إسرائيل تسرع النهاية.. الدولة والمجتمع امام سؤال المصير
كمال خلف
تابع العالم كله يوم امس بحزن واستنكار جريمة اغتيال مراسلة قناة الجزيرة في فلسطين المحتلة الزميلة “شيرين أبو عاقلة”، صحيح ان هذه الجريمة هي جزء من مسلسل القتل والاجرام اليومي الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني على مدار 74عاما، الا ان الجرائم الإسرائيلية في هذه الفترة تعكس حالة القلق والارتباك وضعف القرار، وتردد القادة السياسيين والعسكريين.
من الواضح ان الجريمة الأخيرة بحق الزميلة “أبو عاقلة” كشفت ان ثمة فوضى وارتجال وعبث في صفوف الجيش الإسرائيلي، وان مركزية القرار العسكري والأمني على الأجهزة والجنود وعناصر الامن في إسرائيل في اضعف وضع لها منذ إقامة إسرائيل عام 48.
اغلب الخبراء والمعلقين الإسرائيليين يتحدثون عن ضعف الحكومة الحالية برئاسة “نفتالي بينت” وهذا دقيق، لكنهم يغفلون مسالة أساسية وهي ان النخبة السياسية الحالية في إسرائيل لا تستطيع انتاج حكومة افضل . وان صفة الضعف ليست على قياس الحكومة، وانما مرض بدات تظهر اعراضه على الدولة ككل.
ثمة ازمة قيادة يمكن تشخصيها في دولة الاحتلال، فالقادة المؤسسون الذين اقاموا الدولة على جماجم واشلاء الشعب الفلسطيني وضمنوا بقاء إسرائيل بالقوة العسكرية والامن والقتل والاغتيال والتدمير والدعم الغربي الغير محدود . ” بن غوريون و حاييم وايزمن ، وشمعون بيريز، ورابين، وشارون، وغولدامئير وغيرهم من الجيل الأول لقيام إسرائيل كلهم غادروا الحياة. والان يتولى المهمة قادة الجيل الثاني من طراز نتفالي بينت، هؤلاء وان ورثوا سياسية البطش والقتل كمنهاج لبقاء الدولة واستمرارها، الا انهم اخذوا الوصفة وباتوا يطبقونها على طريقة الفيلسوف الروسي “ايفان بافولف” في نظرية الاستجابة الشرطية “عندما يدق الجرس يسيل لعاب الكلب” سواء كان الطعام موجودا او غير موجود”. بمعنى انهم ورثوا نهج القتل أسلوب بقاء وفرض إرادة، وبقوا يمارسونه كما هو دون دراسة واقعية لمتغيرات المحيط والبيئة الداخلية والخارجية السياسية والعسكرية.
احتلت إسرائيل مدن وبلدات فلسطينية عام 48 ، وأعلنت اول معقل لدولتها هناك، قبل اجتياحها كامل الجغرافية الفلسطينية 67 . و قامت في مرحلة الاحتلال الأولى لاراضي 48 بارتكاب المجازر وهجرت اغلب سكان تلك المناطق من الفلسطينيين، والباقي جعلت منهم مواطنين درجة ثانية في الدولة الوليدة، واطقت عليهم عرب إسرائيل. وكان الهدف دمج تلك الاعداد في الدولة وبعد عدة أجيال سيصبحون مواطنين إسرائيليين لا علاقة لهم ببقية أجزاء الوطن والشعب. لكن كيف هو الحال اليوم؟
مقال كتبه صحيفة “يديعوت احرنوت” امس الجنرال أفيغدور كهلاني وزير الأمن الداخلي الأسبق ورئيس حزب الطريق الثالث، فيه بعض الإجابات عن الحال اليوم في المدن المحتلة عام 48 . يقول الجنرال ” أن “إسرائيل على مر السنين وجدت إجابات أمنية للتحديات الخارجية، لكن الوضع في الداخل مقلق، فقد أصبحت العديد من مساحات مناطق النقب خارجة عن سيطرة الدولة، كما هو الحال في مناطق أخرى، والسفر في طرقها بات خطيرا على الإسرائيليين، لأنهم يخافون من رشق الحجارة، ويهربون، كما يتم إحراق أعلام إسرائيل في المظاهرات التي تشهدها القرى العربية داخل الدولة”.
