محاولات أوروبية لخطف عملية السلام في كاراباخ من روسيا
د. علي دربج
بموازاة العقوبات الشديدة التي تتعرض لها روسيا على مختلف الأصعدة الحيوية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية، يشنّ الغرب حربًا شعواء عليها للحدّ من نفوذها على امتداد مساحة الكرة الأرضية، لا سيما في منطقة القوقاز التي تشهد محاولات لزعزعة علاقاتها بروسيا ومحاولة تأليب دولها على موسكو، كما فعل ويفعل الاتحاد الاوروبي حاليا من خلال تسلله ودخوله على خط عملية السلام بين أذربيجان وارمينيا.
ما علاقة الاتحاد الأوروبي بعملية السلام الاذربيجانية - الارمينية؟
يمكن ملاحظة الدور المتنامي للاتحاد الأوروبي في عملية السلام بين جمهوريتي أذربيجان وأرمينيا في جنوب القوقاز، والذي تجلى مؤخرًا في القمة الثنائية للرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، والذي كان عقد في بروكسل في 6 نيسان/ أبريل الماضي.
تبعًا لذلك شجبت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في 21 نيسان/ أبريل سعي الاتحاد الأوروبي لحشر نفسه في الاتفاقيات الروسية - الأذربيجانية - الأرمنية رفيعة المستوى، والتي يجري العمل عليها والمتعلقة بترسيم حدود الدولة بين أذربيجان وأرمينيا وترميم ممرات النقل الإقليمية.
كما وصفت موسكو عبر زاخاروفا ما تقوم به بروكسل، بالتدخل السافر والوقح للاستيلاء على جدول الأعمال الذي اقترحه في العام الماضي الرؤساء المشاركون لمجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وتضمن حل القضايا الإنسانية العاجلة، فضلا عن إعداد معاهدة سلام بين باكو ويريفان.
من هنا عُدّ تصريح زاخاروفا تعبيرًا عن رفض موسكو واستيائها المتزايد من رفض الغرب التعاون معها داخل "مجموعة مينسك" التي كانت على مدى ما يقرب من ثلاثة عقود المنتدى الرئيسي لعملية السلام.
كيف دخل الاتحاد الأوروبي على هذا الملف؟
انشغال الكرملين بعملياته العسكرية في أوكرانيا واعطاؤه الأولوية لها جاء على حساب القضايا الأخرى نوعا ما، ومن ضمنها الصراع الأذربيجاني - الأرمني حول كاراباخ، ما مكّن الاتحاد الاوروبي من استغلال الانشغال الروسي والتسلل الى هذا الملف للقيام بدور أكثر نشاطًا.
لكن سرعان ما تداركت روسيا الأمر، وعلى هذه الخلفية التقى رئيس الوزراء الارميني باشينيان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو في 19 نيسان/ أبريل الفائت خلال زيارة رسمية مخصصة للاحتفال بالذكرى الثلاثين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. اللافت أن القائدين لم يذكرا في تصريحاتهما أمام الكاميرات، ولا في بيانهما المشترك الذي صدر عقب الاجتماع أي جديد بخصوص عملية كاراباخ للسلام.
وبناء على ذلك، اعتبر العديد من المراقبين في باكو أن الزيارة هي محاولة من موسكو لتقويض جهود السلام التي يحكمها الاتحاد الأوروبي. وقد تعزز هذا الرأي بعد شهر، عندما أصدرت يريفان ردًا من ست مواد على اقتراح باكو السابق المكون من خمس مواد حول كيفية هيكلة معاهدة السلام.
اللافت أن نسخة الردّ الأرمنية تضمنت على وجه التحديد، مطالب متجددة بوضع كاراباخ المنفصل، وهو ما فسره بعض المعلقين الأذربيجانيين على أنه نتيجة لتدخل روسيا والضغط الداخلي من المعارضة الأرمنية المتحالفة مع روسيا.
وغني عن التعريف أن الحكومة الأذربيجانية، رفضت باستمرار منذ نهاية حرب كاراباخ الثانية في العام 2020، منح أي وضع خاص لأراضي كاراباخ التي يسكنها الأرمن. وعلى الرغم من أن باشينيان أثار مسألة وضع كاراباخ حتى قبل زيارته إلى موسكو، إلا أن سلسلة من التطورات منذ ذلك الحين تؤكد أن موقف أرمينيا العنيد يرتبط بعدم رضا الكرملين عن كيفية تشكيل محادثات السلام.
