kayhan.ir

رمز الخبر: 152842
تأريخ النشر : 2022June27 - 21:04
"أما والله لو إني أقتل ثم أحرق ثم أنشر في الهواء ثم أحيا ثم أقاتل ثم أقتل ثم أحرق ثم أنشر في الهواء يفعل بي ألف مرة ما تركتك يا حسين"..

أربعون ربيعًا.. أربعون نصرًا

 

 

مسلم بن عوسجة الأسدي.. ليلة كربلاء المهيبة

أحمد فؤاد

أربعون ربيعًا تمر على انطلاقة المقاومة الإسلامية في لبنان ـ حزب الله، ذكرى عزيزة على قلب كل مؤمن بحتمية الانتصار الإلهي، وعلى كل مصدّق بالوعد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وعلى كل من يحلم بيوم خالٍ من الظلم والقهر، في أمة رضعت الظلم والقهر منذ البدايات المبكرة لها.

ولا يجب على الإطلاق قراءة يوم انطلاق المقاومة الإسلامية من العام 1982، وفقط، بل التاريخ الحقيقي للبداية يعود إلى عام 1948، حين اكتسحت العصابات الصهيونية أرض فلسطين العربية، وأطاحت بالجيوش العربية قليلة الكفاءة معدومة العقيدة، والتي حاولت أن تمنع الكارثة، فإذا هي ذاتها الكارثة، وإذا بالأنظمة التي ترزح تحت الاحتلال البريطاني أصل المأساة، وليست مجرد ظل تافه على الأرض لها.

النكبة..

كتب الضابط المصري جمال عبد الناصر، في دفتره الذي أصبح شهيرًا فيما بعد "يوميات الفالوجة": "لقد أدركنا أن معركة فلسطين الحقيقية في القاهرة أولًا". كانت تلك إرهاصات الثورة المصرية الكبرى 1952، بعد أن عاينت نخبة هذا البلد العربي المدى الذي يمكن للملكية والإقطاع إن تذهب بالبلد كله إليه.

الحرب التي كشفت اهتراء كل ما هو واقع تحت ظلال السيطرة الإنجليزية، والتي خلقت طبقة كاملة تحكم وتسيطر أمام وخلف الحراب البريطانية، والبساطة الشديدة التي سمحت أكبر دولة عربية ـ سكانًا ـ بقيام كيان عدو على حدودها المباشرة، دون تنبه للخطر، وأحيانًا ساعدت هذا الكيان من باب الخيبة والجهل، حيث تبرع سعد زغلول الزعيم التاريخي لثورة 1919 بمبلغ ضخم لجمعية صهيونية عقب زلزال ضرب فلسطين! ثم ذهب أحد أهم الأكاديميين المصريين أحمد لطفي السيد إلى حفل افتتاح الجامعة العبرية في القدس، معلنين سقوط الحكم كله في حبائل الشيطان، كانت الطبقة المصرية الحاكمة والنافذة قد رضعت كل عيوب طبقة العمالة للأجنبي، فترة الاحتلال الإنجليزي لمصر، دون أن تملك أي من مزايا أو ارتباط بالبلد وقضاياها.

وهذه بالمناسبة الطبقات ذاتها التي عادت ـ أو أُعيدت قسرًا ـ للحكم في أغلب العواصم العربية، كل ما يهمهم هو الرضا الأميركي والدعم الصهيوني لدى الإعلام الغربي، وهي حذر مشكلة الاقتصاد العربي حاليًا، يمكن ببساطة رد جلّ الأزمات المصنوعة إلى قناعاتهم وتدخلهم وسياساتهم، وهم يرون كما تقول عقيدتهم المصنوعة في واشنطن، أن تركيز الدولة على تقديم الخدمات والتسهيلات لرجال الأعمال والأثرياء، سيدفعهم إلى تركيز جهودهم على الاستثمار طالموا ضمنوا المناخ "السليم" وبالتالي العائد على أموالهم، وأن كل هذا النشاط سينعكس في وقت تالٍ على الطبقات الأقل، وهو ما يعرف بأسلوب تساقط الثمار، أي أن المكاسب الاقتصادية التي تعود بالفائدة بشكل أساسي على الأثرياء / المستثمرين سوف تتدفق وتتساقط على فقراء المجتمع، في شكل فرص اقتصادية جديدة ومستويات معيشة أفضل، وهو طبعًا ما لم يتحقق منذ عقود طويلة، وما لن يتحقق ولو بعد 1000 عام.

محطات..

منذ العام 1948، ومنذ اليوم الأول للنكبة في 15 أيار/ مايو، كان الفعل الصهيوني تقدمًا إلى الأمام، وفي كل تقدم كان يقضم المزيد من مساحات الأرض، ويكسر إرادة القتال لدى أي قوة عربية نظامية، وخلال 4 حروب فقط (1948 – 1956 – 1967 و 1973) دمّر كل جيش عربي حاول الدفاع أو تجرأ على الهجوم، ووقعت مهازل كبرى في إدارة المعارك العربية، يكفي أن نذكر منها مأساة قريبة لا تزال تجلل المنطقة بنتائجها وتوضع على أساس خطوطها معادلات الحركة والاتفاق.

