أينما وُجِد ابن سلمان وجد الفشل: ما بعد الفوز المبين لحلف المقاومة
ايهاب زكي
لم تكن الأربع والعشرون ساعة التالية ليوم الاقتراع في لبنان، سوى جزء لا يتجزأ من الدعاية الانتخابية، أو بالأحرى من الحرب الأمريكية على حزب المقاومة وحِلفه، فقد تم استغلال نتائج الفرز الأولية بطرقٍ ملتوية وأشكالٍ قسرية، وكان الإعلام المعادي في حالٍ من النشوة الكاذبة، شكلت خريطة واضحة ودقيقة لدماغه المتضامر، حيث إنّ إعلام النفط وأتباعه من الإعلام الطافح أينما قلّبت التلفاز أو الهاتف، بدأ احتفالاتٍ بما أسماه زورًا "هزيمة المقاومة وحلفائها"، و"نصرٍا" زائفًا لأتباعه مشفوعاً بمشاريعهم المستقبلية، وهي مشاريع تستهدف الإقصاء والإلغاء، فلا شراكات وطنية ولا عيشٌ مشترك.
إنّ السفير السعودي لم يكن يغدق المال على أتباع المشاريع الأمريكية الصهيونية في الانتخابات، لمجرد أنّ لديه فائضاً من صُرر الدنانير، أو لأنّه معجب بأسلوب العيش اللبناني، بل هي رغبات شينكر وإدارته، والذي كان واضحاً وصريحاً، في التعبير عن خليته السياسية والإعلامية لمواجهة حلف المقاومة، بعكس أعضاء تلك الخلية الذين لا زالوا في حالة إنكار وإصرار، على أنّ محركهم الوحيد، هو "الأرتيكاريا" السيادية أو انتبار الاستقلالية.
والسفير السعودي على دين ملوكه، يظنّ كل الظنّ أنّ المال هو اللسان لمن أراد فصاحةً، وهو السلاح لمن أراد قتالًا، ويؤمن متيقناً، أنّه طالما يمتلك صُرر الدنانير، يستطيع شراء كل شيء من كل مكان وفي أيّ زمان، ولكن لدين ملوكه وجه آخر، وهو يعتنقه قطعاً، ألا وهو الفشل المزمن، فأينما وجد ابن سلمان وجد الفشل، وأحد أهم أسباب الفشل، أنّ المال لا يستقطب سوى الموقوذة والمتردية والنطيحة، فالمال لا يصنع أوطاناً، ولا يؤلف حلفاء، إنّما يشتري عبيداً، أو يختار أسياداً.
قياساً على ما قاله النائب محمد رعد للخصوم "نقبل بهم خصوماً في المجلس النيابي، ولكن لا نقبل بهم دروعاً للصهاينة والأمريكيين"، نستطيع القول إنّها ستكون أربعاً من السنين العجاف على المستوى السياسي، لأنّ من دفع المال، لن يكتفي بالنتائج إنّ كانت فوزاً أو خسارة، حيث الهدف ليس كسباً للمقاعد.
بعد جلاء الحقيقة وتبيان زيف الانتصارات الوهمية، حققت المقاومة وحلفها فوزًا ساحقًا بحصولها على أكبر نسبة تصويت في لبنان، وأمام هذه الحقيقة الصادمة للمحور الخاصم، سيعمل الفريق الأميركي - السعودي على اتباع سياسة المناكفات السياسية مع استفزازات شعبية، ولن يتوقف تسعير الحقد وتعظيم الشروخ بين المكونات اللبنانية بكل السُّبل.
يمتاز حزب الله بعقيدة ثابتة، فحواها العيش المشترك واستحالة أن يحكم لبنان طرفٌ منفرد، بغض النظر إن كان حلفاً سياسياً أو طائفياً، وهذا يدفعه بكل الحرص على تشكيل حكومات وحدة وطنية، ويتجنب حكومات اللون الواحد ما استطاع لذلك سبيلاً، وهذا على العكس تماماً من الأطراف التي تتغزل بالإقصاء والإلغاء، رغم أنّ حجمها السياسي أو النيابي لا يؤهلها لذلك، وعليه سيكون تشكيل الحكومة أول استحقاقٍ بعد صدور النتائج الرسمية، وسيكون ذلك اختباراً لنوايا الذين أسماهم النائب محمد رعد بالخصوم، وهل سيكونون خصوماً أم دروعاً؟
رغم أنّ كل تأخيرٍ في تشكيل الحكومة، سيتم تحميل مسؤوليته لحزب الله وسلاح حزب الله، فإنّ حزب الله سيظل رافعاً شعار الشراكة الوطنية والعيش المشترك، وسيظل الأحرص على الدم اللبناني لأنّه المؤتمن، ولكن هذا الحرص هو ما سيكون في عين العاصفة، حيث لن تهدأ ماكينة الأموال عن الضخ، للوصول لمرحلةٍ لا يطيق معها الحزب صبراً، ولكن الحزب كما قال أيضاً النائب محمد رعد "متسامحون جداً لكننا أقوياء جداً"، أيّ أنّ صبر الحزب بلا حدود، ما خلا تجاوز الخطوط الحمراء.
وهي ليست خطوطاً حمراء في وجه الدولة اللبنانية أو الأحزاب اللبنانية أو الشعب اللبناني، بل في وجه من يريد تسخير كل ذلك لخدمة الأهداف الصهيونية، وفي وجه من يريد أن يكون درعاً للعدوانية الصهيونية الأمريكية.
وفي النهاية فإنّ ما ثبت بالقطع قبل صدور النتائج الرسمية والنهائية، هو أنّ جمهور المقاومة كان في المكان الصحيح، وأنّ كل ما أُهرق من مليارات وجهدٍ وكذب ودعاية وشيطنة، لم يفتّ في عضده، بل كانت بصيرته هي المحرك لا سفسطات الإعلام، ولا غبائيات الإعلاميين النفطيين والنفطيات، إنّه الجمهور الذي ختم بالدم على قول أمينه العام، سنكون حيث يجب أن نكون.