وأضاف أن “المسؤولية تتجاوز الشرطة والجيش وأجهزة الأمن حتى تصل الحكومة ذاتها، التي بات عليها أن تبني مفهوما أمنيا جديدا يتناسب مع التهديدات الحالية، ومن خلال ذلك تعد خطة أمنية، وإلا فإني أتوقع من اليوم أن يتم تشكيل لجنة تحقيق مستقبلية لفحص الصدمة التي قد يمر بها الإسرائيليون في المستقبل، وحينها سيتم توجيه اللوم لجملة المسؤولين عن فشل السياسة الإسرائيلية في النقب، مع العلم أن عناوين هذا الفشل مكتوبة بأحرف ضخمة على الحائط، لكن أياً منهم لا يريد قراءتها”. ما يقوله الجنرال الإسرائيلي هو جزء من صورة اشمل واعمق بين الفلسطينيين داخل 48.
اما قطاع غزة فقد انسحبت منه إسرائيل عنوة ، الا انها خططت ليكون سجن كبير من خلال محاصرته برا وبحرا ، ما يحوله الى جغرافية بائسة للجوع والفقر والعوز. كانت سياسية قائمة على العقاب الجماعي، والموت البطيء. لكن كيف هو الحال اليوم؟. بات قطاع غزة يملك مفاتيح المعادلة ، وتنامت قدرات المقاومة فيه ووصلت صواريخها الى تل ابيب ومطار بن غوريون ومطار رامون. وفرضت العام الماضي معادلة حماية المسجد الأقصى من خلال خوضها معركة سيف القدس. تحولت غزة الان الى ازمة كبيرة لإسرائيل وبات تاثيرها يتجاوز حدود القطاع نحو كل فلسطين. فشل المخطط الذي رسمه ساسة إسرائيل لمستقبل القطاع وأهله ، ومازالت إسرائيل تراكم الفشل حيال غزة.
في الضفة الغربية جربت إسرائيل كل سياسات التخدير والتدجين والإرهاب ، ربطت اقتصاد الضفة ولقمة عيش أهلها بالاقتصاد والقرار الإسرائيلي ، سخرت أجهزة السلطة الفلسطينية لحماية امنها ، قضمت أجزاء كبيرة من الضفة لبناء المستوطنات ، قطعت اوصال المدن والقرى وشقت الطرق الالتفافية الخاصة بالمستوطنين بالاستيلاء على أراضي الفلسطينيين، اضطرت رغم ذلك الى اجتياح الضفة بالكامل عام 2002 ، ثم بنت جدار الفصل العنصري . وماذا كانت نتيجة كل ذلك ؟ يقول قادة إسرائيل اليوم ان الأوضاع نتيجة العمليات الفدائية عادت الى سنة 1996. بمعنى اخر، كل تلك الإجراءات التعسفية الظالمة انتهت بالفشل ، وعادت الضفة الى العمل المقاوم .
في المحيط العربي تعتبر إسرائيل بانها أنجزت صفقات تاريخية من خلال ” اتفاقات ابراهام ” ، لكنها سرعان ما سوف تصدم بان المحيط ليس تلك الدول الصغيرة التي تبذل جهود الان لكسب ود ايران ، وتكرر التأكيد لقادتها بان الاتفاقات مع إسرائيل لن تكون موجه ضدها . انما المحيط الحقيقي تلك القوى في محور المقاومة التي تستعد يوميا للمواجهة المقبلة .
إسرائيل ستواصل سياسة القتل ، والتطرف ، والعدوان ، والاحتلال ، واستعمال القوة المفرطة ، ولن تراجع نتائج تلك السياسات الفاشلة ، لان قادتها الان ورثوا هذا النهج من اسلافهم منذ التأسيس . وهي الان غير مدركة بان كل عدوان يزيد من مأزقها ، وكل مجزرة وحشية تسرع في نهايتها .
هواجس وتحذيرات رئيس الحكومة الأسبق “ايهود باراك” في مقاله قبل أيام عن نهاية إسرائيل في عقدها الثامن في محلها . فهم يسيرون الى النهاية وعيونهم مفتوحة ، بل يهرولون اليها .