عملية إلعاد النوعية تهزّ كيان العدو وتؤكد جملة حقائق ودلالات
حسن حردان
جاءت عملية إلعاد البطولية والنوعية في الزمان والمكان اللذين نفذت فيهما، والنجاح في تحقيق أهدافها بقتل ثلاثة صهاينة بينهم حارس أمن ورجل شرطة، وإصابة أربعة آخرين بجراح بين حرجة وخطيرة، جاءت لتصدم كيان العدو من رأسه حتى أخمص قدميه، وتكسر مجدّداً شوكته وتسقط عنجهيته وهيبة اجهزته الامنية، خصوصا أنّ العملية حصلت في ذروة الاستنفار والتأهّب الأمني الصهيوني المترافق مع الإغلاق الشامل لضمان الأمن لاحتفالات الصهاينة بذكرى نكبة فلسطين، وإعلان قيام كيانهم المحتلّ عام 1948.. وتمادي الصهاينة وقوات الاحتلال في اعتداءاتهم على المسجد الأقصى، ومحاولة فرض تقسيم زماني ومكاني فيه، على غرار ما فعلوا في الحرم الابراهيمي في الخليل…
فالعملية الفدائية الجديدة أكدت جملة من الحقائق والدلالات الهامة:
أولاً على صعيد الحقائق:
1 ـ انّ هذه العملية هي السابعة من نوعها التي تحصل، في غضون شهر ونصف الشهر، في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، واستهدفت مناطق العمق الصهيوني، مما يؤشر إلى مستوى جديد غير مسبوق في تواتر العمليات الفدائية التي توصف «إسرائيلياً» بالعمليات المنفردة التي لا تنفذها أو تقوم بالإعداد لها فصائل المقاومة المعروفة، وإنما أفراد لا يتنمون إلى تنظيمات يتخذون قراراتهم من تلقاء أنفسهم فيخططون ويستطلعون ويختارون الهدف وينفذون عملياتهم من دون أن يعرف احد غيرهم بذلك، مما يؤمّن السرية التامة لعملياتهم ويضمن نجاحها ويحول دون ايّ تسرب أو إنذار لأجهزة أمن العدو بحصولها.. مما يربك أجهزة أمن العدو ويجعلها في حالة من الضياع والتخبط والهستيريا…
2 ـ انّ تواتر مثل هذه العمليات يؤشر إلى نمط جديد في المقاومة ضدّ الاحتلال والمستوطنين استهدى عليه شباب فلسطين للردّ على عمليات القمع والإرهاب والاغتيالات والاعتداءات والجرائم الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني وحقوقه في أرضه ووطنه.
3 ـ انّ أهمية هذه العمليات إنما تكمن ليس فقط في نجاحها، بل وفي الأثر الذي تحدثه على صعيدين:
الأول، جعل أمن واستقرار كيان العدو في حالة من الاهتزاز المستمرّ، وإفقاد المستوطنين الصهاينة الإحساس بنعمة الأمان وجعلهم يدفعون ثمن احتلالهم وسرقتهم لأراضي وحقوق الشعب الفلسطيني واعتداءاتهم على مقدساته..
وفي هذا السياق عبّر رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت عن المخاوف «الإسرائيلية» من ازدياد هذه العمليات، لافتاً إلى أنّ منفذي العملية «خرجوا في حملة قتلنا، وهدفهم كسر روحنا».
ونقلت وسائل إعلام «إسرائيلية» عن مدير عام جمعية «بيتٌ دافئ» الحاخام آريِه مونك، قوله إنّ «الذعر كان كبيراً جداً»، معتبراً أنّ «إلعاد دخلت إلى دائرة عدم أمان وخوف كبير.»
