kayhan.ir

رمز الخبر: 151419
تأريخ النشر : 2022May31 - 20:30

انتخابات رئيس المجلس بالأرقام النيابيّة: لبنان ليس بخير

 

 ناصر قنديل

– يتولى الغبار السياسي والضجيج الإعلامي إنتاج عملية خداع بصري لإخفاء ما تقوله الأرقام. فالمعركة الدائرة حول انتخاب رئيس المجلس النيابي بالأرقام النيابية، ليست معركة سيادية ولا إصلاحية ولا تغييرية، رغم المزاعم العالية الصوت، فنحن اليوم أمام مشهد شديد الخطورة يوحي بأزمة في الحياة الوطنية، تهدّد بما هو أعظم. والقضية ليست بفوز الرئيس نبيه بري بالموقع، ولا برمزية عدد الأصوات، والرسائل التي يريد أصحابها توجيهها، أو العناوين التي يتخذونها متاريس لمواقفهم. ففي الحصيلة التي ستكون أمامنا سيكون 50 نائباً من المسلمين من بينهم كل النواب الشيعة، أغلبية كاسحة من النواب الدروز، وأغلبية نسبية من النواب السنة، قد صوّتوا للرئيس بري، وسيكون 50 نائباً من المسيحيين قد حجبوا أصواتهم عن الرئيس بري، وسيكون واضحاً أن النواب المسلمين الذين حجبوا أصواتهم قد انتخب أكثر من نصفهم في كنف الرعاية الأميركية السعودية، بينما أكثر من نصف النواب المسيحيين الذين منحوا أصواتهم للرئيس بري قد انتخبوا في بيئات وفي ظل خيارات تاريخية متجذرة في العروبة عبر البوابة السورية وخيار المقاومة، والأكيد أن هذا الاصطفاف، الذي تغلفه شعارات عالية السقوف بهدف حجب صورته العارية عن العيون، يقول إننا في العام 1982 وليس في العام 2022.

– القضية ليست بالإجابة عن أسئلة من نوع، أليس هناك لدى الشيعة سوى نبيه بري لرئاسة المجلس، أو هل أنت راضٍ عن أداء المجلس النيابي خلال ثلاثة عقود كان بري خلالها رئيساً يتحكم بكل شاردة وواردة فيه. القضية هي في من هم الذين يحجبون أصواتهم عن بري، وهل هم أكثر تجذراً والتزاماً منه في العناوين التي يرفعونها بوجهه؟ وهل هم أقل مسؤولية عن التدهور والانهيار منه؟ فلو كنا أمام مشهد انقسام سياسي بسيط حول الخيارات، بصورة عابرة للطوائف بتوازن معقول، لاختلف كل النقاش، ولو كنا أمام انتخاب يحترم معادلة طالما رفعها الذين يحجبون أصواتهم عن بري اليوم، وهي معادلة احترام نتائج تصويت المكون الطائفي الذي تنتمي إليه الرئاسات، وخرج عنها نواب تغييريون، أو معارضة ديمقراطية جديدة أو تجديدية، لاختلف الأمر أيضاً، وقد ذهب هؤلاء يطلبون قياس قانون الانتخاب لربط النائب وصحة تمثيله بعدد منتخبيه من أبناء طائفته، على قاعدة اعتبار هذا المعيار شرطاً لانتظام الحياة الوطنية، وهم يدركون ما يفعلون إذاً عندما يقرّرون ادارة الظهر لإجماع ناخبي طائفة على نوابها وإجماع نوابها على مرشح وحيد للرئاسة.

– نحن أمام رسالة بؤس الحياة الوطنية وفشل تجربة العيش المشترك، مهما ارتفعت تعويذات الحديث عن الوحدة الوطنية، الا إذا قبلنا أن السيادة والإصلاح والتمدن عناوين مسيحية، والتبعية والفساد والتخلف عناوين إسلامية، بالنسبة نفسها لتوزع الـ 50 صوت نائب مسلم لصالح بري، والـ 50 صوتاً مسيحياً ضده، خصوصاً أن الذين يرفعون معايير السيادة بوجهه، كانوا عام 82 عندما أطلق بري نداء الجهاد وحمل بندقيته بوجه الاجتياح الإسرائيلي، يحتفلون على الدبابات الإسرائيلية، بوصول مرشحهم لرئاسة الجمهورية بقوة الاجتياح ودباباته، والذين يرفعون بوجهه دعوة الإصلاح، يدركون أنهم يستعيرون الدعوة التعجيزية للعلمنة الفورية من الراحلين بيار الجميل وكميل شمعون، وهم يعلمون أن المرجعيات الدينية المسيحية والمسلمة تتكفل بتعطيلها، فتكون المعادلة العلمنة الكاملة او الطائفية الكاملة لتفوز الطائفية الكاملة، وقد خاض بري خلال الثمانينيات في مواجهة شمعون والجميل معركة إلغاء الطائفية، حتى لو أصبح من رعاتها وفقاً لنظرية “عالسكين يا بطيخ”، وبعلم الجميع ان الامتحان الحقيقي للإصلاح ومكافحة الفساد كان ولا يزال وسيبقى في مدى الجرأة على تحرير الشأن العام والوظيفة العامة من القيد الطائفي، الذي يعطل المحاسبة، كما يحدث مع الحماية التي توفرها مراجع روحية عليا اليوم لحاكم مصرف لبنان وترسم حوله خطأ أحمر.

– أما نواب التغيير الذين يبحث بعضهم عن إخراج مناسب لحجب تصويتهم عن بري، فهم يبتكرون نظرية ترشيح غير شيعيّ لرئاسة المجلس، وتلك لا طائفية عندما يقوم بها شيعي وهي قمة الطائفية عندما يقوم بها نائب غير شيعي، لم يجرؤ أن يترشح عن غير مقعد طائفته في دائرته ليضمن وصوله وفق ما يسمح القانون، وبعدما وصل جاء يمارس الفانتازيا والعبث، وهم يعلمون أن من يريد الخروج من الطائفية فليبدأ بقانون انتخاب خارج القيد الطائفي سنكتشف مدى صدق نواب التغيير معه عندما نصل اليه!

– ليس صعباً أن نكتشف أننا أمام انتخابات 1982، وأن التصويت يجري على العيش المشترك وليس على رئاسة المجلس النيابي، ويكفي للتحقق أن نتذكر كيف جمعت حملة لا يشبهوننا متناقضات السياسة في المكوّن الطائفي الواحد، ولولا أن الحرب الأهلية مستحيلة لكان لبنان على أبوابها، لكن من حظنا أن من يريدها لا يقدر عليها ومن يقدر عليها لا يريدها.