الكيان العبري وهاجس تهديد النووي والسكين
محمد جرادات
عندما يتريث الأميركي في توقيع مسودة الاتفاق النووي مع إيران، رغم أنها جاهزة بحسب ما أعلن الروسي، ثم يستقبل غانتس، بعد مشاركة قائد القيادة المركزية الأميركية، في مناورات "مركبات النار"، فإن ذلك يعني، محاولة أخيرة لليّ ذراع إيران في الساعة الأخيرة للاتفاق.
استبق وزير الحرب الإسرائيلي؛ بيني غانتس، زيارته لواشنطن بالتحذير مما أسماه "تهديد السكين والنووي من جنين حتى أصفهان"، في تسليط رمزي مكثف على منابع القوة المعادية، وقد بدا من الطبيعيّ أن يشير غانتس إلى التهديد الإيراني، وهو في مستهل زيارة حاسمة لواشنطن، على أعتاب أضخم مناورات عسكرية استراتيجية، والتي أُطلق عليها اسم "مركبات النار" في استعارة خادعة من التراث الديني اليهودي، وإن في سياق تراثي هجومي، بإسقاط ظاهره دفاعيّ، ضد تهديد خارجيّ، في مناورات مستمرة منذ التاسع من أيار/مايو حتى الثاني من حزيران/يونيو، ليكون ختامها محاكاة ضربات جوية مكثفة ضد المفاعل النووي الإيراني، بمشاركة أميركية.
وكان من غير الطبيعي، أو غير المتوقع؛ هذا الربط بين جنين كمدينة فلسطينية صغيرة تخضع للاحتلال منذ عام 1967، وبين ثاني مدن إيران التاريخية؛ أصفهان كحاضن لمفاعل نطنز النووي، وبما تمثله من موقع تاريخي، وربما من رمزية دينية في الموروث اليهودي، رغم ما كان لجنين بمخيمها وريفها، وما زال، من تصدّر للمقاومة في كل مفاصلها التاريخية، خاصة منذ عملية حومش على يد شباب الريف الجنيني في السيلة الحارثية، وما تبعها من نسف جماعي لبيوتها، وفزعة جنين بكتيبتها وما وقع من مجابهات في شوارعها، حتى قتل عقيد وحدة اليمام الإسرائيلية الخاصة، مروراً بعمليات شعبان ورمضان الأخيرة، تتصدرها عمليات تل أبيب الثلاثة التي أوقعت مع غيرها أكثر من عشرين قتيلاً إسرائيلياً، في مقابل أربعين شهيداً فلسطينياً معظمهم من منطقة جنين.
رمزية الربط بين جنين وإيران، سبق أن ظهرت، عند وفاة الإمام الخميني سنة 1989، منذ ما يزيد على عقود ثلاثة، في ذروة انتفاضة الحجارة، وقد عبّرت طليعة من جنين عن حزنها لهذا الرحيل، فأقامت في ريفها، وتحديداً في السيلة الحارثية عرضاً شبابيّاً ملثماً عبر سرايا رمزية، في مشهد مهيب، ولكنه نادر في ذلك التوقيت، وقد ارتفعت فيه صور الخميني وشعاراته، وما زاده مهابة، اقتحام "جيش" الاحتلال للبلدة، وتحوّل العرض إلى مواجهة شعبية عنيفة، امتزجت فيها ندرة المشهد بمجمل تحولات مستقبلية، أسّس لها بكل عفوية وزخم فكري يصعب تفسيره في ذلك الوقت.
جاء إبعاد الشهيد فتحي الشقاقي عن الوطن، وهو الذي سبق له أن زرع بذور الجهاد الإسلامي في جنين، بما أمكن ترجمة تلك الرؤية وما أبصرته من ربط بشكل مبكّر، بين جنين وإيران، لتحوّله اليوم إلى تهديد فاعل للكيان، وما هي إلا أشهر حتى زار الشقاقي طهران، وكان في بعض جعبته شريط فيديو غير مألوف، وهو يحتفظ بمشاهد مؤثرة لهذا العرض الجنينيّ، ليتم عرضه في مهرجان كبير بحضور قادة ومفكرين مثل هاشمي رفسنجاني والسيد محمد حسين فضل الله، وقد أطلق المهرجان على جنين اسم "طهران الصغرى".
