واشنطن: من الضغط على الصين إلى التطبيع مع تركيا
هدى رزق
تعتقد أنقرة أن السياسة الخارجية الناجحة تفتح الباب أمام اقتصاد ناجح، حيث يؤكد إردوغان أن أنقرة "لن تشارك في فرض العقوبات على روسيا".
تعتبر الولايات المتحدة الأميركية وقوف عدد من دول العالم على الحياد في الأزمة الأوكرانية خسارةً لها ولحلفائها الغربيين، في ظلِّ عملها الدوؤب على عزل روسيا دولياً وفرض المزيد من العقوبات عليها.
لذلك، تسعى لكسر حياد بعض الدول التي تدور في فلكها، مثل تركيا و"إسرائيل"، والضغط على الدول المؤثرة والوازنة، ولا سيما الدول الكبرى التي لها تأثير اقتصادي في دعم روسيا، والتي يمكن ألا تتقيد بالعقوبات المفروضة، بل كانت قد عارضتها بشدة.
حاولت واشنطن من خلال اجتماع كلٍّ من وزيري خارجية الصين وأميركا في إيطاليا الضغط على الصين التي يمكن أن يكون لها دور في إحداث تغيرات، نظراً إلى تحالفها الاستراتيجي مع روسيا وعلاقتها السياسية والاقتصادية معها، كذلك فعل الاتحاد الأوروبي لاحقاً في محادثاته مع الصين، محاولاً الضغط على بكين وتهديدها بشكل مبطّن، لكونها من أكبر أسواق التجارة الصينية، وحثها على عدم مساعدة روسيا، فيما تضع واشنطن نصب عينيها هدف كسب الهند وجنوب أفريقيا إلى جانب عقوباتها المتزايدة.
إن إعراض الدول المؤثرة وامتناعها عن التصويت يساهمان في إضعاف العقوبات الغربية على موسكو؛ فتبادل التجارة معها عبر نظم مالية روسية وصينية موازية، فضلاً عن توفير فرصة لصادرات النفط والغاز الروسيين إلى الهند والصين، وإيجاد أسواق بديلة للأسواق التي فقدتها أو ستفقدها جراء العقوبات الغربية، يعتبران هزيمة لواشنطن.
تسعى الولايات المتحدة لتغيير مواقف تركيا و"إسرائيل"، اللتان تعتبران أن تبعات الأزمة الأوكرانية ستأتي على مصالحهما، وهما لا تريدان إغضاب موسكو، وتعتمدان دور الوساطة لحل النزاع.
سعى وزير الخارجية الأميركي بلينكن خلال زيارته إلى "إسرائيل" لحملها على اتخاذ موقف ضد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وفي الوقت نفسه حثّها على تخفيف التوترات مع الفلسطينيين، حتى لا تنفجر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية.
وقد تحولت أولوية السياسة الخارجية التركية إلى تأكيد أهمية الموارد الاقتصادية، فهي توحي بأن كل خطوات السياسة الخارجية تتخذ لهذا الغرض، من التحرك لتطبيع العلاقات مع مصر، الذي حدث في الربيع الماضي عندما ظهرت أزمة الدولار، إلى المصالحة مع الإمارات التي كانت تعتبر عدواً حتى وقت قريب، والتي اعتُبرت إحدى القوى الكامنة وراء محاولة الانقلاب في 15 تموز/يوليو 2016، إلى إصلاح العلاقات مع المملكة العربية السعودية، بعد أن كانت تنافسها لسنوات، إثر فرض الرياض مقاطعة غير رسمية على الواردات التركية مع تصاعد التوترات السياسية بشأن مقتل خاشقجي. بعد ذلك، جاءت المصالحة مع "إسرائيل"، من أجل السعي لتصدير الغاز إلى أوروبا، وجهود التطبيع مع أرمينيا.
تعتقد أنقرة أن السياسة الخارجية الناجحة تفتح الباب أمام اقتصاد ناجح. ويحدد إردوغان موقف تركيا من العقوبات الغربية على روسيا، مشيراً إلى أن أنقرة "لن تشارك في فرض العقوبات عليها".
