت اتفاقية كوينسي والتي عقدها الرئيس روزفلت مع الملك عبد العزيز ال سعود في 14 فيراير 1945، قبيل وفاة روزفلت بأسابيع، مع نظام عالمي جديد يتم ترتيبه في نهايات الحرب العالمية الثانية وبروز نتائجها وعقد مؤتمرات تقاسم النفوذ بها، حيث أعقبت مؤتمر يالطا بثلاثة أيام، وهو ما يعني أن وضع أمريكا في النظام الجديد دوما يرتبط بعلاقتها بالإقليم ومواطن الطاقة به، ووجود علاقات تنافسية مع القوى العظمى، تسعى أمريكا دومًا لاحتكار تبعية السعودية والخليج بها، وهو ما يشي بأن زيارة بايدن هي زيارة مشابهة لزيارة روزفلت، وأننا على اعتاب اتفاقية جديدة على غرار كوينسي.

ولعل بايدن ألمح إلى ذلك نصًا في مقاله عندما قال: "بصفتي رئيسًا، فإن وظيفتي هي الحفاظ على بلدنا قويًا وآمنًا. علينا مواجهة العدوان الروسي، ووضع أنفسنا في أفضل وضع ممكن للتغلب على الصين، والعمل من أجل استقرار أكبر في منطقة لاحقة من العالم. للقيام بهذه الأشياء، علينا التعامل مباشرة مع البلدان التي يمكن أن تؤثر على تلك النتائج. المملكة العربية السعودية واحدة من هذه الدول، وعندما ألتقي بالقادة السعوديين يوم الجمعة، سيكون هدفي هو تعزيز شراكة استراتيجية للمضي قدمًا تستند إلى المصالح والمسؤوليات المشتركة، مع التمسك أيضًا بالقيم الأمريكية الأساسية".

هنا يمكننا بعيدا عن قنابل الدخان المتعلقة بـ"الناتو" العربي أو الحشد ضد ايران والمقاومة، أن ندرك أن الزيارة هي زيارة إنقاذ للنفوذ الأمريكي ولملمة للقطيع الشارد عن النفوذ الأمريكي المتراجع، ومحاولة تشكيل جبهة سياسية ربما تحمل عنوانًا دفاعيًا يخلو من مضامين عسكرية ذات قيمة، للحيلولة دون تلاعب بعض الأذيال والتوابع على جميع الحبال، أو خروج البعض من الفلك الأمريكي.

وبالتالي نحن أمام صفقات جديدة لمجرد بقاء الأوضاع على ما كانت عليه قبل الحرب في أوكرانيا ومنع الانهيار السريع للنفوذ الأمريكي، وكل ما هو مطروح على المقاومين هو التشبث بثوابتهم وخياراتهم والحفاظ على مواطئ أقدامهم الجديدة التي اكتسبوها بفضل صمودهم وتضحياتهم، وربما تكون المبادرة أيضًا هي السلوك المقاوم الجديد للخلاص من الحصار واستعادة الحقوق.