الثاني، استنهاض الشارعين الفلسطيني والعربي وإحباط مخططات تصفية القضية والقفز فوقها ومحاولات طمسها، وإعادتها إلى واجهة وصدارة الأحداث كقضية أولى في الصراع ضدّ الاحتلال والاستعمار، والتأكيد بأنّ المقاومة قادرة على كسر جبروت العدو وتحطيم أسطورته الأمنية ومنع الاحتلال من الاستقرار في احتلاله، وانّ المقاومة تزداد وتتأجّج كلما اشتدّ التآمر عليها، لأنها تنطلق من إرادة الشعب ولا تأخذ إذناً من أحد..
ثانيا، على صعيد الدلالات:
1 ـ تطور في أداء المقاومين… فإلى جانب نجاحهم في التخطيط والاستطلاع واختيار الهدف والتنفيذ، نجحوا أيضاً في الانسحاب والتواري عن الأنظار على الرغم من حجم الاستنفار الأمني الصهيوني ونشر الحواجز…
2 ـ اختيار مستوطنة إلعاد لم يكن مصادفة وإنما لكونها يقطنها مستوطنون متشدّدون متزمتون يشاركون في الاعتداءات على المسجد الأقصى وعلى المواطنين الفلسطينيين في القدس المحتلة…
3 ـ تأكيد بأنه مهما اتخذت سلطات الاحتلال من إجراءات أمنية لن تستطيع الحيلولة دون حصول المزيد من العمليات الفدائية، وانّ الاحتلال والإرهاب لا يولّد سوى المزيد من تصاعد عمليات المقاومة وتجذرها في نفوس شباب فلسطين…
4 ـ تزامن العملية مع ذكرى النكبة الفلسطينية ومسيرات العودة في القرى والبلدات المهجرة في الأراضي المحتلة عام 48 إنما هو دليل قويّ على أنه رغم مرور أربعة وسبعين عاماً على نكبة فلسطين فإنّ شباب فلسطين لم يتخلوا عن مواصلة المقاومة لاستعادة أرضهم وحقوقهم المسلوبة، بل يزدادون إصراراً على المقاومة، وتصميماً على العودة إلى الأرض والديار…
خلاصة الأمر، تؤكد هذه العملية الفدائية، وما سبقها وما سيليها من عمليات، تؤكد للصهاينة المحتلين، انّ ثمن بقائهم في فلسطين إنما هو المزيد من الدماء، لأنّ فلسطين كما قال حاخامات فرنسا عشية اختيار الحركة الصهيونية أرض فلسطين هي مكان لإقامة دولة كيان الاحتلال، «انّ فلسطين عروس جميلة مهرها الدماء التي ستسيل دون توقف»… ولذلك لا مخرج أمامهم سوى التخلي عن احتلالهم واستيطانهم لأرض فلسطين والتسليم بحق الشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين والعودة إلى أرضه ودياره التي هجّر منها بقوة الإرهاب والمجازر الصهيونية.
أما حكومة العدو برئاسة نفتالي بينيت فهي باتت اليوم كمن يبلع منجلاً:
فإذا هي ذهبت إلى الردّ بتصعيد عدوانها للانتقام من الشعب الفلسطيني فسوف تؤجّج نار المقاومة والانتفاضة وتوسع من دائرة اشتعالها..
وإذا لم تردّ بعملية واسعة فإنها تعكس عجزها وخوفها من اتساع دائرة الانتفاضة التي تأخذ أشكالاً جديدة في مواجهة الاحتلال، وستواجه معارضة قوية من أحزاب اليمين برئاسة بنيامين نتنياهو والمستوطنين المتشدّدين…
وفي كل الأحوال فإنّ هذا المأزق الصهيوني انما يعكس الأفق المسدود الذي وصلت اليه حكومات العدو بعد موت عملية أوسلو، واستهلاك وفشل التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية في القدرة على منع العمليات الفدائية، وإخماد المقاومة وترويض الشباب الفلسطيني…
وهو الأمر الذي يعكس فشل المشروع الصهيوني الاحتلالي الاستيطاني في تصفية قضية فلسطين والقضاء على مقاومة شعبها…