وقد قال مؤخراً إنَّ تركيا عبرت عن رد فعلها على العملية العسكرية الروسية، وهي تولي الحفاظ على الحوار أهمية؛ فهو مهم وضروري، ليس في سياق أوكرانيا فحسب، ولكن أيضاً في العديد من المناطق الجغرافية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتركيا، مثل سوريا وليبيا وجنوب القوقاز.
جاء وصول فيكتوريا نولاند إلى تركيا في 2 نيسان/أبريل ضمن خطة واشنطن للتأثير في حلفائها الذين لم يوافقوا على العقوبات على روسيا، ومحاولة تطبيع العلاقات في ظلِّ الخلافات التي عصفت بالعلاقة بين الطرفين. وتشمل جولتها فرنسا وتركيا واليونان وجمهورية قبرص اليونانية وألمانيا.
تم الإعلان عن هدف الجولة بأنه "تنسيق للجهود ضد" روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية. وقد توجّهت نولاند ووفدها إلى مقر الرئاسة، وعقدت اجتماعاً مع المتحدث باسم الرئيس رجب طيب إردوغان ومستشار الأمن والسياسة الخارجية إبراهيم كالين، وتمت مناقشة مضامين الاجتماع الروسي الأوكراني الذي عُقد في إسطنبول في 29 آذار/مارس، وجرى تبادل المعلومات حول العملية الروسية في أوكرانيا، والتطرق إلى قضايا إقليمية مثل سوريا، في ظلِّ الحديث الَّذي تمَّ تداوله حول إعادة العلاقات التركية السورية.
كذلك، حضرت مواضيع أذربيجان وأرمينيا و"إسرائيل" و"أمن الطاقة والتعاون الدفاعي والعلاقات السياسية والاقتصادية الثنائية"، وتم الإعلان عن أن وكيلة وزارة التجارة الأميركية، ماريسا لاغو، ستزور أنقرة بين 5 و6 نيسان/أبريل، من أجل إنشاء الجزء التجاري من الآلية الاستراتيجية في إطار عملية التطبيع مع الولايات المتحدة التي بدأت مع أزمة أوكرانيا.
الاهتمام الأميركيّ المتجدّد بتركيا لا يرجع إلى إثبات أنقرة دورها في الأزمة الأوكرانية فحسب أو ينبع من حقيقة أنها أثبتت قدرتها على التصرف بشكل مستقل داخل الناتو، بل من أجل إعادة ضبط الحلفاء وجمعهم، في ظل العقوبات الجديدة التي يتم فرضها على روسيا، فهل يمكن للولايات المتحدة تلبية كلّ طلبات تركيا من أجل التزامها بالعقوبات ووقوفها ضد موسكو، مع العلم أن هذه العقوبات ترتد على دول الاتحاد الأوروبي، أو ستحاول إحياء مشروع شرق المتوسط من أجل الاتفاق على تصدير الغاز عبر تركيا، وهي هدية قيمة لها؟
ناقش الرئيس التركي تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية الثنائية مع المستشار الألماني أولاف شولتس، وهي المحطة الأخيرة في زيارة نولاند. وقد طلب من رئيس فنلندا، سولي نينيستو، الذي يُزعم أنه تقدم بطلب للحصول على عضوية الناتو مع السويد رفع الحظر المفروض على المواد العسكرية عن تركيا.
تحاول أنقرة الإبقاء على دور الوسيط بين أوكرانيا وروسيا، كذلك بين ألمانيا وروسيا، أو الجمع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في تركيا، وهي تعلم أن بايدن يحرّض على روسيا، ويريد نصراً عليها، كما يريد القبض على الموقف الأوروبي، لكن سياسة تركيا تبقى رهن مصالحها، فهي تعتقد أن نفوذها السياسي سيزداد في المنطقة، وسيتحول إلى منفعة اقتصادية تساعد إردوغان على تجاوز الأزمة الاقتصادية، فهل نحن أمام جزرة أميركية لتركيا بعد سياسة العصا سابقاً؟