اللاجئون.. ورقة أردوغان لقضم الشمالي السوري
د. علي دربج
بعد حوالي عقد على تصدّر تركيا رأس الحربة في المؤامرة الكونية على سوريا من خلال فتح أبوابها ومطاراتها وحدودها لوحوش وعتاة الارهاب في العالم، وتقديم جميع التسهيلات لهم لسفك دماء السوريين وتهجيرهم، إضافة الى تدخلها العسكري المباشر في بعض المناطق لدعم الجماعات الارهابية خصوصًا "جبهة النصرة"، بدأت مخططات أنقرة القديمة الجديدة للاستيلاء على مناطق شمال سوريا - وتثبيت سيطرتها عليها في محاولة لفرض أمر واقع يتماشى مع أهدافها التوسعية - بالظهور مؤخرًا على الأرض السورية بشكل واضح وعلني.
في الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن توسع كبير في خطة بلاده لجذب النازحين من الحرب الأهلية السورية للعودة إلى وطنهم من خلال بناء منازل لهم (مع بناها التحتية) في سوريا بالقرب من الحدود التركية، كمرحلة أولى. فيما المرحلة الثانية بقيت مكتومة، وهي تشمل بحسب مسؤوليين غربيين، تجنيسهم واعتبارهم مواطنين تابعين للحكومة التركية يتمتعون بالحماية والحصانة أسوة بنظرائهم الأتراك.
على أن اللافت في هذه الخطوة التركية، هي أن المنازل التي جرى انشاؤها في شمال سوريا، ليست خشبية (جاهزة) كما يظن البعض، بل مبنية بالطوب، فضلًا عن أنها مخصصة للاجئين العائدين الذين كانوا يعيشون في تركيا، وهذا يعني أن الاقامة أبدية، وليست مؤقتة.
ما هو عدد المنازل التي بنتها تركيا شمال سوريا؟
في الحقيقة، يعتبر هذا البرنامج امتدادًا لسياسة تركيا الأولى، حيث تعمدت اظهار نفسها كبلد مضيف للنازحين السوريين، أكثر من أي بلد آخر.
وتبعًا لهذه السياسة، أنهت انقرة خلال الأيام القليلة الماضية بناء أكثر من 57 ألف منزل من أصل 77 ألف منزل مخطط لها في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا، وهي تضم الآن 50 ألف عائلة. اللافت أن هذا العدد سيرتفع في المستقبل إلى 100 ألف منزل، وسيتم البدء في مشروع جديد لبناء منازل كافية لمليون لاجئ سوري إضافي للانتقال إلى أجزاء أخرى من شمال سوريا حيث تسيطر تركيا.
كيف حولت تركيا النازحين السوريين الى ورقة ضغط لتحصيل المليارات من اوروبا؟
استنادًا لاحصاءات الأمم المتحدة، ومنذ بدء الحرب على سوريا عام 2011، لجأ أكثر من 5.7 مليون سوري إلى الخارج، فيما استقر حوالي 3.7 مليون منهم في تركيا، نظرًا لسهولة عبور حدودها الطويلة مع سوريا، وسياسة الباب المفتوح التي انتهجها أردوغان وأغرت السوريين بالقدوم الى تركيا.
استغلت الحكومة التركية محنة اللاجئين ووجودهم على أراضيها كورقة ضغط على الاتحاد الاوروبي الذي رضخ لابتزاز اردوغان وتهديده بإطلاق آلاف النازحين السوريين عبر البحر الى أوروبا مما اضطر الاتحاد لدفع مليارات الدولارات لتركيا لمساعدتها في إيواء المهجرين، مقابل أن يوقف الرئيس أردوغان تدفقهم عبر البحر.
ماذا عن أعداد النازحين العائدين الى ديارهم؟
عدد اللاجئين الذين عادوا إلى سوريا غير واضح. تقول تركيا إن 500 ألف شخص عادوا منذ عام 2016. بينما أوضح متحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين "إنها سجلت نحو 130 ألف عودة طوعية في الفترة نفسها". ورغم الهدوء الذي يسود في مختلف المناطق السورية وتراجع زخم المعارك، غير أن العدد الإجمالي للاجئين السوريين في الخارج لم يتغير بشكل كبير، حسبما تظهر أرقام الأمم المتحدة.
ما هو موقف الشعب التركي والمعارضة من مخطط اردوغان؟
تزامن إعلان أردوغان بناء المنازل للنازحين السوريين، مع الأزمة الاقتصادية الخطيرة التي تضرب تركيا، الأمر الذي أشعل غضبًا واسعًا تجاه عدد كبير من النازحين.
ليس هذا فحسب، انعكس هذا الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي التركية، التي ضجت بمنشورات تضمنت لهجة معادية بشكل صريح وواضح لوجود الأجانب الذين يرفعون أعلام بلادهم في المدن التركية "ويستمتعون بخيرات انقرة، بينما يكافح الأتراك لتحصيل متطلباتهم اليومية". وما فاقم غضب الأتراك أكثر هو الخوف مما اسموه "تغيير النازحين للنسيج الثقافي لتركيا".
علاوة على ذلك، في البداية، كان النازحون من سوريا يعتبرون مؤقتين، كضيوف أعرب المواطنون الأتراك عن تضامنهم معهم، لكن بحسب الخبراء، فإن المواطنين الأتراك حاليا، لا يريدون مشاركة مستقبلهم مع السوريين، فهم منزعجون جدا منهم ويريدون حقا أن يعودوا.
وعلى خط مواز، وجّه المعارضون السياسيون انتقادات شديدة لخطة الرئيس التركي، وفي هذا الصدد كتب رئيس "حزب الشعب الجمهوري" كمال كيليجدار أوغلو في تغريدة على "تويتر": "أردوغان، اترك هذه القصص، لا يزال الهاربون يتدفقون من الحدود. لقد سئمنا من أكاذيبكم".
قد يؤدي تصاعد الرفض التركي للنازحين السوريين الى زيادة الضغط عليهم ويدفعهم للمغادرة بسبب المشاعر المعادية لهم التي تشهدها تركيا هذه الأيام. وانطلاقا من هذه النقطة، وفي محاولة لاثارة الغرائز القومية التركية وتعزيزها ضد النازحين السوريين، نُشر مقطع فيديو مدته تسع دقائق على موقع "يوتيوب" بعنوان "الاحتلال الصامت" يصور مستقبلًا بائسًا حيث اسطنبول مهدمة ومليئة بالجريمة، ويتم طرد الأتراك من أحيائهم من قبل وكلاء عقارات عرب. كما يتضمن الفيديو مشاهد تمثيلية هادفة لجرّاح تركي يعمل كبواب في مستشفى يحظر اللغة التركية.
ما يجدر التوقف عنده جيدًا، هو أن تسجيل هذا الفيديو تم بتكليف من عضو البرلمان اليميني المتطرف المعروف بخطابه الحاد المناهض للاجئين "أوميت أوزداغ"، وخلال ليلة واحدة شوهد الفيديو أكثر من 2.6 مليون مرة.
في المحصلة، فإن ما عجز أردوغان عن تحصيله عبر القوة العسكرية المباشرة، يسعى لتحقيقه عبر جعل النازحين السوريين حصان طروادة لوضع يده على شمال سوريا وضمها الى الأراضي التركية، تحقيقًا لحلم استعادة "أمجاد الامبراطورية العثمانية".