"منطقة حرة في لبنان": مشروع مرحلي للتقسيم والتدويل!
سركيس أبوزيد
يمر لبنان بمرحلة خطيرة جدّاً تُهدّد وجوده في ظلّ تسويات دوليّة وإقليميّة خطيرة قد تحوّله إلى هدايا تراضٍ بين الأطراف المتنازعة، في ظل غياب حوار مسؤول أبعد من التلهي بألعاب داخليّة غير مجدية. اتجاهات الأوضاع غير محسومة لأن لبنان يفتقد الى سلطات مركزية تؤمّن الحلول لأحداث كبيرة، وعليه فهو بانتظار مبادرات خارجية.
من المبادرات الدولية المنتظرة، ومن نتائج الانتخابات الفرنسية، سيكون لإيمانويل ماكرون وقت إضافي لتفعيل المبادرة التي بدأها، وقد يذهب باتجاه عقد مؤتمر دولي لمساعدة لبنان، لكنّ كل ذلك مُرتبط أولاً وأخيرًا بالتطوّرات الإقليمية والتفاهمات التي ستنعكس بنتائجها على لبنان.
في ظل مرحلة من الانتظار الحذر، كشف أمين عام المجموعة النيابية الأطلسية ومستشار السياسة الخارجية السابق لدونالد ترامب، وليد فارس، أن "الورقة الكويتية تُهيّئ لمشروع يتمّ التحضير له في الكونغرس قوامه إقامة منطقة خالية من الميليشيات في لبنان" على حد تعبيره.
وقال فارس في حديث إعلامي: "بتقديرنا إن إيران وحزب الله يعتبران أن هناك وقتاً ضائعاً حتى الانتخابات الأميركية ولن يقدّما تنازلات كبرى".
وأضاف: "الـستاتيكو" الحالي بات هشّاً وحزب الله أمام حلين، الصدام أو الامتثال للـ1559 وفق خطة أمنية أو مشروع مرحلي لتنفيذ القرار، وهو يشمل منطقة خالية من الميليشيات من بيروت حتى عكار.
وتابع: "المطروح مشروع يتمّ مناقشته في الكونغرس حول منطقة خالية من الميليشيات يحميها الجيش اللبناني وتفتح المجال أمام المساعدات والاستثمارات، وهذا المشروع أمني بحت وبعده كلّ الحريّة للبنانيين ليتفقوا حول المستقبل".
المنطقة الحرة ..
في الأسابيع والأشهر الماضية، تصاعد الكلام عن "مشروع لمنطقة حرة"، بحماية الجيش اللبناني، وحضور محدود لوحدات من الأمم المتحدة، وقيل إن المشروع هو الآن داخل الكونغرس الأميركي، ونسخ منه قد أرسلت إلى الإدارة وبعض الحكومات الأوروبية، وجذور هذا المشروع المشبوه مرتبطة بـ "تنفيذ محدود للقرار الأممي 1559"، واعتبره البعض نسخة مترجمة عن مبادرة البطريرك الراعي لمؤتمر دولي حول لبنان، بالإضافة لمبادرة عربية، خليجية الانطلاقة، حملتها الكويت إلى الحكومة اللبنانية أخيراً.
مشروع "المنطقة الحرة في لبنان" الذي يروج له فريق لبناني أميركي ويناقشه مع أعضاء في الكونغرس، يشمل كما ذكرت أوساطه ما يلي:
1ـ إقامة منطقة خالية من الميليشيات، بما فيها "حزب الله"، ما بين بيروت الإدارية والحدود الشمالية، وتشمل جبل لبنان وطرابلس وعكار، ويمكن إلحاق مناطق محاذية أخرى بهذه المساحة الأساسية، على أن يبقى "حزب الله" متواجداً في مربعاته الأمنية.
2ـ تكون المنطقة الحرة تحت حماية الجيش اللبناني وقوى الأمن، وتضم فيها الوزارات، ورئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، والمصرف المركزي، ويمكن تواجد وحدات دولية لمساعدة الجيش، كما هو الوضع في الجنوب، ويستمر الجيش مسؤولاً عن بقية المناطق كما هو الحال الآن.
3ـ يتم فتح مطارين مدنيين في "القبيات" (شمالاً) و"حامات" قرب البترون (شمالاً)، ويشرف الجيش على تأمين مرفأي بيروت وطرابلس.
4ـ تتأمن الحريات السياسية وحرية التعبير في المنطقة الحرة بشكل كامل، وتمنع أي مجموعة مسلحة من التحرك عبر مؤسسات الدولة في المنطقة الحرة، وتستمر المؤسسات الدستورية وتجرى الانتخابات النيابية والبلدية.
5ـ على هذا الأساس، يفتح الباب للاستثمار الأجنبي والعربي والاغترابي، في المنطقة الحرة، كي يعود تحريك الاقتصاد، وتفعيل المصارف، ومساعدة المجتمع على النهوض.
مشروع "المنطقة الحرة في لبنان" كما تروج وتزعم وتشرح الجهة التي تدعمه ليس تقسيماً، ولا نظاماً فيدرالياً جديداً، ولا إعادة تركيب الدولة، كل تلك الملفات سيتم الحوار حولها داخل المساحة هذه بهدف إنقاذ لبنان من "أخطار نهائية"، على الأصعدة الاقتصادية والديموغرافية والأمنية، وهي صيغة مرحلية ستستمر حتى حل الصراعات الإقليمية المتزايدة.
عملياً، يدعو رعاة "مشروع المنطقة الحرة" لتكون عبارة عن تحييد جزء من لبنان عن حروب المنطقة والمباشرة بالترميم الاقتصادي والاجتماعي. لكن فعلياً هو مشروع مرحلي يمهد للتقسيم والتدويل.
خيارات معاكسة
أصحاب هذا المشروع المشبوه يدعون بخداع الى التنفيذ الجزئي وتطبيق المشروع أولاً في مناطق معينة من دون أن يصطدموا بحزب الله، مما يؤدي عملياً الى التقسيم.
هذا المشروع بدأ تسويقه في السر والعلن وبأشكال وأساليب متنوعة. مثلاً: عُقِد مؤخراً في مبنى مكتبة الكونغرس الأميركي ما يُسمّى "مؤتمر لبنان العالمي" تحت عنوان: "استراتيجيات السياسة لتحرير لبنان"، شارك فيه من لبنان عبر "الزوم" شخصيات سياسية لم نتأكد منها، وقد ذُكر بعضها وسائل الإعلام.
كما تحدث في المؤتمر النائبان في الكونغرس دارين لحود وداريل عيسى، بالإضافة إلى الباحثَين الليكوديَين إيمانويل أوتولينغي، وجوزيف هيوميري، وزوجة العميل عامر فاخوري.
في الختام، هذه المشاريع التي يتم التداول بها في الكواليس الدولية، تعارضها أكثرية لبنانية واسعة ولكن المطلوب أكثر العمل على فضح مشروع "المنطقة الحرة"، ومواجهة هذا النوع من المخططات التي تترافق مع الترويج لمشاريع الفدرالية، وكلها أشكال من الوعود الوهمية التي تشجع بعض الجهات اللبنانية على خيارات انتحارية ومغامرات انتحارية يدفع ثمنها المواطن اللبناني من أمنه وأمانه.