روسيا تطيح باليورو: هل يتحرّك البنك المركزي الأوروبي؟
د. محمود جباعي
صباح الاثنين 11 تموز/ يوليو أغلقت روسيا خط نقل الغاز "السيل الشمالي-1" إلى أوروبا بحجة إجراء صيانة له حتى 21 تموز/ يوليو الجاري. يترافق هذا الإجراء مع ارتفاع حدة المخاوف في السوق الأوروبية من نقص في كمية الغاز مما سيساهم في حصول زيادة حادة في أسعار الوقود في السوق الأوروبية، وسيفاقم أزمة التضخم التي وصلت قبل إعلان هذا القرار الى حدود 8 % في معظم دول الاتحاد الاوروبي. هذه العوامل أثّرت بشكل مباشر على قيمة اليورو اتجاه العملات الأخرى حيث وصل يوم أمس إلى أدنى مستوى له أمام الدولار خلال 20 عامًا، وقد سجل انخفاضًاً الى ما دون عتبة 1.01 دولار.
يأتي هذا الانهيار في ظل اضطراب صناعة الطاقة والأزمة الأوكرانية التي أضرّت كثيرًا بالاقتصاد الأوروبي ككل بفعل تأثير العقوبات المتبادلة بين روسيا والغرب، حيث سجلت ألمانيا أول عجز تجاري شهري لها منذ عام 1991 علمًا أنها تشكل أحد أكبر اقتصاديات دول الاتحاد الأوروبي. كما أن ضغوط توقيف سلاسل التوريد أدت الى ابطاء النشاط الاقتصادي في أكبر اقتصاديات منطقة اليورو، والتي تعتمد بشكل كبير على استيراد الطاقة لتشغيل المعامل والمصانع لديها مما قد يتسبب في حدوث ركود اقتصادي كبير فيها، علمًا أن أوروبا حاليًا هي الحلقة الأضعف في الاقتصاد العالمي حيث إنها اليوم باتت في مرمى تداعيات الأزمة الأوكرانية وأزمة الطاقة العالمية.
تأثير انخفاض اليورو على الاقتصاد الأوروبي
إن انخفاض قيمة اليورو مقابل الدولار له عدة نتائج مختلفة على الاقتصاد الأوروبي. من جهة سترتفع التكاليف بشكل حاد بالنسبة لبعض الشركات الاوروبية التي تعتمد على استيراد المواد الخام والطاقة، ومن جهة ثانية قد يؤدي انخفاض اليورو الى وجود حاجة لمزيد من كميات اليورو لشراء السلع المستوردة بالدولار. هذا الأمر سيرفع كلفة الانتاج لمعظم الشركات الأوروبية المستوردة للمواد الأولية بالدولار مما ينعكس انخفاضًا في قدرتها التنافسية. كل ذلك، سيساهم في تسريع ارتفاع معدلات التضخم ويهدد القدرة الشرائية للمداخيل لمعظم العاملين من الطبقات الوسطى الذين سيواجهون صعوبات كبيرة في تأمين حاجاتهم المختلفة بعد ارتفاع أسعار الوقود والطاقة والمواد الاستهلاكية وانخفاض قيمة اليورو أمام الدولار الأميركي والعملات الصعبة.
البنك المركزي الأوروبي قد يتحرك
في ظل الأزمة الحالية المستعرة بين أوروبا من جهة وروسيا من جهة أخرى، تمتلك الأخيرة أسلحة اقتصادية فتّاكة في مواجهة الغرب الذي فرض عليها العديد من العقوبات الاقتصادية القاسية.
تمتلك روسيا سلاح الغاز والطاقة الذي يمكّنها من إصابة الأوروبيين في مقتل اقتصادي ومالي. فأوروبا اليوم تقف عاجزة أمام حاجتها للغاز الروسي الذي يعتبر المشغّل الأساسي لمعاملها ومصانعها، وهي تسعى جاهدة إلى تأمين البديل في أسرع وقت ممكن ولكنها إلى اليوم ما زالت غير قادرة عمليًا على تحقيق ذلك لعدة أسباب، أبرزها التكاليف العالية لتوريد الغاز اليها من الدول البعيدة عنها جغرافيا عدا عن المدّة الزمنية الطويلة التي تحتاجها في تحقيق ذلك.
هذا الأمر سيجبر البنك المركزي الأوروبي على التدخل فورًا عبر رفع معدلات الفائدة كما فعل نظيره الأمريكي، والهدف من التدخل سيكون مكافحة التضخم في الأسعار من جهة، وكذلك وقف انهيار اليورو من جهة أخرى. علمًا أن هذا الاجراء قد لا يؤدي الى تحقيق النتائج المرجوّة منه بسبب شدة الأزمة وغياب المصادر البديلة لدى أوروبا لتأمين الطاقة والغاز، فضلًا عن حالة الركود الكبيرة التي قد تحصل كنتيجة عكسية لرفع أسعار الفائدة والتي حتمًا ستؤدي إلى تراجع النشاط الاقتصادي بسبب انخفاض الطلب على الاستهلاك في مختلف القطاعات.