أكبر المعارك التي وقعت بين العرب وبين الكيان الصهيوني، كانت بلا جدال حرب النكسة 1967، هذه الحرب الكبرى بين الصهاينة و3 جيوش عربية لم تستغرق في واقع الأمر أكتر من ساعات معدودة من نهار، وإذا بستائر الليل تنزاح في اليوم التالي على واقع مأساوي، لا زلنا ندفع أثمانه لليوم.

صباح يوم الاثنين الخامس من حزيران/ يونيو 1967، شن سلاح الجو الصهيوني 3 موجات هجومية على كل القواعد الجوية المصرية، الموجة الأولى استهدفت القاذفات الثقيلة في مطارات الصعيد البعيدة، وموجة ثانية لضرب قواعد المقاتلات المتقدمة، ثم موجة ثالثة اكتسحت ما تبقى من حطام، وكل ما كان مصنوعًا من وهم في النفوس.

خلال ساعات قليلة تقررت معركة الشرق الأوسط الكبرى، وأصبح ما تبقى أمام الصهاينة هو تأكيد الانتصار المدوي والكبير، وفي ظل قيادات عسكرية انهارت تمامًا وأضاعت قدرتها على التفكير السليم، كانت المعنويات العربية هي الهدف الأهم التالي لتحطيمها.. وقد تم تحطيمها بالفعل.

وبدلًا من أن يستكمل قادة الجيوش العربية القتال، ولو من باب الدفاع عن شرفهم الشخصي، فإنهم تسابقوا إلى إصدار أوامر انسحاب ممهورة بالعار والعجز، خانوا الوطن وباعوا الأرض وفرطوا في كل عزيز، وحتى فعل القتال للدفاع عن النفس لم تجر ممارسته على الإطلاق، الكل كان يهرب نحو النجاة بروحه وفقط.

ولعل أكثر الشواهد دلالة على ما حدث في هذه الأيام الكئيبة، هو حديث الجنرال المصري سعد الدين الشاذلي، عن نجاحه في 1967، بالهروب بكامل فرقته العسكرية، من القوات الخاصة!! وقيادتهم في الهروب نحو الضفة الغربية لقناة السويس، وكأن ترك الأرض والسلاح أصبح محل فخر وكرامة.

1979.. الشرارة

شرارة واحدة كانت كفيلة بتغيير واقع على امتداد المحيط العربي، سكانًا وجغرافيا، حين قامت الثورة الإسلامية المباركة في إيران، كانت المنطقة على موعدها التاريخي مع "الحل الحسيني"، الحل الآتي من السموات، والذي يكسر ويكنس كل معادلات أهل الأرض وموازين القوى والسوابق التاريخية.

العملاق الذي خرج إلى النور في مثل تلك الأيام منذ أربعين عامًا، لم يكن دخيلًا على المنطقة، وكذلك لم يكن جزءًا شاذًا منها، كان حزب الله هو المطلوب الأول للظرف التاريخي للعالم العربي من أقصاه إلى أقصاه، فعل إيماني جديد مرتبط بجماهيره، يمثلها ويعبر عنها، تحمله ويحمل عنها، وهو النتاج الأعلى للتفاعل بين عموم الناس وقلوبهم والأمين على أمانيهم الكبرى وكرامتهم، ولذلك فإنّ الحزب ـ ومنذ يومه الأول ـ احتوى في أعماقه كل مجتمعه، هو ليس شيئاً هابطاً على المجتمع، بل نابعٌ منه، وأهميته ليست في كونه بعيدًا من الناس، بل في كونه داخلهم وبجوارهم.

دخل الصهيوني إلى لبنان في 1982، لكن واحدًا من أصغر البلدان العربية مساحة وسكانًا تمكن بسلاح جديد من إذاقته الأمرين، وإذا بعملية سلام الجليل تتحول مع السنوات إلى تميمة النهاية لزوال الكيان كله، وإذا بالأنخاب الصهيونية التي كانت تتوقع دخول عاصمة عربية ثانية تفرغ في البطون، ولا يبقى منها في الصباح التالي سوى صداع مستمر وطويل يكوي قلوبهم ويعجزهم عن الفعل.

حزب الله، الذي قدم الفداء للعرب، قدم فوق كل شيء الدرس البليغ للانتصار، كيف حوّل الشهيد بالدم الزكي كل ما حوله إلى قوة قادرة، على الصمود والنصر، كيف صنع هؤلاء الشبان قبل 4 عقود وعيًا وإيمانًا حقيقيًا بقدرتنا على الإنجاز، وكيف استطاعوا القفز فوق أوساخ الخيانة والخيبة والفشل العربي المستمر، وكيف أعادوا دون كثير كلام موقف مسلم بن عوسجة الأسدي ليكون الرد الكامل والأوفى على شيطان العصر الحديث.