أصفهان أو طهران الصغرى، لا فرق عند الربط مع جنين. يقول غانتس في كلمة له بجامعة "ريخمان" في أول مستوطنة عبرية أقيمت تاريخياً "هرتسيليا" إن أمام إيران أسابيع قليلة لتكديس مواد انشطارية تكفي لصنع أول قنبلة نووية، وأنها تبذل حالياً جهداً لاستكمال إنتاج وتركيب 1000 جهاز طرد مركزي متقدم من نوع IR6، في موقع تحت الأرض بالقرب من نطنز، ولفت إلى أن "ثمن إيقاف إيران حالياً سيكون أقل من ثمن إيقافها بعد عام".
قنبلة إيران النووية وهي تتهيأ للجاهزية، بحسب غانتس، يوازيها سكين جنين المغروز في خاصرة الكيان، على مسافة 7كم من مطار العفولة العسكري، وقد اتخذ غانتس قراراً، سبق أن ألحّ عليه إعلاميون إسرائيليون، بتفعيل سلاح الجوّ مع كتيبة جنين، ما دامت أذرع الأمن قادرة على توفير ترددات تحرّك سرايا هذه الكتيبة، وهي سرايا تقاتل في ميدان مكشوف، أسفل جبل الجابريات الخاضع للسيطرة الإسرائيلية الميدانية عملياً، ولا يحجب هذا الميدان عن سلاح الجو سواء كان طيراناً حربياً كالإف 16، أو مروحيات أباتشي أو حتى مسيّرات، سوى بضعة أزقة في المخيم، يضطر فيها المقاتلون للخروج منها لمواجهة اقتحامات "الجيش" في المناطق المحاذية، بما يؤدي إلى نجاح الطيران في اقتناصهم.
وعندما يتريث الأميركي في توقيع مسودة الاتفاق النووي مع إيران، رغم أنها جاهزة بحسب ما أعلن الروسي، ثم يستقبل غانتس، بعد مشاركة قائد القيادة المركزية الأميركية، في مناورات "مركبات النار"، والتي تتضمن محاكاة عملية تزويد أميركي للطيران الإسرائيلي بالوقود جواً، وهو يقصف مفاعل نطنز، فإن ذلك يعني، محاولة أخيرة لليّ ذراع إيران في الساعة الأخيرة للاتفاق، أو في بعض بنوده الإشكالية كمشروعية حرس الثورة في إيران، أو نفوذ إيران الإقليمي في سوريا ولبنان، والأهم غزة، وربما جنين، وهنا كلمة السرّ، وربما ليّ ذراع إيران عبر تدمير مفاعلها النووي، بشكل خاطف، وهو ما عبّر عنه كوخافي، في أهداف المناورة الأربعة، بتحقيق النصر عبر الضربة الخاطفة، وهو ما يبدو محتملاً في ضوء تأزّم الوضع في أوروبا، عبر سياسة الهروب الأميركي نحو الأمام.
تفعيل خط جنين أصفهان، في استراتيجية محور القدس، والذي انعكس بصيغة تهديد في العقل الإسرائيلي، يمكنه أن يتجاوز مجمل أهداف "مركبات النار"، عبر ترسيخ مفاعيل القوة، خاصة إذا استطاع الإيراني كبح جماح الاندفاع الإسرائيلي، أو إفشال محاولته ضرب المفاعل، بموازاة مواصلة جنين مقاومتها، عبر تعزيز الأداء الميداني، وتعميم ظاهرتها ولو شمالاً بالحد الأدنى، بما يجبر الإسرائيلي على الانكفاء نحو الخلف، وصولاً إلى ما حذر منه غانتس ذاته، من أن "مستقبل إسرائيل يمكن أن ينتهي بين غديرا والخضيرة".