ما هي اجراءات موسكو لتطويق التدخل الأوروبي في كاراباخ؟
في خطوة يراد منها تطويق النفوذ الأوروبي في هذه المنطقة المهمة لموسكو، وجهت روسيا عدة رسائل تحذيرية لكل من أرمينيا وأذربيجان لفرملة اندفاعهما نحو اوروبا، تضمنت تهديدًا مبطنًا بالتلويح باثارة علاقاتهما السرية في المجال البيولوجي مع امريكا، فيما حرصت في ذات الوقت، على تكثيف جهودها لاستعادة موقعها الوسيط المهيمن في عملية السلام بين باكو ويريفان.
وبناء على ذلك، اتهم أمين مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف في 27 نيسان/ أبريل الماضي أرمينيا وأذربيجان، إلى جانب جورجيا وأوكرانيا وأوزبكستان وكازاخستان، باستضافة مختبرات حيوية للولايات المتحدة وأقمارها الصناعية لأغراض عسكرية، تحت ستار البحث العلمي.
وفي حين نفى جهاز أمن الدولة الأذربيجاني اتهامات باتروشيف، لم تصدر يريفان أي اعتراض رسمي. الجدير بالذكر أن أرمينيا كانت قد وقعت عام 2021 مذكرة تفاهم بشأن ضمان السلامة البيولوجية مع روسيا. وفي خطوة يراد منها احتواء غضب روسيا، وخلال زيارة باشينيان إلى موسكو في نيسان/ أبريل، جدد الأخير التزامه بعدم السماح باستخدام أراضيها من قبل دول ثالثة لغرض تنفيذ أنشطة ضد روسيا في مجال السلامة الأحيائية.
وبالتوازي مع ذلك، سعت موسكو إلى إعادة تنشيط مشاركتها في مفاوضات السلام في باكو ويريفان. فعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، منذ قمة باشينيان - علييف في بروكسل، بدأت روسيا اجتماعًا وزاريًا ثلاثيًا (روسيا-أرمينيا-أذربيجان)، وجهدت إلى إعادة إطلاق مجموعة العمل لنواب رئيس الوزراء التي أنشئت في كانون الأول/ ديسمبر 2021، إضافة الى ذلك أعلنت موسكو عن خطط لعقد اجتماع ثان لمنصة التعاون الإقليمي لجنوب القوقاز 3+3 (أرمينيا وأذربيجان وجورجيا، وروسيا وتركيا وإيران).
وتحقيقا لهذه الغاية (وبسبب رفض الولايات المتحدة وفرنسا العمل مع روسيا ضمن مجموعة مينسك)، عينت موسكو إيغور خوفاييف الرئيس المشارك السابق لمجموعة مينسك الروسية، مبعوثا خاصًا لها لتطبيع العلاقات بين أرمينيا وأذربيجان.
وفي 12 أيار/ مايو الجاري، عقد اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث بوساطة روسية في دوشانبيه - عاصمة طاجيكستان، وأفضى هذا الاجتماع الوزاري الثلاثي الى الإعلان عن مجموعتي عمل، إحداهما بشأن إلغاء حظر خطوط النقل بين أرمينيا وأذربيجان والأخرى بشأن ترسيم حدود البلدين.
لكن هنا وقعت المفاجأة بالنسبة لموسكو. وفور انتهاء الاجتماع أعلاه، ذكر الموقع الإخباري الأذربيجاني Haqqin.az ، نقلا عن مصادر سرية، أن باكو لم تعط موافقتها على مناقشة مسألة ممرات النقل وأمن الحدود خلال اجتماع دوشانبيه. ليس هذا فحسب ولم يذكر الموقع بشكل قاطع ما إذا كان اجتماع مجموعة العمل المخطط له سيعقد أم لا. موقف أذربيجان هذا رده البعض الى تدخل اوروبي.
اللافت أن موعد لقاء مجموعة العمل انقضى دون أن يُعقد رغم أن مكتب نائب رئيس الوزراء الأرميني مهر غريغوريان، أعلن أن هذه المجموعات ستجلس في وقت لاحق من هذا الشهر مع تحديد التاريخ في الفترة من 16 إلى 17 أيار/ مايو في موسكو، غير أن الاجتماع لم يعقد، ولهذا دلالات نلخصها في عاملين:
الاول، عدم اكتمال التفاهم المتبادل بين باكو ويريفان، والثاني، الدور الاوروبي التحريضي على روسيا، لسلبها ملف عملية الوساطة التي تقودها بين أذربيجان وارمينيا.
في الختام، يبدو أن "اختطاف" الاتحاد الأوروبي لدور الوساطة في عملية السلام بين أرمينيا وأذربيجان سيستمر في المستقبل إن لم تبادر موسكو الى قلب الموازين، واتخاذ إجراءات حاسمة من شأنها أن تخرج بروكسل نهائيًا من هذا الملف، وإلا فإن الدور سيأتي على كافة الدول التي تخضع للنفوذ الروسي.