kayhan.ir

رمز الخبر: 152163
تأريخ النشر : 2022June15 - 20:24

مشهد العراق السياسي.. ماذا بعد انسحاب الصدر؟

 

عادل الجبوري

لا شك أن تقديم أعضاء الكتلة الصدرية في مجلس النواب العراقي، البالغ عددهم ثلاثة وسبعين نائبا، استقالاتهم على ضوء توجيه زعيم التيار السيد مقتدى الصدر، يعدّ تحولًا مهما في مسارات الحراك السياسي القائم في الساحة العراقية طيلة الشهور الثمانية المنصرمة، التي أعقبت الانتخابات البرلمانية المبكرة في العاشر من شهر تشرين الاول-اكتوبر الماضي.

هذا التحول المهم يرتبط في جانب منه بالثقل العددي الاكبر الذي يمثله التيار الصدري في مجلس النواب، مقارنة بالكتل والكيانات الاخرى، وفي جانب اخر منه يرتبط بالثقل السياسي والجماهيري للتيار وزعيمه في مجمل العملية السياسية، سواء كان مشاركا فيها وطرفا في الحكومة، او معارضا ومقاطعا اياها.

انسحاب التيار الصدري من السلطة التشريعية العليا، وتعويض الاعضاء المستقيلين بأكبر الخاسرين في كل دائرة انتخابية، يعني في ما يعنيه تبدل خارطة البرلمان وتغير في حجوم بعض الكتل، وتحديدا الشيعية منها. وطبيعي ان ذلك يستتبع انبثاق تحالفات واصطفافات جديدة، ربما تمهد الطريق لبلورة الكتلة البرلمانية الاكبر، التي يقع على عاتقها تسمية رئيس الوزراء، وبالتالي كسر الجمود وانهاء حالة الانسداد السياسي. وتذهب المؤشرات الاولية الى ان قوى الاطار التنسيقي معًا او اغلب المستقلين سيشكلون ويعلنون الكتلة البرلمانية الاكبر، هذا اذا لم تحدث مفاجآت على مسرح الاحداث، وقد راح البعض يلمح الى ذلك، ويبني عليه تحليلاته ورؤاه للمرحلة المقبلة.

التحول الآخر المهم نتيجة انسحاب التيار الصدري، هو اختلال موقعية ومحورية التحالف الثلاثي (انقاذ وطن) المؤلف من التيار الصدري (73 نائبا)، وتحالف السيادة بشقيه الحلبوسي والخنجر المكون من حوالي (60 مقعدا)، والحزب الديمقراطي الكردستاني الحائز على (31 مقعدا).

وبينما كان الطرفان الكردي والسني، يسعيان بقوة الى تأمين اغلبية الثلثين لتمرير مرشحهما الكردي لرئاسة الجمهورية، ومن ثم تسمية مرشح الصدر لرئاسة الوزراء، واذا بكل الحسابات تختل والاوراق تختلط بانسحاب التيار، واعلان السيد الصدر أن حلفاءه في تحالف "انقاذ وطن" في حلّ منه، ولهم اتخاذ ما يرونه مناسبا من قرارات.

ولعل الارتباك الأكبر سيكون في دائرة الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي كان يأمل من خلال التحالف الثلاثي وما يمكن ان يضمه من المستقلين، بتمرير مرشحه لرئاسة الجمهورية، وزير الداخلية الحالي في الحكومة المحلية لاقليم كردستان ريبر احمد البارزاني، وبانسحاب الصدريين، ربما تكون امال الديمقراطي بالاستحواذ على رئاسة الجمهورية من قبضة غريمه الاتحاد الوطني الكردستاني قد تبددت بصورة كاملة او شبه كاملة، لا سيما في ظل تحالف واصطفاف الاخير مع الاطار التنسيقي.

وقد لا تكون وطأة الانسحاب الصدري على المكون السني، متمثلا بتحالف الحلبوسي والخنجر، بنفس القدر على المكون الكردي، متمثلا بالحزب الديمقراطي الكردستاني، لان الاول يرى ان حصته في اي تشكيلة حكومية قادمة ستكون مضمونة، فضلا عن انه حصل منذ البداية على رئاسة البرلمان، علما ان هذا الموقع يبدو مهددا وعرضة لرياح التغيير، فيما اذا أعيد ترتيب الاوراق من جديد.

التحول الذي يدخل في باب الفرضيات والاحتمالات أيضًا، هو امكانية الاتجاه نحو حل البرلمان والذهاب الى انتخابات برلمانية مبكرة أخرى. ولا شك انه في حال تبنى السيد الصدر وتياره هذا الخيار، فإن طريقه سيكون سالكا لعدة أسباب، من بينها تجاوز المدد الدستورية لاختيار رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة، وتأييد قوى سياسية ونخب ثقافية ومجتمعية هذا الخيار، وتزايد الضغوط الجماهيرية المطالبة بالاصلاحات ومعالجة الكمّ الكبير من المشاكل والازمات الاقتصادية والحياتية العامة.

مثل ذلك التوجه، يعني أن التيار الصدري سيعوض أو يستبدل حضوره وتأثيره السياسي تحت قبة البرلمان وفي المحافل والاوساط السياسية المعنية بصنع القرارات وتحديد المسارات، بحراك جماهيري واسع يكون بمثابة معارضة شعبية قادرة على فرض خياراتها واولوياتها. وما يؤكد ذلك، هو أنه اوعز الى اعضاء الكتلة الصدرية بالاستقالة، بدلا من المعارضة السياسية-البرلمانية، ولعل هذا ما يدفع قوى الاطار التنسيقي ومعها آخرون الى السعي والتحرك الجاد لابقاء الصدر في دائرة الحراك السياسي من خلال دوره في اختيار رئيس الوزراء والكابينة الوزارية المقبلة، وما يتعلق بمجمل القضايا والملفات الاستراتيجية.

ورغم أن قرار التيار الصدري، أربك عموم المشهد السياسي العام، وأفرح البعض، وأقلق البعض الىخر، وفرض خيارات مختلفة، الا انه لن يكون الفصل الاخير في سيناريو تشكيل الحكومة، ولن يكون بالضرورة بداية لنهاية الانسداد السياسي في البلاد، بيد ان ما هو مؤكد - او شبه مؤكد- ان خيار التصادم والاقتتال الداخلي يبدو مستبعدا وبعيدا الى حد كبير، لان الاوضاع والظروف والمؤثرات الخارجية التي أوجدت وغذت بعضا من أدوات ووسائل الصراع والاقتتال الداخلي في اوقات سابقة، تغيرت كثيرا، وهي اما لم تعد فاعلة أو انها اختفت وتلاشت، دون ان يعني ذلك عدم استمرار سعي بعض السفارات والمراكز والدوائر السياسية الداخلية والخارجية في استغلال الحراك الس ياسي أو حراك الشارع، وتوظيفه بما يخدم مصالحها ويساعد في تنفيذ أجنداتها، لكن من الصعب بمكان -ان لم يكن من المستحيل - ان يكتب لها النجاح بعدما منيت بالفشل الذريع مرات عديدة على امتداد تسعة عشر عاما، حفلت بمختلف عناوين الارهاب والمؤامرات والمشاريع التدميرية واجندات الفتن والخراب والتخريب.