بغداد تقطع طريق التطبيع مع العدو
عادل الجبوري
في مؤتمر صحفي موسع عقد قبل أيام، أعلن رئيس الكتلة الصدرية في مجلس النواب العراقي حسن العذاري، عن تقديم تحالف "انقاذ وطن" مشروع قانون للمجلس يقضي بتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، حيث قال "نعلن عن قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، وقطع الطريق أمام كل من يريد إقامة أي نوع من العلاقات مع هذا الكيان".
وبصرف النظر عن الجهة السياسية التي أقدمت على هذه الخطوة، وعن الحسابات والدوافع السياسية الخاصة، فإنها تنطوي على رسائل مهمة في خضم الكثير من الكلام واللغط عن وجود توجهات ونوايا ومخططات ومشاريع لوضع العراق على سكة التطبيع مع الكيان الصهيوني، كما حصل مع دول عربية وغير عربية عديدة خلال الأعوام الثلاثة الماضية. لعل أبرز تلك الرسائل، تتمثل في أن هناك ارادة سياسية وشعبية عراقية ترفض خيار التطبيع مع "اسرائيل" جملة وتفصيلا، بحيث إنها غير مستعدة حتى لطرح الموضوع ومناقشته داخل الاروقة السياسية والمحافل المجتمعية العامة.
أغلب الظن أن طرح مشروع القانون المذكور في البرلمان العراقي سوف يحظى بموافقة كل القوى والكتل السياسية، وحتى تلك التي ربما كانت لها مواقف مرنة حيال موضوعة التطبيع، فإنها لن تتجرأ على السباحة عكس التيار ومخالفة التوجه العام، وما يؤشر الى ذلك، هو أن فكرة القانون انطلقت من فضاء التحالف الثلاثي (التيار الصدري - الحزب الديمقراطي الكردستاني - تحالف السيادة)، الذي غالبا ما وجهت وتوجه أصابع الاتهام لبعض أطرافه بالتسويق للكيان الصهيوني ومد خيوط التواصل معه.
النقطة الجوهرية الأخرى في هذا السياق، تتمثل في أن تشريع القانون من قبل أعلى سلطة تشريعية في البلاد، بخصوص قضية حساسة وخطيرة، يعني فيما يعنيه قطع الطريق مستقبلًا على أي جهة سياسية أو حكومية، يمكن أن تفكر وتتحرك باتجاه تجاوز الخطوط الحمر، فضلًا عن كونه سوف يعزز ثقافة رفض الكيان الصهيوني وكل من يدعمه ويسانده، وكذلك الانتصار لمظلومية الشعب الفلسطيني.
هذا الحراك السياسي - البرلماني، جاء متزامنًا مع تقارير سربتها بعض الاوساط السياسية والاعلامية تفيد بوضع اليد على شبكات وعناصر تجسسية تعمل لصالح جهاز المخابرات الاسرائيلي (الموساد) في العاصمة بغداد ومدن عراقية اخرى.
فقبل ثلاثة أيام، ذكرت مصادر خاصة، أن الاجهزة الأمنية اعتقلت نهاية الأسبوع الماضي في العاصمة بغداد جاسوسين يعملان لجهاز الموساد الاسرائيلي، هما ألمانية تدعى (مارلينا فوستر)، وتنتحل صفة صحافية، ومرافقها السلوفيني (ماتيي)، وينتحل صفة مصور صحفي. وتؤكد المصادر ان الشخصين المذكورين دخلا العراق عبر اقليم كردستان، وحصلا على تصاريح مختلفة من السلطات في أربيل، ونفذا انشطة محظورة في كركوك والموصل، ثم في سنجار ضمن مواقع تابعة لحزب العمال الكردستاني التركي المعارض (PKK)، وفيما بعد غادرا سنجار نحو العاصمة بغداد بعد انطلاق العمليات العسكرية التركية الاخيرة.
وفي منتصف شهر نيسان - ابريل الجاري، تسربت معلومات عن قيام السلطات العراقية بإبعاد مدير مكتب شركة بريطانية متعاقدة للعمل في إحدى المؤسسات الحيوية العراقية - لم يذكر اسمها - على خلفية شبهات بقيام الشخص المذكور، وهو مصري الجنسية، بأنشطة تجسسية لصالح جهة خارجية، حيث تم حظر دخوله العراق لمدة عشرة اعوام.
وتتحدث تقارير، عن نجاح جهاز المخابرات العراقي بتفكيك عدة شبكات تجسسية للموساد في العراق خلال العامين الاخيرين، واعتقال تسعة وعشرين عنصرا تجسسيا يعملون للموساد، اغلبهم دخلوا اما بصفة سياحية او من خلال شركات استثمارية.
ورغم ان مثل تلك المعلومات لم تتأكد من قبل جهات رسمية حكومية، الا انها لا تبدو بعيدة عن الواقع، وهي فيما لو صحت، فبلا شك تعد ضربات قاصمة ومؤثرة لـ"تل ابيب"، تكمل ضربات سابقة تعرضت لها، من قبيل قصف حرس الثورة الاسلامية في ايران لأهم وأخطر مقرات الموساد في اربيل الشهر الماضي، والفشل الذريع الذي مني به مؤتمر (السلام والاسترداد) التطبيعي، الذي عقد في مدينة اربيل في الخامس والعشرين من شهر ايلول-سبتمبر من العام الماضي.
وحتى آفاق وفرص التعاون والتخادم بين انقرة و"تل ابيب" في كردستان العراق، بحجة مواجهة حزب العمال، تبدو غير مشجعة وغير مجدية، لا سيما مع الضربات التي يتلقاها الوجود العسكري التركي هناك، وأخذت تربك مجمل حساباته.
ليس هذا فحسب، بل ان العامل السيببراني-الالكتروني دخل على خط المواجهة مؤخرا، فقد شنت جهات عراقية اطلقت على نفسها (المقاومة الالكترونية العراقية) عدة هجمات سيبرانية مؤخرا، استهدفت مواقع حكومية سياسية وغير سياسية ومنصات اعلامية اسرائيلية وتركية، وعربية مؤيدة ومروجة بصورة مباشرة أو غير مباشرة لمشاريع التطبيع مع الكيان الصهيوني.
ناهيك عن ان الكثير من الخطوات والمبادرات التي تتحرك عليها مؤسسات سياسية اسرائيلية، كوزارة الخارجية، منذ فترة طويلة، من قبيل انشاء صفحات ومنصات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي بنكهة عراقية اجتماعية، والعمل على استمالة الجاليات العراقية المتواجدة في بلدان غربية من خلال فعاليات ونشاطات ذات طابع وصبغة اجتماعية تاريخية تراثية لم تفلح في تحقيق النتائج المرجوة، ولعل مخرجاتها كانت متواضعة جدا قياسا الى حجم الجهود والأموال والامكانيات التي وظفت لها.
واذا كانت "تل ابيب"، تعول على بعض المسارات لتحقيق اختراقات في البنية السياسية والاجتماعية العراقية، فإن مشروع القانون الجديد للبرلمان العراقي جعل ذلك التعويل في مهب الريح. والضربات السياسية والعسكرية والاستخباراتية والالكترونية التي تلقاها الكيان الصهيوني من العراق كافية جدا لتجعله يعيد كل حساباته من جديد.